خطبة موافقة للتعميم- فضل العلم وعودة المدارس
عبدالرحمن السحيم
الحمد لله جعل التقوَى خيرَ زاد، أحمدهُ - سبحانه - وأشكرُه، والشكرُ حقٌّ واجبٌ له على كلِّ العباد، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ولا نظيرَ ولا أنداد، وأشهدُ أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، شفيعُ المُوحِّدين يومَ التناد، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه ذوي البرِّ والتُّقَى والرشاد.
أما بعد: فاتَّقُوا الله - عباد الله - فإنها الزاد ليوم المعاد، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، وراقبوا الله في السر والنجوى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى، فتوبوا وأقبلوا إلى ربكم الجواد الكريم، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.)
عباد الله: حين تُظلم الأرض فهم نورها, وحين تُجدِب الديار فهم غيثها, وحين تعطش القلوب فهم روائها, فمن هؤلاء؟
إنهم الذين قرن الله اسمه باسمهم, وأعلى شأنهم, وجعل إجلاله من إجلالهم.
إنهم العلماء, لهم المكانة العظمى والمنزلة الكبرى، فهم ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل.
هم للناس شموسٌ ساطعة وكواكب لامعة، وللأمة مصابيح دجاها وأنوار هداها، بهم حُفِظ الدين وبه حفظوا، وبهم رُفِعت منارات المِلة وبها رُفِعُوا (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11].
يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصّرون به أهل العمى، ويهدون به من ضل إلى الهدى، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍّ تائه قد هدوه، وهم أهل خشية الله (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28]
وأمةٌ بلا علماء كجسد بلا روح، ومركبٍ بلا شراع؛ أمة بلا علماء كجيشٍ بلا قائد، ومقاتلٍ بلا سلاح .
أمة الإسلام: مَن مثل العلماء؟ يعيشُ الناس لأنفسهم وهم يعيشون لنفع الناس, أينما اتجهوا بلّغوا, وأينما حلّوا نفعوا, فهم أدلّاءُ لعبادِ الله على الله.
مَن مِثل العلماء؟ يُسبِّحُ المرء لنفسه فحسب, وأما هم فتسبح لهم الطير في أوكارها والحيتان في قاع بحارها وتضع الملائكة لهم أجنحتها، وهذا لكل معلم للناس الخير.
مَن مثل العلماء؟ يموت الناس بقبض أرواحهم, ويُحيى العلماء قروناً بعلمهم, تبقى أجورهم, ولا ينقطع نفعهم, بل ربما كانت أجورهم بعد موتهم أعظم, ويظل الناس حينها يذكرون مآثرهم, وينهلون من علمهم ويقولون في دروسهم ومساجدهم" قال رحمه الله تعالى".
إذا تمايز الناس بالفضائل, بزّ العلماءُ غيرهم, فمن يبلغ منزلة ورثة الأنبياء, وفضلُ العالمِ على العابد كفضل رسول الله ﷺ على أدنى أمته, فما أبعد ما بين الأمرين.
ومهما استغنينا عن الناس, فإن أحداً لا يستطيع أن يستغني عن العلماء, فمن يستغني عن من يداوي قلبه ويغذّي روحه, قال الإمام أحمد رحمه الله: "الناس محتاجون إلى العلم أكثرَ من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يُحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلمُ يحتاج إليه بعدد الأنفاس". وقال ابن القيم رحمه الله: "العلماء بالله وأمره هم حياة الوجود وروحه، ولا يُستغنى عنهم طرفةَ عين، فحاجةُ القلبِ إلى العلم ليستْ كالحاجة إلى التنفس في الهواء بل أعظم، وبالجملة فالعلم للقلب مثلُ الماء للسمك، إذا فقده مات".
معشر الكرام: العلماء يبقى لهم القدر في القلوب والحبُّ في الضمائر, يتجلى ذلك عند رحيلهم, فحين يموت العلماء تنتفض الأرض وتدمع العيون, ويخرج الناس زرافاتٍ ووحداناً, ويظل الناس حينها يرددون ما قاله الإمام أحمد" بيننا وبينكم يوم الجنائز" " أنتم شهداء الله في أرضه",
وإذا كان من علامات الساعة قبضُ العلم فإن ذلك القبض يكون برحيل ورثة الأنبياء, وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص yأن رسول الله ﷺ قال: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا)).
