خطبـة الإستسقاء الثانية لعام 1443هـ
محمد بن سليمان المهوس
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: اِتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ فِي سَرَّائِكُمْ وَضَرَّائِكُمْ، وَتَعَرَّفُوا إِلَيْهِ جَلَّ وَعَلاَ فِي شِدَّتِكُمْ وَرَخَائِكُم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَاْ الْمُـسْلِمُونَ ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً فَأَخرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزقاً لَّكُمۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلفُلكَ لِتَجرِيَ فِي ٱلبَحرِ بِأَمرِهِۦۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنهَٰرَ *وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلشَّمسَ وَٱلقَمَرَ دَائِبَينِۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ * وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلتُمُوهُۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحصُوهَا إِنَّ ٱلإِنسَٰنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [سورة إبراهيم: 32-34].
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: يُعَدِّدُ تَعَالَى نِعَمَهُ عَلَى خَلْقِهِ، بِأَنْ خَلَقَ لَهُمُ السَّمَاوَاتِ سَقْفًا مَحْفُوظًا، وَالأَرْضَ فِرَاشًا، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى، مَا بَيْنَ ثِمَارٍ وَزُرُوعٍ مُخْتَلِفَةِ الأَلْوَانِ وَالأَشْكَالِ، وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ وَالْمَنَافِعِ، وَسَخَّرَ الْفُلْكَ بِأَنْ جَعَلَهَا طَافِيَةً عَلَى تَيَّارِ مَاءِ الْبَحْرِ، تَجْرِي عَلَيْهِ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى، وَسَخَّرَ الْبَحْرَ يَحْمِلُهَا لِيَقْطَعَ الْمُسَافِرُونَ بِهَا مِنْ إِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ آخَرَ، لِجَلْبِ مَا هُنَا إِلَى هُنَاكَ، وَمَا هُنَاكَ إِلَى هَاهُنَا، وَسَخَّرَ الأَنْهَارَ تَشُقُّ الأَرْضَ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، رِزْقًا لِلْعِبَادِ مِنْ شُرْبٍ وَسَقْيٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَنَافِعِ. انْتَهَى كَلامُهُ.
فَمِنْ تَمَامِ تَحْقِيقِ الْعُبُودِيَّةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَخْضَعَ الْعَبْدُ لِرَبِّهِ فَيَشْكُرُهُ عَلَى نَعْمَائِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَمَنْ شَكَرَ مَعْرُوفَ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ، وَنَشَرَ أَفْضَالَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، فَقَدْ أَدَّى حَقَّ النِّعْمَةِ، وَقَضَى مُوجِبَ الصَّنِيعَةِ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا اسْتِدَامَةُ ذَلِكَ إِتْمَامًا لِشُكْرِهِ؛ لِيَكُونَ لِلْمَزِيدِ مُسْتَحِقًّا، وَلِمُتَابَعَةِ الإِحْسَانِ مُسْتَوْجِبًا.
وَإِنَّ أَسْوَأَ مَا تُقَابَلُ بِهِ نِعَمُ اللهِ تَعَالَى مَعْصِيَتُهُ، وَالإِعْرَاضُ عَنْ طَاعَتِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ شُؤْمٌ وَبَلاءٌ، وَتَمَرُّدٌ عَلَى الْمُنْعِمِ جَلَّ وَعَلا، تُوجِبُ الذُّلَّ وَالْمَهَانَةَ، وَالْخِزْيَ وَالنَّدَامَةَ، وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ حَجْبِ النِّعَمِ، وَحُلُولِ النِّقَمِ، وَسَحْقِ الْخَيْرَاتِ، وَمَحْقِ الْبَرَكَاتِ، وَحُصُولِ التَّلَفِ وَالْهَلاكِ فِي الأَنْفُسِ وَالزُّرُوعِ وَالثَّمَرَاتِ؛ يَقُولُ تَعَالَى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].
