خطبة عيد الأضحى 1445 ( وكبره تكبيرا )

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1445/12/09 - 2024/06/15 13:35PM

الحمد لله حمدا كثيرا ملء سمواته وأرضه وعدد خلقه وزنة عرشه ومداد كلماته ورضا نفسه ، والحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو اراد شكورا ، وأشهد ألاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادة ارجو بها فوزا وجنة وحريرا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. المبعوث شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن كان بهديه مستنيرا وسلم تسليما كثيرا،  والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا، فالله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا

 . أما بعد: فاتقوا ربكم أيها المسلمون وعظموه، واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور .

الله أكبر .. كلمة تجلجل من المآذن وتخترق الآذان كلمة فتحت بها المدائن واستسلمت ،بلدان كلمة لو عقلناها لتحركت منا المشاعر واهتز الوجدان . كلمة تشعرك بحقارة كل متعاظم أمام عظمة الرحمن .

إنها كلمة تقال لإطفاء حريق ولتفريج كل كربة وضيق بها يدعى إلى الصلاة وبها تفتتح وبها يختم الصيام وهي قرينة التسمية عند التذكية .. تقال عند الجمرات، وفي صعيد عرفات، وعند محاذاة الحجر، وعند إرادة السفر، تقال أدبار الصلوات، وفي الأيام المعلومات تقال عند الرقاد وتشرع ليالي الأعياد. إنها كلمة تدوي في الآفاق وتخترق الحجب لتعلن للناس كل الناس أن العظمة الله وحده والكبرياء لله وحده ألا له الخلق والأمر، إن الحكم إلا الله .

(الله أكبر) كلمة تعني أن الله أكبر من كل شيء ذاتاً وقدراً وعزة وجلالة، فهو أكبر من كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله

إنها كلمة تعني أن الله هو الكبير في كل شيء والغني على الإطلاق وهو الذي فاق مدح المادحين ووصف الواصفين، وهو ذو الكبرياء والعلو والعظمة والرفعة وهو الذي يتصاغر أمامه الكبراء والعظماء، لا ينازعه في كبريائه أحد ولا تهتدي العقول لوصف عظمته . إنها الله أكبر، فما يقال عن خلق من خلق الله كبير أو أمر من الأمور كبير أو عمل من الأعمال كبير حتى يتضاءل بمجرد أن يذكر الله ويقال : الله أكبر .

إنها الله أكبر، كلمة خرجت بصدق وإخلاص من قلوب الأبطال الفاتحين فأرعبت الأعداء وقذفت في قلوبهم الذل والصغار . إنها الله أكبر، كلمة تقال تبشيراً بالنصر وإظهاراً للقوة والعزة قالها المصطفى صلى الله عليه وسلم  في فتح خيبر، وأخبر عن الجيش الذي يغزو القسطنطينة في آخر الزمان وأنه بالتكبير تسقط جوانب المدينة جانباً جانباً .

إنها الله أكبر مع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله هن الباقيات الصالحات، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير مرداً. إنها مع التسبيح والتحميد عند النوم تغني عن خادم هي مع التسبيح والتحميد والتهليل غراس الجنة وهن أحب الكلام إلى الله، وهن أحب إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم  مما طلعت عليه الشمس .

إنها الله أكبر، كلمة تعلن للناس قائلة : لا تضطربوا هذا النظام لا تنحرفوا هذا المنهج، لا تتراجعوا هذا النداء لن يكبر عليكم شيء ما دامت كلمتكم الله أكبر .

يشعر المسلم بالضعف أمام جبروت الأعداء ومظاهر قوتهم فتأتي هذه الكلمة لتعلن له أن الله أكبر من كل شيء، وأن قوته لا تغلبها قوة وعظمته لا تجاريها عظمة، ( أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ) ومن علق قلبه بالله حماه، ومن توكل عليه كفاه .

يشعر الإنسان بالزهو والفخر، ويحس بالتعاظم والتكبر على الخلق بما أوتي من مال أو جاه فيدفعه ذلك إلى بطر الحق وغمط الناس فتأتي (الله أكبر) لتقذف في روعه أن الله أكبر من كل شيء، وأنك تنازع الله رداءه فلو فكرت في نفسك لوجدت أن أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة ففيم تتكبر . قال علي رضي الله عنه: (عجباً لابن آدم تقتله شرقة، وتؤلمه بقة، وتنتنه عرقة، فكيف يتكبر) . ولايدخل الجنة من كان في قبله مثقال ذرة من كبر

تستولي على الإنسان ،شهواته، ويستسلم لنزواته، ويركن إلى رغباته فيتكاسل عن أداء شعائر الله وعن إجابته داعي الله فتأتي (الله أكبر) على لسان كل مؤذن لتعلن له أن الله أكبر وأجل من نفسك الأمارة، وهواك الذي جعلته إلها فأجب نداء العظيم الأكبر، ولا تستسلم للهوى

يتعرض المسلمون للأذى، ويُرهبون بكل سلاح ويأتي المرجفون ليقولوا : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم. فتأتي (الله أكبر) لتقول : إن الله أكبر من كل قوة وأعظم من كل سلطان، وإذا قال لشيء كن كان .. تأتي (الله أكبر ) تحمل رسالة من الله تقول ﴿فَلا تَخْشَوهُمْ واخشوني ) .

