صانع محتوى-21-4-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجري
محمد بن سامر
صانع محتوى-21-4-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجري
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
وبعدُ: فيا إخواني الكرامُ:
بَعدَ مَقتلِ عُثمانَ-رَضِيَ اللهُ عنه-ظَهَرَتْ الفِتنُ، ومِنْ رَحِمِها تُولَدُ البلايا والمِحَنُ، ظَهَرَتْ فِئةٌ غَريبةٌ على أَهلِ الإسلامِ، وهُم القَصَّاصُونَ الذينَ يَقُصُّونَ على النَّاسِ القَصصَ وأَحداثَ الأممِ والتَّاريخِ، ويَأتونَ بما يُضحِكُ النَّاسَ من الطَّرائفِ والنَّوادرِ، فيَكسِبونَ الشُّهرةَ، ويجمعونَ المالَ من الحُضورِ، فبدأَ يجتمعُ عليهم النَّاسُ في المَساجدِ، والنِّساءُ والأطفالُ في الطُّرقاتِ، ولأجلِ المُحافظةِ على مَصدرِ رزقِهم وجَذبِ انتباهِ السَّامعينَ، بدأوا يَخْلِطونَ الصَّحيحَ بالضَّعيفِ، والسَّمينَ بالغَثِّ، والصَّالحَ بالطَّالحِ، والصدقَ بالكَذبِ، والحقَّ بالباطلِ، فكذبوا في الأحاديثِ، وألَّفُوا القَصصَ، وزَيَّفوا الحَقائقَ، ولذلكَ حَذَّرَ السَّلفُ مِنهم، فها هو عليُّ بنُ أبي طالبٍ-رَضِيَ اللهُ عَنه-يُخرِجُ القَصَّاصينَ من جَامعِ البَصرةِ، ورأى عبدُاللهِ بنُ عُمرٍ-رضيَ اللهُ عَنهُما-قَاصًّا يَقُصُّ في المَسجدِ، فَوَجَّهَ لصَاحبِ الشُّرطةِ بإخراجِهِ من المسجدِ.
واليومَ نرى حَادثةَ القَصَّاصينَ تتَكررُ ولكن على نِطاقٍ أَكبرٍ، وتتَغيَّرُ المُسميَّاتُ ويَبقى المعنى والمضمونُ والأثرُ، فيأتي من يُطلقُ على نَفسِه بأنَّه: (يُوتْيُوبَرْ) صانعُ مُحتوى، وهو خَالٍ من المُحتوى، فكيفَ لمَنْ لا يَملكُ شيئًا أن يُطفأَ ظَمأَ المَشاهدينَ، فَهلْ لكوبٍ فَارغٍ من المَاءِ، أن يسقيَ عَطشانًا؟ هَكذا هُم صُنَّاعِ المُحتوى الفارغينَ، الذينَ لا هَمَّ لهم إلا تكثيرُ المُتابعينَ، فبالأمسِ كلمةٌ مُفيدةٌ، واليومَ قِصَّةٌ جَديدةٌ، وغدًا انتهى المَحتوى الضَّحلُ المُتواضعُ، والمتابعونَ ينتظرونَ طَلَّةَ النَّجمِ السَّاطعِ، فماذا عسى أن يُبدعَ المَشهورُ في جديدِ المَقاطعِ؟ هُنا يبدأُ كَشفُ العوراتِ الحِسيَّةِ والفِكريَّةِ، للمُحافظةِ على الشَّعبيَّةِ الجماهيرِيةِ.