وَإِذَا كَانَتِ الْكَوَارِثُ وَقِلَّةُ الأَمْطَارِ وَالْمَصَائِبُ، وَالأَمْرَاضُ، وَالْفِتَنُ سَبَبُهَا الْمَعاصِي وَالذُّنُوبُ، وَالْبُعْدُ عَنْ طَاعَةِ عَلاَّمِ الْغُيُوبِ؛ فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ تَعَالَى سَبَبٌ فِي حُصُولِ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف: 96]، فَإِنْ كُنَّا نَرْجُو أَنْ يُغَيِّرَ اللهُ أَحْوَالَنَا وَأَحْوَالَ بِلادِنَا مِنْ جَدْبٍ وَقِلَّةِ مَاءٍ وَمَرْعًى؛ فَعَلَيْنَا أَنْ نُغَيِّرَ حَالَنَا بِصِدْقِ التَّوْبَةِ إِلَيْهِ، وَالإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالبُعْدِ عَنْ كُلِّ أَمْرٍ يُغْضِبُهُ، وَأَنْ يُحَاسِبَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ أَنْ لا يَكُونَ سَبَبًا فِي مَنْعِ القَطْرِ عَنِ العِبَادِ وَالبِلادِ وَالبَهَائِمِ ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [ الرعد : 11 ] فَادْعُوا رَبَّكُمْ وَأَلِحُّوا بِالدُّعَاءِ، وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ وَأَعْمِلُوا الرَّجَاءَ ، وَأَكْثِرُوا مِنَ التَّوْبَةِ وَالاِسْتِغْفَارِ، وَاهْجُرُوا الذُّنُوبَ والأَوْزَارَ، فَمَا اسْتُنْزِلَتِ الأَمْطَارُ بِمِثْلِ التَّوْبَةِ وَالاِسْتِغْفَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا وَأَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْ قُلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَاليَقِينِ، وَبِلَادَنَا بِالخَيْرَاتِ وَالأَمْطَارِ والْغَيْثِ الْعَمِيمِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ، فَلَا تَمْنَعْ عَنَّا بِذُنُوبِنَا فَضْلَكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.
اللَّهُمَّ أَغِثْنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا سَحًّا طَبَقًا وَاسِعًا مُجَلِّلاً، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ، اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، اللَّهُمَّ سَقْيَا رَحْمَةٍ، لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ.
اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأحْيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ.
اللَّهُمَّ أَغِثْنَا غَيْثًا مُبَارَكًا، تُحَيِي بِهِ البِلَادَ، وَتَرْحَمُ بِهِ الْعِبَادَ، وَتَجْعَلُهُ بَلَاغًا لِلحَاضِرِ والْبَادِ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا القَحْطَ وَالْجَفَافَ وَالْجُوعَ وَالْجَهْدَ، وَاكْشِفْ مَا بِالْمـُسْلِمِينَ مِنَ الْبَلَايَا، فَإِنَّ بِهِمْ مِنَ الْجَهْدِ مَا لَا يَكْشِفُهُ إِلَّا أَنْتَ، اللَّهُمَّ اكْشِفِ الضُّرَّ عَنِ المُتَضَرِّرِينَ، اللَّهُمَّ اكْشِفِ الضُّرَّ عَنِ المُتَضَرِّرِينَ، وَالْكَرْبَ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ، وَأَسْبِغِ النِّعَمَ عَلَى عِبَادِكَ أَجْمَعِينَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ.
أَيُّهَا الْمُـسْلِمُونَ: لَقَدْ كَانَ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَا يَسْتَغِيثُ رَبَّهُ أَنْ يَقْلِبَ رِدَاءَهُ، فَاقْلِبُوا أَرْدِيَتَكُمُ اقْتِدَاءً بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَتَفَاؤُلًا أَنْ يَقْلِبَ اللهُ حَالَكُمْ مِنَ الشِّدَّةِ إِلَى الرَّخَاءِ، وَمِنَ القَحْطِ إِلَى الْغَيْثِ، وَأَلِحُّوا عَلَى اللهِ بِالدُّعَاءِ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ.
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِيِنَ.
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
المرفقات
1639250634_خطبة الاستسقاء الثانية في عام 1443 هـ .doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق