زِلزالٌ في دَقيقةٍ ( تعميم وزاري)
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ الذي جعلَ لكلِ شيءٍ قَدْراً، أسبلَ علينا من رحمتهِ سِتراً.أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الحمدُ في الأُولَى والأُخرَى، وأشهدُ أن نبيَنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، خُصّ بالمعجزاتِ الكبرَى، صلى اللهُ وسلمَ عليه صلاةً تترَى. أما بعدُ:
في دقيقةٍ واحدةٍ زلزلَ اللهُ بقدرتِهِ تسعَ دولٍ، وتفاوَتَ الضررُ.
في دقيقةٍ واحدةٍ أرانا اللهُ وَمضةً من قُدرتِهِ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}[فاطر44]
وبعدَ دقيقةٍ واحدةٍ هلكَ بقدرةِ القادرِ آلافُ الموتَى الشهداءِ –إن شاءَاللهُ- وعشراتُ آلافِ المصابينَ شفاهُم اللهُ، وهدمياتٌ ماديةٌ ملياريةٌ. إنه قَدَرُه وإنها قُدْرَتُه {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر49]{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة106]
حقًا ما أضعفَنا وما أعجزَنا برغمِ حضاراتِنا وعماراتِنا، التي زادتْفي إتلافِنا، وأتى قدرُ اللهِ وما قدِرَتِ الأرصادُ رصدَه، والترقبُ الآنَ على أشُدِّهِ.
فيا عبادَ اللهِ: في هذهِ الزلازلِ يُرِينا اللهُ بها مثالاً لآياتِه وصفاتهِ، وَيَتَعَرَّفُ إلَيْنا بِأَنْوَاعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.
فإذا رأيتَ آثارَ هذا الزلزالِ عرفتَ شيئًا من معنى: الْمُمِيتِ، الْمُقَدِّمِ،الْجَبَّارِ، الْقَهَّارِ، الْقَوِيِّ، الْقَادِرِ، الْمُقْتَدِرِ، الضَّارِّ، النَّافِعِ.
وإذا رأيتَ الناجينَ والسالمينَ تذكرتَ من أسماءِ اللهِ الحسنى اسمَ: الرَّحِيمِ، السَّلامِ، اللَّطِيفِ، الْحَلِيمِ، الْغَفُورِ، الْحَفِيظِ، الْوَدُودِ، الْمُحْيِي، الْمُؤَخِّرِ، الْبَرِّ، الْعَفُوِّ، الرَّءُوفِ، الْمَانِعِ.
أيُّها المسلمونَ: لَنوقِنْ أن هذهِ الزلازلَ ليستْ شرًا محضًا، بل فيها الرحمةُ لو تأملْنا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أُمَّتِى هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ؛ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلاَزِلُ وَالْقَتْلُ(). ومعناه أنَّ غالبَ أفرادِ هذه الأمّةِ مجزيٌّ بالبلايا والرزايَا التي منها الزلازلُ تكفيرًا وتَطهيرًا، والمسلمونَ الهالكونَبالزلزالِ يرجَى أن يكونوا شهداءَ، كما قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الَّذِييَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ. متفق عليه().
والناجونَ من الزلزالِ والبعيدونَ عنه يُرجَى أن تَلِينَ قلوبهمُ القاسيةُ، وتدمعَ عيونُهمُ الجامدةُ: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ولعلهم يُراجِعونَ أنفسَهم، فإن لم يرجِعوا عن غِيّهم ويتوبُوا لربِهم، فيُخشى أن يكونُوا من أهلِ هذهِ الآيةِ المخيفةِ. قال ربُنا: (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ).
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} فيَزدادونَإيماناً مع إيمانهِمْ، كما يَزدادونَ محاسبةً وإنابةً وتوبةً، ويَوْجَلونَ خوفاً {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}[الإسراء59]وأما الذينَ في قلوبِهمْمرضٌ فهم عن النُذُرِ الإلهيةِ غافلونَ، بل هم لها مُعاندونَ: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا}[الإسراء60]
وإن في هذا الزلزالِ لعِبَرًا، وفي أحداثه لمُعتَبَرًا، فخذُوا شيئًا من تلكَ العِبرِ:
شعبُ سوريا يرزَحُ تحتَ آثارِ حربٍ لمَّا تضعْ أوزارَها، وتتزامَنُ مع ثلوجٍ متتاليةٍ مهلِكةٍ، ثم يفجعُهم زلزالٌ هدَّم مبانِيهم، ولكن نجا منه اللاجئونَ بخيامِهم. وأما تركيا فمأساةٌ مضاعفةٌ، والأعدادُ بازديادٍ.
ناجٍ تركيٌ يلخِّصُ الحياةَ ومتاعَها الزائلَ، فيقولُ: قبلَ أيامٍ طَرَدَني مالكُ البيتِ؛ لأني لم أستطعْ سدادَ الإيجارِ، وبعد أيامٍ من طردِي حدثَالزلزالُ. يقولُ: والآنَ أنا والذي طرَدَني نتدفأُ على نارٍ واحدةٍ في خيمةٍ: {يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}[غافر39]
كبيرٌ بالسنِ تحتَ الهدمِ يُهدئونَهُ، ولكنه في غايةِ الاطمئنانِ، وهمُّهُ ألا يَفوتَ وقتُ الصلاةِ قائلاً: أريدُ أن أتوضأَ لأصليْ.
رضيعةٌ تحتَ الأنقاضِ لمدةِ يومينِ، تنجُو ويَهلِكُ أهلُها الأشداءُالأقوياءُ.
ومولودةٌ تولدُ بين الركامِ، وتغادرُ أمُها الحياةَ: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق12].
الحمدُ للهِ الذي هدَى وكفَى ووَقَى، والصلاةُ والسلامُ على النبيِالمصطفَى، أما بعد: فالْمُوَاسَاةُ لمتضررِي زلزالِ تركيا وسوريا تكونُبثلاثةِ أشياءٍ: مواساةٌ بِالْمَالِ، ومواساةٌ بِالدُّعَاءِ لَهُم، ومواساةٌ بالتوجعِلَهُم().
وهذا خادمُ الحرمينِ الشريفينِ وسموُ وليِ عهدِه –حفظهُما اللهُ- يوجهانِ فورَ وقوعِ الزلزالِ بتسييِرِ جسرٍ جويٍ، لتقديمِ مساعداتٍ إغاثيةٍمتنوعةٍ، وتنظيمِ حملةٍ شعبيةٍ عبرَ منصةِ (ساهم) لمساعدةِ متضررِي زلزالِتركيا وسوريا.
وأبشرُكم أن التبرعاتِ قاربَتْ مئتَيْ مِليونٍ. إنها مملكةُ الإنسانية، إنها الهَبَّةُ الإسلاميةُ، إنها السعوديةُ الأمُ الحانيةُ.
ألا فلتساهِمُوا في (ساهِم) وعوِّدْ حتى أطفالَك ليُساهِموا ولو بالقليلِ، وأغيثُوا إخوانَكم؛ فقدِ اجتمعَ عليهم خوفٌ وجوعٌ وبردٌ وفَقْدٌ وكرْبٌ، و:مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
فاللهم إنا نستودعُك إخواننَا في تركيا وسوريا والشامِ، اللهم احفظهُم من كل الجهاتِ، ونعوذُ بكَ أن يُغتالُوا من تحتِهم.
اللهم اقبلْ مَن ماتَ منهم شهيدًا، واشفِ مريضَهم، وأعد طريدَهم، وسكنْ رعبَ خائفِهم. واجزِ مليكَنا ووليَ عهدِه وكلَ مَن ساهَم خيرًا.
اللهم أيقظْ قلوبَنا من غفلتِها، وارزُقْنا خوفًا عن المعاصيْ يردَعُنا، وإقبالاً للتوبة يدفَعُنا ويرفَعُنا.
اللَّهُمَّ لاَ تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ().
اللهم إن السماءَ سماؤُكَ، والأرضَ أرضُك، وما بينهُما لكَ. نعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ، يَا رَحْمَنُ().
اللهم صلِ وسلّمْ على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ.
المرفقات
1675949606_زلزال في دقيقة.pdf
1675949611_زلزال في دقيقة.docx