شُكْرًا أيُها المعلمُ-19-1-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ

محمد بن سامر
1443/01/18 - 2021/08/26 03:21AM

شُكْرًا أيُها المعلمُ-19-1-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ

    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد: فيا إخواني الكرام:

عندما بدأَ التَّعليمُ عن بُعدٍ، حصلَ في البيوتِ استنفارٌ كبيرٌ، ورُفعتْ الحالةُ الطَّارئةُ، فهناكَ طالبٌ أو اثنانِ، أو طالبةٌ أو طالبتانِ، يحتاجونَ إلى تهيئةِ البيئةِ التَّعليميةِ الهادئةِ، الأجهزةُ الذَّكيةُ مشحونةٌ، وإشارةُ الإنترنتِ مُتصلةٌ، افتحوا المنصَّةُ، فقد بدأتْ الحِصةُ، الأبُّ يراقبُ ويوجِهُ، والأمُّ تعينُ وتساعدُ، انتبهْ أيَّها الولدُ، شاركي أيتَّها البنتُ، افتحوا الكتابَ، نافِسوا الطُّلابَ، اختلطتْ المشاعرُ، بينَ صبرٍ وحِلمٍ، وحَربٍ وسِلمٍ، تشجيعٌ ثُمَّ تهديدٌ، مدحٌ ثُمَّ وَعيدٌ، استقبالٌ لمكالماتِ الإدارةِ ورسائلِها، عن الواجباتِ أو المُشاركةِ أو انقطاعِ الإشارةِ، أربعُ ساعاتٍ، تستنفذُ الطَّاقاتُ.

وهُنا يتأملُ الإنسانُ تأملًا عميقًا، ثُمَّ لا يملكُ إلا أنْ يقولَ: عجبًا لكَما أيَّها المُعلمُ والمعلمةُ، لقد استنزفَ جُهدَنا ووقتَنا طالبٌ أو اثنانِ، أو طالبةٌ أو طالبتانِ، فكيفَ كُنْتُما تفعلان في فصلٍ فيهِ ثلاثونَ طالبًا أو طالبةً؟ وكيفَ كُنْتُما تضبطَانِ النِّظامَ وتـُمْسِكَانِ بالزِّمامِ، كيفَ صبرتـُما على أبنائِنا وبناتِنا ولم نستطعْ نحنُ عليهم صَبرًا؟ لقد علمنا اليومَ علمَ يقينٍ، فضلَ المعلماتِ والمُعلمينَ، واستشعرنا شرفَ المُهمةِ التي يقومونَ بها، وحُقَّ لأمثالِ هؤلاءِ ثناءُ اللهِ تعالى عليهم ودعاءُ الكونِ لهم، كما قالَ النبيُ-عليهِ وآلِه البركةُ والصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إِنَّ اللهَ-عزَّ وجلَّ-وملائِكتَهُ، وأهلَ السمواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ"، فلكم مِنَّا كلُّ الشَّكرِ والتَّقديرِ.

يستطيعُ العَالَـمُ أن يستبدلَ التَّعليمَ التَّقليديَّ بالتَّعليمِ عن بعدٍ، ويستبدلَ الفصلَ الدِّراسيَّ بالفصلِ الافتراضيِّ، ويستبدلَ الكُتبَ الورقيةَ بالأجهزةِ الذَّكيةِ، ويستبدلَ المناهجَ العاديةَ بالمناهجِ الرَّقْميةِ، ولكن أينَ نجدُ للمعلمةِ أو المعلمِ القُدوتينِ الصَّادقَينِ الـمُخْلِصَينِ النَّاصِحَينِ المربيينِ بديلًا؟ 

كم من كلمةِ منهما صنعتْ في تاريخِ الأمَّةِ مَجدًا، وكم من تشجيعٍ وتحفيزٍ أثارَ في نفوسِ الطالبينِ والطالباتِ وَجدًا، فها هو صحيحُ البخاري الذي هو أصَّحُ الكتبِ بعدَ كتابِ اللهِ-تعالى-، كانَ اقتراحًا من معلمٍ لطلابِه، يَقولُ محمدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ-رحمَه اللهُ-: "كنتُ عندَ إسحاقَ بنِ رَاهويه، فقالَ لنا: لو جَمعتم كتابًا مُختصرًا لسُننِ النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلهِ وباركَ وسَلمَ-، فَوقعَ ذَلكَ في قَلبي، فَأخذتُ في جَمعِ هذا الكتابِ"، وها هو الإمامُ الذَّهبيُّ مُحدِّثُ الأنامِ، ومؤرِّخُ الإسلامِ، ومُترجمُ الأعلامِ، يصنعُه معلمٌ، يقولُ عن شَيخِه عَلَمِ الدِّينِ البِرزَالي-رحمَهُما اللهُ-: "وكانَ هو الذي حَبَّبَ إليَّ طلَبَ الحديث؛ فإنَّه رأى خَطِّي فقَالَ: خَطُّكَ يُشبِهُ خَطَّ المحدِّثينَ، فأثَّر قَولُه فيَّ"، فأصبحَ الذَّهبيُّ من كبارِ العلماءِ الـمُحدِّثين.