ما رأيُّكم بجاهلٍ في الدِّينِ والتَّاريخِ والآدَابِ، يَفتحُ كلَّ المواضيعِ بابًا خلفَ بابٍ؟ لا هَمَّ لأكثرِهم إلا جَمعُ المالِ والشُّهرةُ العَريضةُ، ولو كانَ على حِسابِ الأخلاقِ والفَضيلةِ، يُصوِّرُ كلَّ شيءٍ، في كلِّ وقتٍ، لا يمنعُه وازعُ الدِّينِ والحَياءِ، قد أَعمَى عينَه بريقُ الأضواءُ، ولا مانعَ لديهِ من رؤيةِ المتابعينَ لبعضِ الأسرارِ، والكَذبِ لجَذبِ الأنظارِ، ويُظهرُ للنَّاسِ أنَّه أَسعدُ النَّاسِ، وفي حقيقتِه أنَّه أَشقى النَّاسِ، والمُصيبةُ إذا كانَ المُستهدفُ هم شبابُنا وفَتياتُنا، فَتصلُ المَعلومةُ دُونَ تَحليلٍ إلى العُقولِ، صحيحةً كانتْ أو خُرافةً من مجهولٍ، فأيُّ قِيمٍ تُبنى بِها أرواحُ الأجيالِ، وأيُّ حَضارةٍ نَبحثُ عنها بينَ الأطلالِ؟
قَالَ ابنُ كَثيرٍ-رَحمَهُ اللهُ-في تَفسيرِ قولِهِ-تعالى-: (يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ): "قَدِمَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الْمَدِينَةَ، فَسَمِعَ رجلًا يدعى بالْمُعَافِرِيِّ يَتَكَلَّمُ بِبَعْضِ مَا يُضْحَكُ بِهِ النَّاسَ-وفَرقٌ بينَ من يُضحكُ النَّاسَ ومَن يُسعِدُهم-فَقَالَ لَهُ: "يَا شَيْخُ، أَمَّا عَلِمْتَ أَنَّ لِلَّهِ يَوْمًا يَخْسَرُ فِيهِ الْمُبْطِلُونَ؟ فَمَا زَالَتْ تُعْرَفُ فِي الْمُعَافِرِيِّ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ-عَزَّ وَجَلَّ-"، فكانَ لهذِه الكلماتِ أثرٌ في تَغييرِ حياتِهِ حتى ماتَ-رحِمَهم اللهُ تعالى-.
أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فإذا أردتَ أن تعرفَ مُستقبلَ بَلَدٍ مِن البُلدانِ، فانظرْ إلى مَشاهيرِها الذي يُشارُ إليهم بالبَنَانِ، هل هم علماءُ الدِّينِ والطِّبِ والهّندسةِ والإبداعِ في كلِّ المجالاتِ، أم هم الفارغونَ والفارغاتُ والسَّاقطونَ والسَّاقطاتُ؟ ولذلكَ يجبُ منعُ من يُضيَّعُ الثَمينَ من أوقاتِنا، ويُفسدُ عُقولَ أبنائنا وبناتِنا، ذكر ابنُ جَريرٍ الطبريِ-رحمَهُ اللهُ-في تاريخِه في حَوادثِ سَنةِ مئتينِ وتسعٍ وسبعينَ للهجرةِ أنه: "نَوديَ في بَغدادٍ: ألاَّ يَقعدُ على الطَّريقِ ولا في المَسجدِ الجَامعِ قاصٌّ، ونُهيَ النَّاسُ عن الاجتماعِ إلى القُصَّاصِ"، وهكذا تُحفظُ أوقاتُ النَّاسِ وعُقولُهم.
إخواني: الأمَّةُ مُستَهدفةٌ في أغلى ما تملكُ، في دِينِها، وتاريخِها، ولُغتِها، وبلادِها، ووُلاةِ أمرِها، وعلمائِها، ونسائِها، وأبنائِها وبناتِها، فنحتاجُ إلى تَوعيةٍ بمصادرِ الأخطارِ، وبيانٍ لمكائدِ الفُجَّارِ، وتذكيرٍ بعداوةِ الكُّفارِ، أَحْسِنْ بمن يُحيي في قُلوبِنا تُراثَنا الأصيلَ، وأَجْمِلْ بمن يُحدِّثُنا عن تاريخِنا الجَليلِ، وأَكْرِمْ بمن يبعثُ في نفوسِنا الأملَ الجميلَ، ويُذكِّرُنا بوَعدِ اللهِ لنَّا بالتَّبديلِ: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا).
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنَّا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، وأَسْأَلُكَ لي ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، والدينِ والدنيا والأهلِ والمالِ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ اللهِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1637848643_صانع محتوى-21-4-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجري.docx
1637848647_صانع محتوى-21-4-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجري.pdf