نعم عباد الله, فأي جمالٍ للدنيا إذا قلّ فيها علماؤها، وندر فيها عُبادها ؟! فمن يُبصِّر الناس بدينهم؟ ومن يدلهم إلى طريق ربهم ومعبودهم؟
وعزائنا حين يرحل بعض العلماء أن دينَ الله محفوظ، وشريعتَه باقية، وخيرَه يفيضُ ولا يغيض، فأعلام الديانة مرفوعة بحمد الله، وهذه الأمة أمة ولود: {ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك } قاله ﷺ
أيا شباب الإسلام: العلمَ فدونكم أبوابُه فانهلوا, ومجالَسه وحلقه فسابقوا, فمن أراد عزّ الدنيا وشرفها ومجد الآخرة ورفعتها فعليه بالعلم, ومن لم يصبر على مرّ التعلم ساعة تجرع ذل الجهل طول حياته, ومن خدم المحابر خدمته المنابر, ومن آثر الراحة، فاتته الراحة, ولئن كنتم اليوم صغارَ قوم فأنتم غداً كبارُه, فصاحب الهمة من يقول أنا عوض الأمة فيمن يرحل من علمائها, وليس ذلك مجرد أماني بل كلام يتبعه همة وجدّ وتحصيل بلا تواني.
وكم هم العلماء العاملون, والمصلحون الربانيون الذين هم بين أيدينا وفي ديارنا, فما بالنا نزهد في علمهم ومجالسهم, وهل ننتظر أن يأتيهم الموت ليقول البعض بأعلى الصوت يا حسرتا على الفوت؟
وإذا كان قدر العلماء عند الله جليلاً, فقمن أن يكون قدرُهم عند خلق الله كبيراً, وأن يُحترموا ويحبوا وأن يحسن الظن بهم, وأن يذبُّ عن أعراضهم، ولا تتتبع عثراتهم ولا يتابعون عليها, مع سؤالهم عما يُشكل.
مـا الفخر إلا لأهـل العلم إنهـم على الهدى لِمن استهدى أدلاء
وقدر كـل امرئ ما كـان يحسنه والجاهلون لأهـل العلم أعداء
ففز بعلم تعـش حيـاً بـه أبـداً فالناس موتى وأهل العلم أحياء
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية: الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا. أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى؛ فالتقوى هي النجاةُ غدًا والزادُ أبدًا. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
عباد الله: إن حظ المرء من فضل العلم على قدر اقتباسه منه، وإن ثمرته: العمل به، وزكاته: تبليغه وتعليمه، وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْوَظَائِفِ وَأَنْبَلِ الْمِهَنِ: تَعْلِيْمُ النَّاسِ وَتَدْرِيْسُهُم سواء كان في المساجد أو المدارس وغيرها؛ ولَو عَلِمَ الْمُعَلِّمُ الْفَضْلَ الْعَظِيْمَ الَّذِي يُحْدِثُه عَلَى هَذَا النَّاشِئِ، وَالْأَثَرَ الْكَبِيْرَ عَلَيْهِ؛ لَضَاعَفَ مِنْ جُهْدِهِ، وَبَذَلَ الْمَزِيْدَ مِنْ وَقْتِهِ؛ فَهَذَا الْمُتَعَلِّمُ بَيْنَ يَدَيْكَ رَصِيْدٌ لَكَ عِنْدَمَا تَلْقَى اللهَ، فَيتخرج عَلَى يَدَيْكَ َمَنْ أَسَّسْتَهُم بِالْعِلمِ، وَعَلَّمْتَهُمْ الْحُرُوفَ وَالْكَلِمَاتْ، وَمَتَى مَا احْتَسَبْتَ الْأَجَرَ؛ كَانَ فِي مَوازِيْنِ حَسَنَاتِك؛ وقد قال النبيﷺ (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ). وأنتُ مُؤتَمَنٌ على تَربيةِ الجِيل، وإعْدَادِ القَادَة، وحِمَايَةِ الأخلاق، وصِيَانَةِ المُروءَاتِ، وغَرْسِ القِيَمِ، والدَّلالَةِ على محبَّةِ اللهِ والإيْمَانِ بِه،وأبْشِـر بِقَوْلِ النَّبِي ﷺ: (مَنْ دَعَا إلى هُدَى، كانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَه، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجورِهِمْ شيئا).
عِبَادَ اللهِ: ومَعَ عَوْدةِ الدراسة يُذكر أحبابنا الطلاب بالاجتهاد في تحصيل العلم مع ضرورة إخلاص النية لله، وأهمية العناية بالأخلاق الحسنة مع الجميع من معلمين وطلاب، مع تأكد اختيار الصحبة الصالحة، والبعد عن من يفسدون على المرء دينه أو دنياه.
ويُذكر الأولياء بعظم مسئوليتهم في متابعة الأبناء؛ فإنهم أمانة وقد قال النَّبِيﷺ: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته)
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على نبيكم محمد فإنه من صلى عليه صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك وجودك يا أكرم الأكرمين..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات،
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك. ربَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِيْ الآَخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله! اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1692296922_خطبة موافقة للتعميم- فضل العلم وعودة المدارس.docx
1692297467_خطبة موافقة للتعميم- فضل العلم وعودة المدارس.pdf
1692297467_خطبة موافقة للتعميم- فضل العلم وعودة المدارس.pdf
1692297467_خطبة موافقة للتعميم- فضل العلم وعودة المدارس.pdf