فشُكراً من القلبِ لكَ أيَّها المعلمُ، يقولُها لكَ تلميذُكَ الذي أصبحَ أميرًا أو وزيرًا أو مسؤولًا يقودُ حضارةَ البلادِ، ويقولُها لكَ تلميذُك الذي أصبحَ طَبيبًا يُحاربُ الوباءَ ويُعالجُ العبادَ، ويقولُها لكَ تلميذُكَ الذي أصبحَ مُهندسًا يبني الازدهارَ والأمجادَ، ويقولُها لكَ تلميذُك الذي أصبحَ رَجلَ أمنٍ يُحاربُ أهلَ الفسادِ.

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

 ففي كتابِ طرائفِ النوادرِ عن أصحابِ المآثرِ للدكتورُ عليُّ القاسمي: "أنَّ الأستاذَ الدكتورَ عبدَ المنعمِ تِلِّيمةَ، أُستاذَ النقدِ الأَدبي في جَامعةِ القَاهرةِ يَقولُ: كنتُ أَعملُ أَستاذًا للغةِ العربيةِ باليابان خِلالَ الثمانينات، وحَصلتُ على رَاتبٍ أَعلى من رَاتبِ رَئيسِ الوزراءِ الياباني، فخِفتُ أن يكونَ هُناكَ خَطأٌ ويُطالبوني بردِّ المبلغِ بعدَ ذلك، فذهبتُ إلى مسؤولِ المالياتِ في الجامعةِ، فقَالَ لي: إنَّ قَانونَ الرواتبِ في اليابان مُوحَّدٌ على الجميعِ، وإن درجتي العلميةَ أَعلى من دَرجةِ رَئيسِ الوزراءِ، وسَنواتِ خِبرتي أَكثرُ منه، إضافةً إلى تَميِّزِ المعلمِ ومَكانتِه التي تُعتبرُ أَعلى من رَئيسِ الوزراءِ اليَاباني، لذلك تَستحقُ رَاتبًا أَكثرَ من رَئيسِ وزرائِنا".

هذا من أهمِ أسبابِ تقدُمِ اليابانِ على كثيرٍ من البُلدانِ، وهكذا كلُّ من أرادَ الوصولَ إلى قِممِ الجبالِ الشَّاهقاتِ، فعليهِ بإجلالِ المُعلمينَ والمُعلماتِ، فهم الذينَ صَنعوا رجالَ الدَّولةِ من أصغرِ موظفٍ إلى أكبرِ مسؤولٍ، وهم الذينَ يستثمرونَ في الأجيالِ ويَصنعونَ العقولَ، ومهما حاولنا من الثَّناءِ والتَّعبيرِ، لن نُوفيَهم حقَّهم من الشُّكرِ والتَّقديرِ.

أعطوا المعلمَ ما يُعيدُ بَهاءَه*ليعودَ يُسرجُ في الدُّجى قِنديلا

زيدوهُ قدْرًا كي يُنيرَ بنورِه*فَيَعُمَّ خيرٌ يَستمرُّ طَويلا

وَضَعوهُ فَوقَ رؤوسِنا وجباهِنا* كي يأخذَ التَّبجيلَ والتَّقبيلا

يا حيُ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحسنى، وصفاتِك العلى، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

 

المرفقات

1629948081_شُكْرًا أيُها المعلمُ-19-1-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ.docx

1629948084_شُكْرًا أيُها المعلمُ-19-1-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ.pdf

المشاهدات 1588 | التعليقات 1

جزى الله المعلمين والمعلمات كل خير فهم علموا  وربوا وصبروا  ولعلهم الآباء والأمهات الان عرفوا قيمة المعلم ويعلموا اولادهم إحترامهم وشكرهم ورد الجميل لهم