شكرًا غزة-3-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبد العزيز العويد
محمد بن سامر
شكرًا غزة-3-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبد العزيز العويد
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
يعجَزُ اللسانُ عن وصفِ مناظرِ غزةَ المروِعةِ، ويخورُ عن بيانِ مشاهِدها المفزعةِ، عدوٌ غاشمٌ، وقريبٌ ظالمٌ، ووجهٌ كالحٌ، وليلٌ حالكٌ، أجسادٌ ذَبُلَتْ، ونفوسٌ ظَمِئتْ، أطفالٌ تحت الأنقاضِ يستغيثونَ، ورجالٌ بين الركامِ يَئِنونَ، ونساءٌ هنا وهناك تصرخُ وتصيحُ، وأهلُ غزةَ ما بينَ شهيدٍ وجريحٍ، بلسانِ الحالِ ولسانِ المقالِ يرددونَ: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ)، لكنَّ المسلمَ الذكيَ الفطنَ يستخرجُ المنحةَ من البليةِ، ويرى في ظلامِ المصائبِ الدامسِ نورًا من خيرٍ ومِنَّةٍ، (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ).
نقولُ بملْء أفواهِنا:
شكرًا غَزَةُ، فقد رأينا فيك صورَ الصمودِ والعزةِ، تجلتْ في العبرِ والدروسِ، فغدتْ تنيفسًا في الحربِ الضروسِ.
شكرًا غَزَةُ، فقد جمعتِ المسلمينَ والعادلينَ على قلبِ رجلٍ واحدٍ، فهم ما بين مناصرٍ ومعاونٍ ومساندٍ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-: "واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه".
شكرًا غزةُ، فقد رأينا فيك معانيَ البطولةِ والاستبسالِ، تُسابِقُ النساءُ فيها الرجالُ، قومٌ عندهم الموتُ والحياةُ سواءٌ، فطالبُ اليأسِ منهمِ كطالبِ نارٍ في ماءٍ.
قِبابُ الحقِّ خُوذتُنا*ومسجدُنا معسكرُنا
وحقُ اللهِ يحفظُه*جنودُ الحقِ والإيمانْ
فلا ظُلْمٌ سيَقهرُنا*ولا غدرٌ سيُضعِفُنا
فقلعتُنا سيحميها*جموعُ الشعبِ في الميدانْ
قمْ فإنَّ اللهَ لا يرضى بأنْ تحيا ذليلا
واحمل الراياتِ حرًا واحتملْ حِمْلًا ثقيلا
يا جنودُ اللهِ سيروا واصْبِروا صبرًا جميلا
إنَّ نصرَ اللهِ آتٍ وعدُهُ أَصْدَقُ قِيلا
زمرةَ الطغيانِ سُحْقًا أخذُكم أَخْذًا وبيلا
فارقبوا للنصرِ جيشًا جرَّدَ السيفَ الصقيلا
خُضْ غِمارًا أنتَ فيهِ شامخًا حرًا أصيلا
إنه نصرُ مبينٌ أو سُتُروى سلسبيلا
خذْ دِمانا نحنُ من يروي اللواءْ
مَنْ سِوانا؟ نحنُ للدينِ الفِداءْ
شبابٌ ذلّلوا سبلَ المعالي*
وما عرفوا سوى الإسلامِ دِينا
إذا شهدوا الوغى كانوا كُماةً*
يَدُكُّونَ المعاقلَ والحصونا
وإنْ جنَّ المساءُ فلا تراهم*
من الإشفاقِ إلا ساجدينا
شبابٌ لَم تحطّمه الليالي*
ولم يُسلِمْ إلى الخصمِ العرينا
شكرًا غزةُ، فقد رأينا في المسلمينَ جماعةً من أهلِ النفاقِ، تسوؤُهم غلبةُ المسلمينَ والاتفاقُ، وتسرُهم الهزيمةُ والانشقاقُ، ضاقتْ صدورُهم عن عفِنِ الرأيِ فأخرجوهُ، وعلى وجوهِهم سيما ذُلٍ كتموه، (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ).
شكرًا غزةُ، فقد أظهرتِ لنا أنَّ أُممَ الكفرِ اجتمعوا على حربِ الإسلامِ، حتى لا يدري المسلمُ من أي صوبٍ تأتيه الرماحُ أو السهامُ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ).
ولو كان سهمًا واحدًا لاتَّقَيْتُهُ*
ولكنَّهُ سهمٌ وثانٍ وثالثُ
شكرًا غزةُ، فقد أثبتِ لنا أنَّ دولةَ اليهودِ أوهنُ من بيتِ العنكبوتِ، وأنَّ الغلبةَ-بإذنِ اللهِ-للهِ وجُندِ اللهِ على جُنْدِ الطاغوتِ، فاللهُ لا يُعجزُه شيءٌ هو ذو الجبروتِ والملكوتِ، (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ).
