ذكر الله تعالى (أكثرها من كلام ابن الجوزي)

محمد بن عبدالله التميمي
1444/06/19 - 2023/01/12 16:28PM

ذكر الله تعالى

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي بهرت عَظمتُه عقولَ العارفين، وظَهرت بدائعه لنواظر المتأملين، انظُر الى آثار رَحْمَة الله كَيفَ يحيي الارض بعد مَوتها كَذَلِك تحيا القُلُوبُ الميتة بذكر رب العالمين، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، وقدوة الذاكرين ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:

فاتقوا الله، وأكثروا ذكر الله، فبذلك أمركم الله فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ وخص وقتين بمزيد العناية بهما وكثرة ذكر الله فيهما فقال: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ وهم بالمغفرة موعودون، وبالأجر العظيم مجزيون: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾، وذلك شأن أصحاب العقول الراجحة كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾، وما إن يَفرغوا من عبادة إلا وبالذكر يشتغلون: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ﴾، ففي جميع أحوالهم ذاكرون، كما أنهم في سائر الأوقات يعمرون، قال تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾، فليسوا بمتاع الدنيا ملتهين، ولا لزهرتها مؤْثِرين: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ﴾، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾، فهو أُنس الخائفين {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، وسلوةُ الآمنين ﴿ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾، ومنجاةٌ في الكرب لمن أداموا ذكره قبلُ فلم يكونوا غافلين ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾، بالغفلة عن تقسو القلوب، ﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾، وبه تلين، {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، وبه تطمئن ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾، ومعه تتحرك وتَوْجَل ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾.

عباد الله.. بِذكر الله تستنير القُلُوب وتحيا، فَكل غافل عَن ذكر الله فَهُوَ فِي ظلام اللَّيْل أغشى، ولَو أشرقت لعَينه شموس الضُّحى، فَإن المعْصِيَة الى الغافل، أسرع من انحدار الصَّخْرَة الى المَكان السافل، لا تستنير إلّا القُلُوب الَّتِي هِيَ بِذكرِهِ ملأى، ذاكرُ الله لا يَسْتَطِيع الشَّيْطان فِي ذكره مقيلا، ولا يجد الشَّيْطان إلى إغوائه سَبِيلا، ولا يزال شَيْطانه مَدْحُورًا ذليلا، قد تكفل الله بحفظه وكَيف يضيع من كانَ الله يحفظه كَفِيلا، اذْكروا الله بكرَة وأصِيلا وانقطعوا وتبتلوا لذكره تبتيلا، رضًا بِاللَّه خيرُ مؤنِسٍ وجليس.

عباد الله.. المعاصِي سلسلة فِي عنق العاصِي لا يَفُكُّه مِنها إلّا الاسْتِغْفار والتَّوْبَة، والصراط كثير الِاضْطِراب تَحت أقْدام السالكين لا يُسَكِّنُهُ إلّا قَولُ: "ربِّ سلّم سلّم"، والنّارُ مسعّرة الضِّرام لا يُطْفِئ لهيبَها إلّا نورُ الإيمان، والموقفُ شَدِيدُ الحَرِّ لا يُكِنُّ مِنهُ إلّا ظلُّ العَرْش، والقبرُ مُطْبِقُ الظُّلمَة لا يُنوِّرُه إلّا مِصْباح اليَقِين، والجنَّةُ مُغلَقَةُ الأبْوابِ فِي وُجُوه طلابها لا يفتحها إلّا كلمةُ الإخْلاص، وشفاعةُ الرسولِ ﷺ بُغيَةُ كلِّ مُرِيدٍ لا تُنال إلّا بِالتَّوْحِيدِ، والشيطانُ جاثمٌ على قلب الإنْسان لا يمشي عَنهُ إلّا بِالذكر، لا تَطعَمُوا فِي وُجدان حلاوةِ الذّكر وقلوبكم مَشْغُولَة بوسواس الفِكر، كَيفَ يكون حبيب الرَّحْمَن من هُوَ للشَّيْطان سمير، كَيفَ يطْمع فِي الوُصُول من لا يجدَّ فِي المسير.

أقول قولي هذا وأستغفر الله الغفور الرحيم، فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود

الخطبة الثانية

الحَمد لله ما سبحت بِحَمْدِهِ ألْسِنَة الذّاكِرِينَ، وسُبْحان الله ما امتدَّت الى عطائه أَكُفُّ السّائِلين، والله أكبر ما حنت الى لِقائِه قُلُوب العارفين، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له {يغشى اللَّيْل النَّهار يَطْلُبهُ حثيثا والشَّمْس والقَمَر والنجوم مسخرات بأمْره ألا لَهُ الخلق والامر تبارك الله رب العالمين} وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وأصحابه وسلم صَلاة وسلامًا دائِمين أبد الآبدين، أما بعد:

فاتقوا الله ربَ العالمين، ودوموا على ذكره ولا تكونوا من الغافلين، وقد فتح الله أقفال القُلُوب بمفاتيح الذّكر الحَكِيم، لَو شهِد المحرومُ نفاسةَ ما وصل إليه الذاكرون لزهقت نَفسه حسرات، سهر العابدون فِي إحْراز رغائب العِبادَات، بمناجاة رب الأرض والسماوات، والأنسِ بذكره، والرضا بقربه، والكرامةِ بمعيته حفظًا ونُصرةً وولاية، ففي الحديث القُدسي قال الله تبارك وتعالى: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منه، وان ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن تقرّب إليّ شبرا تقرّبت منه ذراعا، وإن تقرّب إليّ ذراعا، تقرّبت منه باعا، وإن أتاني مشيا، أتيته هرولة"، وحيازةِ الخير من فضله، فيا لِلهِ هاتيك المنازلُ التي لها الملائكة عامرون، فليسوا يتوقفون حتى ينقطع العبد عن ذكر ربه، ويا لِلهِ هاتيك الغراسُ التي قد جعلها أمامهم الذاكرون { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}.                        

 

الخطبة من كلام ابن الجوزي سوى الآيات وبيانها، وآخر الخطبة الثانية

المرفقات

1673530063_ذكر الله تعالى-نسخة جوال.docx

1673530063_ذكر الله تعالى.docx

المشاهدات 793 | التعليقات 0