حينما ينادي المؤذن (الله أكبر) فإنه يقول للناس : إن الله أكبر من كل شيء فخافوه فارجوه ، فأحبوه، فعظموه، فأجيبوه.

الله أكبر كلمة خالدة نقولها عند بدء صلاتنا إعلاناً منا بالانخلاع من الدنيا وشهواتها والحياة وملذاتها ونقولها عند سفرنا إشارة إلى أن المسافر يجب أن يكون اعتماده على الله، وثقته بالله واعتصامه بالله، . فإن كان متجهاً في سفره إلى عظيم فالله أكبر وأعظم، وإن كان خائفاً من بطش عدو أو كيد كائد فالله أكبر وأجل .

تضايق المسلم هموم وتحاصره ديون وتؤلمه أدواء ونكدره مصائب ومحن فيشعر باليأس مع شدة البلاء فتأتي ( الله أكبر ) لتلقي في روعه أن الله أكبر من كل هم وأكبر من كل داء وبلاء ووباء وأكبر من كيد كائد وحسد حاسد وعقد عاقد فالجأ إلى الكبير المتعال فهو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وربنا كل يوم هو في شأن

الله أكبر في سمعه وبصره وعلمه فإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى العصيان فتذكر أن الله أكبر واستح من نظر الإله وقل لها إن الكبير المستعان يراني

الله أكبر في مغفرته ورحمته فهو القائل : ياابن آدم لوبلغت ذنوبك عنان السماء ثم لقيتني لاتشرك بي شيئا غفرت لك على ماكان منك ولاأبالي فلاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا

الله أكبر في بطشه وعذابه وعقابه فهو يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغي والمؤتفكة أهواها فغشاها ماغشى، وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد

الله أكبر .. والتكبير غايته ما يقوم في القلب عند استشعار هذه الكلمة العظيمة من الإجلال والتعظيم والمحبة والإخلاص والخوف والرجاء الله تعالى والتوكل عليه وحده سبحانه .

إن من استشعر بأن الله أكبر من كل شيء، وأعظم من كل عظيم وقوته لا تقهر وأمره لا يرد فلا بد أن يولد ذلك عنده تعظيماً لشعائر الله عز وجل وحرماته ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعْظِمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ . فلا أثر لتكبير الله تعالى وتعظيمه إذا لم تعظم أوامره ونواهيه قال ابن القيم رحمه الله : تعظيم الأمر والنهي ناشيء من تعظيم الآمر والناهي فإن الله تعالى ذم من لا يعظم أمره ونهيه وقال سبحانه ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لله وقارا . وإن من علامات تعظيم أوامر الله رعاية أوقاتها وحدودها والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها والحرص على تحينها في أوقاتها والمسارعة إليها عند وجوبها والحزن والكآبة والأسف عند فوات حق من حقوقها .

ومن علامات تعظيم المناهي الحرص على التباعد من مظانها وأسبابها وما يدعو إليها ومجانبة كل وسيلة تقرب إليها ، وأن يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس، ومجانبة من يجاهر بها ويحسنها ويدعو إليها ويتهاون بها، فإن مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله تعالى وغضبه ولا يخالطه إلا من سقط من قلبه تعظيم الله تعالى وحرماته .

ومن علامات تعظيم النهي أن يغضب الله عز وجل إذا ارتكبت محارمه، وأن يجد في قلبه حزناً وحسرة إذا عصي الله تعالى في أرضه ولم يُضطلع بإقامة حدوده، ولم يستطع هو أن يغير ذلك.

الله أكبر .. تعني أن يخضع العبد لأوامر ربه وما شرعه وحكم به وأن لا يعترض على شيء من مخلوقاته أو على شيء من شريعته، وأن يعظم ما عظمه واحترمه من زمان ومكان وأشخاص وأعمال والعبادة روحها تعظيم الباري ،وتكبيره

إن من يؤمن بأن الله أكبر يحب ما أحبه الله ويبغض ما أبغضه بحيث يكون هواه تبعاً لما يحبه الله عز وجل ومضاداً لما يبغضه ومن علامات ذلك محبة الرسول ومحبة المؤمنين وموالاتهم وبغض من يبغضهم الله من الكفار والمنافقين .

إنه يوم أن تترسخ هذه المعاني في القلوب ندرك أن هذا الذكر (الله أكبر) ذكر خالد وكلمة جليلة، ولهذا تردد من على المآذن ثلاثين مرة كل يوم فالحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً.

