خطر المخدرات 2-3-1443 *موافقة للتعميم*
محمد آل مداوي
إنَّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا اللهَ حَقَّ تَقْوَاه؛ فما أعظمَ أجرَ المُتَّقين، وما أسعدَ حالَ الطائعين!.
عباد الله: لقد كرَّمَ اللهُ الإنسان، وفضَّلَهُ على كثيرٍ من مخلوقاتِه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ وَحَمَلْنَـاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَـاهُمْ مّنَ الطَّيّبَـاتِ وَفَضَّلْنَـاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)
كرَّمَهُ بالعَقْل، وزيَّنَهُ بالفَهْم، ووَجَّهَهُ بالتدَبُّرِ والتَّفَكُّر، فكانَ العقلُ مِنْ أكبَرِ نِعَمِ اللهِ على الإنسان، به يُمَيِّزُ الخيرَ والشَّر، والضَّارَّ والنَّافِع، به يُدَبِّرُ أمورَهُ وشُؤونَه، وبه تَرتقي الأُمَم، ويَنْتَظِمُ المجتمع.
وهناك -عبادَ الله- حَرْبٌ حقيقية، يُرَادُ منها تَدْمِيرُ الإنسان، لِيَهْلَكَ عَقْلُه، ويَتَشتَّتَ شَمْلُه، ويعيشَ أسيرَ الإدمان، فلا يَتَعلَّمُ عِلْمًا، ولا يَعمَلُ عمَلاً، بل يَبذلُ روحَهُ ومُهْجَتَه، ومَالَهُ وأُسْرَتَه؛ كي يُدمِّرَ نفسَهُ ووطنَه، ويُغضِبَ ربَّهُ جلَّ وعلا.
إنها آفةٌ عظيمة، مِنْ أعظَمِ آفاتِ هذا العصر، كَمْ دَمَّرَتْ مِنْ بَيْتٍ! وكم أَتْلَفَتْ مِنْ عقل! كم ضيَّعَتْ مِنْ مُستَقبَل! وكم أبكَتْ مِنْ أُمٍّ وأب!.. إنَّها يا عبادَ الله: آفَةُ المُخَدِّرَات.
ولقد أمَرَ اللهُ تعالى باجتِنَابِ طَرِيقِها، فقال سُبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)
وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ رسولَ اللهِ r قال: (كلُّ مُسْكِرٍ خمرٌ، وكلُّ مُسْكِرٍ حرامٌ) صححه الألباني.
قال الصنعانيُّ رحمه الله: "يَحرُمُ ما أسكَرَ مِنْ أيِّ شيءٍ، وإنْ لم يكن مَشروبًا".
هي (أمُّ الخبائث)، ومِفتاحٌ لكلِّ شَرّ، بوَّابةٌ للكبائر، وطريقٌ للآثام، وسَبيلٌ قصيرٌ نحو الآفاتِ والأسقام.. تُغَيِّبُ الْعَقْل، وَتُدَمِّرُ الجَسَد، وَتُذْهِبُ المَال، وَتُفْسِدُ الأخلاقَ والقِيَم؛ ولِذَا أَجْمَعَتِ الأُمَمُ كُلُّهَا مِنَ المُسلمينَ والكُفَّارِ على خُطُورَتِهَا على الأفرَادِ والمُجتَمَعَاتِ، وأجْمَعُوا على حَرْبِهَا ومُكَافَحَتِهَا.
والنبيُّ r يَقُولُ: (لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أفنَاهُ؟ وَعَنْ عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ.
أيها المسلمون: وَحِينَ تُقَصِّرُ الأُسْرَةُ في وَاجِبِ التَّربيَةِ يَقَعُ بَعْضُ أبنَائِهَا فَرِيسَةً لِهَذِهِ الآفَة، فَوَاجِبٌ على الأَوليَاءِ رِعَايَةُ الأَبنَاء، والاهتِمامُ بِتَرْبِيَتِهِمُ التّربيةَ الصَّالحة، والحَيْلُولَةُ بينهم وبينَ ما يُفْسِدُ أخلاقَهُم، وتَجْنِيبُهُمْ رُفَقَاءَ السُّوء، وتَنشِئتُهُمُ التَّنشِئَةَ الصَّالِحَة.. وانظُرْ كيفَ كان لُقْمَانُ الْحَكِيمُ يَغْرِسُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِ ابْنِه، وَيُعَرِّفُهُ بِالطَّاعَةِ، وَيُحَذِّرُهُ الْمَعْصِيَة؛ (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)
بارك الله لنا في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.. أما بعد:
ولِكَثْرَةِ مفَاسِدِ وأضرارِ المُخَدِّرات؛ حَارَبَتِ الدَّولَةُ -أعزَّها الله- هذهِ الآفَة، وأَعَدَّتْ في المنَافِذِ والمطاراتِ كافَّةَ التَّجهيزاتِ لإحْبَاطِ عملياتِ التَّهرِيب، وأوْقَعَتْ أقسَى أنواعِ العُقوبةِ على المُجرِمين.. رافَقَ ذلك جهودُ العُلَماءِ العاملين، والقُضَاةِ المُخلِصين، وأبْطَالِ الأمنِ السَّاهِرين، ورِجَالِ الحِسْبَةِ الغيورين، فالحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
وواجبُنا تجاهَ هذهِ القضية: التَّصَدِّي لها بكُلِّ قوة، ولْنَكُنْ جميعًا رجالَ أمن، وحُرَّاسَ ثُغور، لِبَتْرِ الأيادي الآثِمَةِ التي تَتَسَلَّلُ في الظلامِ لِزَرْعِ الآفَةِ في مُجتمَعِنا، ولْنَتَعَاوَنْ معَ الأجهزةِ المَعْنِيَّةِ لِفَضْحِ أوكارِ المُفسِدين، وكَشْفِ أستَارِهم، والتَّبليغِ عنهم.
هذا وصلوا وسلموا عباد الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا). اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأَذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين.. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحب وترضَى، وأعنه وولي عهده على البر والتقوى، وارزُقهم البطانَة الصالحة الناصحة، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفَظ رجال أمننا واحفظ جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم يا رب احفَظهم بحفظك، وأيدهم بتأييدك، وانصُرهم على القوم المعتدين، اللهم عاف جريحهم، وتقبل شهيدهم، واخلفهم في أهليهم بخير يا رب العالمين.
اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وأصلح نياتنا وذرياتنا، اللهم وفرّج هم المهمومين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقض الدين عن المدينين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1633621155_خطبة 2-3-1443 خطر المخدرات.docx