سقيُ الماءِ-10-1-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري (للجوال)

محمد بن سامر
1445/01/09 - 2023/07/27 07:45AM

سقيُ الماءِ-10-1-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

تَأمَلوا هَذا الـموقفَ الإنسانيَّ القَصيرَ، الذي يَعجَزُ فِيهِ اللِّسانُ عَن التَّعبيرِ، يَقُولُ النبيُ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: "بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ-يَدورُ حَولَ بِئرٍ-قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ-زانيةٌ-مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا-خُفَّهَا-فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ؛ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ"، لا إلهَ إلا اللهُ... مِقدَارُ خُفٍّ مِن ماءٍ سَقَتْ بِهِ الحَيوانَ، يـَمحو مَا كَانَ مِن سِنينِ الغِوايةِ والعِصيانِ! فَمَا أَعظمَ أَجرَ سَقْيِ الماءِ! وَكَم فيهِ من خَيرٍ وعَطاءٍ! ولِذَلِكَ قَالَ بَعضُ التَّابعينَ-رحمَهم اللهُ-: "مَن كَثُرتْ ذُنوبُهُ فَعَليهِ بسَقيِ المَاءِ".

المَاءُ هُو مَصدرُ الخَلقِ والإنشاءِ، وهُو أَساسُ الحَياةِ والبَقاءِ، قَالَ-تَعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)، هُو-عندَ المبذرينَ المسرفينَ-أَهونُ مَوجُودٍ، وَعندَ كلِّ الخلقِ أَغلَى مَفقُودٍ، هُو مِن أَعظمِ نَعيمِ أهلِ الجنةِ، ومِنْ أَغَلى أَمانِيِّ أهلِّ النَّارِ، (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ)، وَقَد سُئلَ ابنُ عَباسٍ-رضي اللهُ عنهما-: "أَيُّ الصَّدقةِ أَفضلُ؟ فَقَالَ: المَاءُ، أَلمْ تَروا إلى أَهلِ النَّارِ حِينَ استَغَاثوا بِأَهلِ الجَنَّةِ (أَنْ أَفيضوا عَلينا مِنَ المَاءِ أَو مِمَا رَزقَكم اللهُ)".

عِندَما تَرتفِعُ الحَرارةُ وتَزدَادُ، وتَنشَفُ الألسنةُ والأكبادُ، ويَكونُ المَاءُ الباردُ للظامِئ أغلى مِن كُلِّ شيءٍ، فَسَقيُّ المَاءِ حِينَها هو أَفضلُ الصَّدَقاتِ، وَأَعظَمُ أَجرًا للأحياءِ والأمواتِ، فَقَد "جَاءَ سَعدُ بنُ عُبادةَ-رَضيَ اللهُ عَنهُ-إلى النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّم-فَقَالَ: يَا رَسولَ اللهِ، إنَّ أُمِّي مَاتتْ، أفأَتصدَّقُ عنها؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلتُ: فأَيُّ الصَّدقةِ أَفضَلُ؟ قَالَ: سَقْيُ الْمَاءِ"، فَاجعَلْ نِيَّتَكَ وَأنتَ تَتَصدَّقُ بِالماءِ أنها صدقةٌ عَنكَ وَعن أَمواتِكَ.

عِندَما يَطولُ المَرضُ والبَلاءُ، ويعجَزُ الأطِّباءُ، فأكثروا من الصدقةِ والدعاءِ، وأفضَلُها سَقيُّ الماءِ، سمعَ ابنُ شَقيقٍ-رحمه اللهُ-عبدَ اللهِ بنَ المباركِ-الإمامَ الـمُحَدِّثَ، الزاهدَ المجاهدَ، العالمَ الكبيرَ-رحمه اللهُ-سـمعَه وقدْ سَألَهُ رَجلٌ عن قُرحةٍ خَرجتْ في ركبتِه مُنذُ سَبعِ سِنينَ، وقد عالجها بأنواعِ العِلاجِ، وسَألَ الأطبّاءَ، فلم ينتفعْ بـِما أعطوه، فقال له ابنُ المباركِ: اذهَبْ فاحفِرْ بئرًا في مكانٍ يحتاجُ النَّاسُ فيه إلى الماءِ، فإنِّي أرجو أن ينبُعَ هناك عينٌ، ويـُمسِكَ عنكَ الدَّمُ، ففعل الرَّجلُ فبرأ بإذنِ اللهِ.

عِندَما يَعظُمُ الخَطبُ، ويَشتَدُّ الكَربُ، ويَتفَاقَمُ الأمْرُ، ويَقِلُ الصَّبْرُ، فَقَدِّمْ قبلَ الدُّعاءِ، سَقْيَ مَاءٍ، كَما فَعَلَ كَليمُ الأنبياءِ-موسى عليه السلامُ-، (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)، فَمَا الذي حَدثَ بَعدَ ذَلكَ؟ أصَبحَ الخَوفُ أمنًا، وَأَصبحَ لِلشَّريدِ زوجةٌ ووَظيفةٌ ومَأوى، دُونَ جُهدٍ أو عناءٍ.

(أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ*أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ*لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)، فَيُذَكِّرُنا اللهُ-تَعالى-بِشُكرِهِ على نعمَةِ المَاءِ، لأنَّ النِّعَمَ تَزيدُ بالشَّكرِ وتَزولُ بالكُفرِ، كَما قَالَ-سُبحَانَه-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، فَاللهمَّ لَكَ الحَمدُ والشُّكرُ على كُلِّ شيءٍ.

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فيقولُ الرسولُ-صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "مَنْ حَفَرَ مَاءً، لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَبِدٌ حَرَّى-حَارةٌ يَابسةُ مِن العَطشِ-مِنْ جِنٍّ ولا إِنْسٍ ولا طَائِرٍ إِلَّا آجَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وهَكذا مَن أَوقفَ بَرَّادةَ مَاءٍ في مسجدٍ أو عِندَ بَيتِهِ، ومَن وَضعَ ماءً في المَساجدِ يَشربُ مِنهُ الـمُصلَّونَ، ومَن وَضعَ ماءً يَشربُ مِنهُ الطُّيورُ والدَّوابُّ، وَمن وَزَّعَ ماءً على النَّاسِ في الشَّوارعِ أو البُيوتِ، بَل حتى مَا تَسقيهِ أهَلَكَ فإنَّهُ صَدقةٌ.

السَّيدةُ زُبيدةُ زَوجةُ هَارونَ الرَّشيدِ-رَحِمَهما اللهُ تَعالى-كَتَبَ اللهُ لَها الحَجَّ فَحَجَّتْ، وَرَأتْ مَا يُعَانيه الحُجَّاجُ مِن مَشَقةِ الطَّريقِ وقِلَّةِ المَاءِ، فَمَهَدَتْ طَريقًا للقَوافلِ، وَجَعَلتْ فِيهِ مَحطاتٍ تَحوي سُبَلَ  الرَّاحةِ مَنْ طَعَامٍ وَشَرابٍ ومبيتٍ، في أمنٍ وأَمَانٍ، ونَقَلَتْ المَاءَ مِن جِبالِ الطَّائفِ إلى مَكةَ المُكرمةِ، بِحَفرِ القَنواتِ وشَقِّ الجِبالِ-وهي التي اِشْتُهِرَتْ بقناةِ عينِ زُبيدَةَ، وطولُ هذهِ العينِ ستةَ عشرَ كيلو مترًا، وبقي الناسُ ينتفعونَ بها أكثرَ من ألفِ سنةٍ-وأَنفَقَتْ أموالًا طَّائلةً ذَكَرَ المُؤرخونَ بِأنَّها مَليونٌ وسَبعُ مئةِ ألفِ مِثقَالٍ مِن الذَّهبِ-مَا يُقاربُ ستةَ آلافِ كيلو من الذَّهبِ-فَلمَا انتَهى المَشروعُ جَاءَ العُمَّالُ وفي أَيدِيهم دَفَاتِرُ الإنفَاقِ حَتى تُراجِعَ  الحِساباتِ، وَكَانتْ في قَصرِها المَطلِّ عَلى نَهرِ دِجلةَ، فَأَخَذَت الدَّفاترَ وَأَلقَتْهَا في المَاءِ، وَقَالتْ: " "تركْنا الحسابَ ليومِ الحسابِ؛ فمن بقيَ عندَه شيءٌ من المالِ فهو لهُ، ومن بقي له شيءٌ عندَنا أعطيناه".

أخي صاحبَ الدينِ والجمالِ، والنظافةِ والكمالِ: ما أجملَ أن تشربَ من عُبوةِ ماءٍ، تُسَمِّي اللهَ في أولِـها، وتحمدُه في آخرِها، ثم تلقيها إذا نفدتْ في سلةِ المهملاتِ، وإن بقيَ فيها بقيةٌ سقيتَ منها شجرةً أو طيرًا أو حيوانًا، قالَ رسولُ اللهِ-صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "بينا رجلٌ يمشي فاشتدَّ عليه العطشُ، فنزلَ بئرًا فشربَ منها، ثم خرجَ فإذا هو بكلبٍ يلهثُ يأكلُ الثَّرى من العطشِ، فقالَ: لقد بلغَ هذا مثلُ الذي بلغَ بي، فملأ خُفَّه، ثم أمسكه بفيه-فمِهِ-، ثم رقيَ-صعدَ-فسقى الكلبَ، فشكرَ اللهُ لهُ فغفرَ لهُ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا؟ قال: في كُلَّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ".

يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللهم أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ، اللهم يا شافي اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ والـمسالـمينَ، اللَّهُمَّ اِكْفِنَا والمسلمينَ بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأَغْنِنـَا بفضلِكَ عَمَّنْ سِواكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ ورَحْـمَتِكَ فإنَّهُ لا يـَمْلِكُها إلا أنتَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهم إنَّا والمسلمينَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.

اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمين.

المرفقات

1690491900_سقيُ الماءِ-10-1-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1690491901_سقيُ الماءِ-10-1-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 989 | التعليقات 0