الله أكبر الله أكبر ...

الخطبة الثانية

أما بعد: فيا أيها المسلمون والمسلمات : إن تكبير الله عز وجل بالقلب واللسان يقتضي من المسلم الاستسلام الدائم لله عز وجل في كل وقت ومكان بحيث يصاحبه تكبير الله عز وجل في مسجده وبيته وعمله وسوقه، في ليل أو نهار في سر  أو جهار، وعندما يدخل العبد في السلم كافة بتكبيره الله عز وجل في كل آن تختفي تلك الصور المتناقضة من الفصام النكد الذي يرى اليوم في حياة كثير من الناس، وذلك بأن تجد بعض المسلمين يكبرون الله عز وجل بأفواههم ويعصونه بأفعالهم .. فأين التكبير واستشعار عظمة الله وقوته وبطشه في المنازل التي انتشرت فيها أجهزة الفساد وكثرت فيها المحرمات. وأين التكبير واستحضار جلال الله في أسواق البيع والشراء التي يسود فيها الغش والربا والبيوع المحرمة.

أين دلالات (الله أكبر) من إنسان تلامس هذه الكلمات آذانه وتخالط شغاف قلبه داعية له إلى إجابة نداء الله فلا يجيب دعوة ولا يلبي نداء .

مامعنى أن تردد المسلمة بلسانها ( الله أكبر ) وتخالف أمره بعباءة متبرجة ووجوه مكشوفة ونقاب فاتن وخضوع بالقول واختلاط مشين وانقياد لدعوات من يريدون أن تميل الأمة ميلا عظيما .. فقبل أن تكبري الله ياأختاه بلسانك كبريه بقلبك وعظميه بسلوكك وارسمي صورة التعظيم بتعظيم أوامره حفاظا على الحجاب واعتزازا بالحشمة وصمودا أمام الشهوات والشبهات

إن تكبير الله عز وجل في حقيقته يعني أن يكون (الله أكبر) في جميع شؤون الحياة فلا يعلو على أوامر الله عز وجل وأحكامه شيء، إن علينا نحن المسلمين ونحن نكبر الله بألسنتنا أن نتدبر معنى التكبير وأن نقوله ونقوم بمقتضاه في جميع أحوالنا وأوقاتنا وأوضاعنا .

ضحوا تقبل الله ضحاياكم ومع التضحية ببهيمة الأنعام ضحوا بشهواتكم وأهوائكم التماسا لرضا الله وطاعة وخضوعا له وليكن شعاركم ( سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون )

ضحوا بالراحة طلبا للراحة ، وليس للمؤمن راحة إلا عند أول قدم يطؤها في الجنة

ماأجمل التضحية بالعرض عفوا عن الخاطئين وصفحا عن الجاهلين تأسيا بأحلم الناس (ص) وبأصحابه الذين هداهم الله فبهداهم اقتده

ضحوا بالأنانية والأثرة في علاقاتكم الأسرية والزوجية فحينما غابت التضحيات وسادت الأثرة واندثر الإيثار تفرقت اسر وتنازع إخوة من أجل إرث لم يقسم أو ملك لم يرسّم أو وقف لم يعلّم ، وحينما انعدمت التضحيات تفرق زوجان وانهدمت بيوت لأنها لم تجد زوجا يضحي ببعض حقوقه ، ولا زوجة تتنازل عن يسير حقوقها

وياأيتها المؤمنة الموقنة ضحي بالمال والترف في سبيل العفة والشرف موقنة أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، وأن خيرا للمرأة ألا ترى الرجال ولا يروها

ضحي ببريق الشهرة الخادع ولمعان الشهوة الكاذب والذي تشيعه السافلات التائهات التافهات والمسميات زورا بالمشهورات ..

ولله در الكثرة الغالبة من نسائنا المضحيات بالهوى العالمات بالدنيا والحافظات للدين الراسيات كالجبال تمر بهن العواصف والقواصف فلاتزيدهن إلا صلابة وشموخا، يثبتن بشموخهن أن العقيدة قوة تتكلم ، وأنه ماالتزم أحد بمباديء دينه إلا صحت مباديء دنياه ،، وهؤلاء يوم أن تعرض الصحائف وتوزن الموازين هن اللاتي ينادى عليهن ( سلام عليكم بما صبرتم ..

ضحوا تقبل الله ضحاياكم وضحوا معها بكل مشاعر اليأس والقنوط والإحباط التي أحاطت بكم فالإسلام أطول من أعمارنا ودين الله منصور بنا أو بغيرنا وأمتكم أمة الخيرية ، والمصائب ليست ضربة لازب وسيجعل الله بعد عسر يسرا ولاتدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا

.. الله أكبر الله أكبر

المرفقات

1718447736_خطبة عيد الأضحى 1445.doc

المشاهدات 1700 | التعليقات 0