شكرًا غزةُ، فقد أحييتِ فينا معانيَ الشجاعةِ والرجولةِ، والشهامةِ والبطولةِ، فهذا الملثمُ أبو عبيدةَ ناطقُ المجاهدينَ، يثيرُ الرعبَ بإحصاءاتِ قتلى العدوِ وأَسْرِهم وتدميرِ أسلحتِهم والغنائمِ والجهادِ، ويزفُ البشائرَ للمسلمينَ الصادقينَ بهلالِ النصرِ أو الاستشهادِ، (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).
ارتقى المنبرَ-مرةً-شيخُ المجاهدينَ السوريُ عزُ الدينِ القسامُ-رحمه اللهُ-فأخرجَ سلاحَهُ وقالَ للناسِ: "مالي أراكم منشغلينَ بزخرفةِ المساجدِ والبيوتِ، عن اقتناءِ سلاحٍ تجاهدونَ به العدوَ، من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقتنِ مثل هذا، وإنه لجهادٌ، نصرٌ أو استشهادٌ".
حقَّ الجهادُ فليسَ عنه خيارُ*
وغلتْ مراجلُ ما لهنَّ قرارُ
خيلُ المنايا أُسرجتْ فتأهبي*
حطينُ إنَّ رحاك سوفَ تدارُ
فالحربُ أشفى للنفوسِ إذا اشتكى*
فيها من الغيظِ الحبيسِ أُوارُ
وإذا أُهينُ الحقُ صاحَ بأهلِه*
صوتُ السماءِ وجُنِّدتُ أقدارُ
يا مسلمونَ ومن سواكم للحِمى*
إنْ كَشَّرَتْ عن نابِها الأخطارُ
يدعوكمُ الوطنُ الذبيحُ ومسجدٌ*
أُسْري إلى ساحاتِه المختارُ
يجترُ في القيدِ العذابَ مرددًا*
شكواه: أينَ الأمةُ الأخيارُ؟
أينَ الذين همُ الرجالُ إذا دُعوا*
هَبُوا وإنْ دوى النفيرُ أغارُوا؟
سيعودُ للقدسِ الحبيبةِ مجدُها*
وتَشِعَ مِلءَ رحابِها الأنوارُ
اللهُ أكبرُ في الحياةِ نشيدُنا*
نورٌ على دربِ الكفاحِ ونارُ
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فقد عَزَّى اللهُ المؤمنينَ في حروبِهم مع أعدائِهم عبرَ التاريخِ وواساهم فقالَ: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)، فالمسلمُ الحقُ الذي يقاتلُ أعداءَ الدينِ، إنما يرجو إحدى الحسنينِ: النصرَ أو الشهادةَ في سبيلِ ربِ العالمينَ، وهكذا ربى رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-أصحابَه، فإنه لما دارتِ الدائرةُ على المسلمينَ يومَ أُحدٍ وقُتِلَ منهم من قتِلَ، وأنزلُ اللهُ في سورةِ آلِ عمرانَ من آياتِ المواساةِ لهم ما أنزلَ، فصارتْ شحذًا لهِممِ الصحابةِ-رضي اللهُ عنهم-حتى فتحوا مشارقَ الأرضَ ومغارِبها، فالمهمُ ألا يقطعَ العبدُ صِلَتَهُ باللهِ ناصرِ المظلومينَ، (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) بنصرِ الدينِ، ولا ييأسْ من رَوْحِ اللهِ قاهرِ الظالمينَ، (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، ونصرُ اللهِ آتٍ لا محالةَ، وأرضُ فلسطينَ أرضُ المحشرِ والإسلامِ إلى يومِ القيامةِ، قال رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ".
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ يا عَزِيزُ يا جَبَّارُ، يا قَاهِرُ يا قَادِرُ، يا مَنْ لاَ يُعْجِزُه شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّماءِ، أَنْزِلْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ عَلَى المعتدين من اليَهُودِ والنصارى والكافرينَ، وعلى كلِّ عدوٍ للإسلامِ والمسلمينَ.
اللَّهُمَّ يا مَنْ بِيَدِهِ مَقَالِيدُ الأُمُورِ، يا مَنْ يُغَيِّرُ وَلاَ يَتَغَيَّرُ، نَسْأَلُكَ نَصْرًا تُعِزُّ بِهِ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ، وَتٌذِلُّ بِهِ البَاطِلَ وَأَهْلَهُ.
اللَّهُمَّ الطفْ بإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بهم على كلِ حالٍ، وبلغهم من الفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ كن لهم ناصرًا ومعينًا يا ربَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه.
اللَّهُمَّ أنتَ حسبُنا ونِعْمَ الوكيلُ، عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم.
اللَّهُمَّ إنَّا والمسلمينَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى.
اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1700209086_شكرًا غزة-3-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبدالعزيز العويد.docx
1700209086_شكرًا غزة-3-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبدالعزيز العويد.pdf