خطبة عن تعظيم الله (1)

محمد بن عبدالله التميمي
1442/07/12 - 2021/02/24 20:32PM
أما بعد: فإن تعظيمَ اللهِ عز وجل من أعظمِ العباداتِ التي غفلَ عنها كثيرٌ من الناسِ، فساءتْ أحوالُهم، وانقلبتْ موازينُهم، وتلاعبتْ بهم الشياطينُ والأهواءُ والأنفسُ الأمارةُ بالسوءِ. فالتوحيدُ الذي هو رأسُ الأمرِ هو الأصلُ في تعظيمِ اللهِ عز وجل فاللهُ عز وجل أعظمُ من أن يُعْبَدَ معَهُ غيرُه قال تعالى في الحديثِ القُدْسِيِّ: «أنا أغنى الشركاءِ عن الشِّركِ، من عملَ عملًا أشركَ فيه معي غَيْرِي تركتُه وشِرْكَهُ» أخرجه الإمام مسلم. ولـمَّا عبدَ قومُ نوحٍ الأصنامَ أنكرَ عليهم نوحٌ عليه السلام وقال لهم: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}، قال ابنُ عباسٍ ومجاهدٌ: ما لكم لا ترجونَ للهِ عظمةً، وقال سعيدٌ بنُ جبيرٍ: ما لكم لا تُعَظِّمُونَ اللهَ حقَّ عظمتِه. حتى الجماداتِ فإنها تستبشعُ افتراءَ الكذبِ على اللهِ وادعاءَ أن له ولدًا تعظيمًا لله عز وجل وإجلالًا له: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً *لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً *تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} ومن دلائلِ تعظيمِ اللهِ عز وجل عبوديةُ الكائناتِ لله تعالى وسجودُها لعظمتِه سبحانه كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ}، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}. وتعظيمُ اللهِ جل وعلا هو الذي يعطي العبادةَ روحَها وجلالَها، وهو الذي يجعلُها عبادةً مقبولةً خالصةً صحيحةً تامَّةَ الشروطِ والأركانِ، أمَّا عبادةٌ بلا تعظيمٍ فإنها كالجسدِ بلا روحٍ ولذلك قال ابنُ القيمِ رحمه الله: "وروحُ العبادةِ هو الإجلالُ والمحبةُ، فإذا تخلَّى أحدُهما عن الآخرِ فسدَتْ، فإذا اقترنَ بهذين الثناءُ على المحبوبِ المعظَّمِ فذلك حقيقةُ الحمدِ". والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لما سألَهُ جبريلُ عن الإحسانِ قال: «أن تعبدَ اللهَ كأنَّك تراهُ، فإن لم تكن تراهُ فإنه يراك» قال ابنُ رجبٍ رحمه الله: «فقولُه - صلى الله عليه وسلم - في تفسيرِ الإحسانِ: «أن تعبدَ اللهَ كأنك تراهُ» إلخ، يشيرُ إلى أنَّ العبدَ يعبدُ اللهَ على هذه الصفةِ، وهي استحضارُ قربِهِ، وأنه بين يديْهِ كأنَّه يراه، وذلك يوجبُ الخشيةَ والخوفَ والهيبةَ والتعظيمَ». .عباد الله.. ومن تعظيمِ الله: أن يُتَّقى حقَّ تقاتِه؛ فيطاعَ فلا يُعْصَى، ويذكرَ فلا يُنسى، ويُشْكَرَ فلا يُكْفَرُ. ومن تعظيمِه سبحانه: أن لا يُعترضُ على شيءٍ مما خَلَقَ وشَرَع، بل المسلم يُسلِّم ويَرضى بما ربه قدر وقضى، وكذا في جميع ما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلَّم، للأوامر يمتثل، وللنواهي يجتنب، والله حكيم عليم {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. ومن تعظيمِه: تعظيمُ ما حرَّمَهُ وشرعَهُ من زمانٍ ومكانٍ وأعمالٍ: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}، {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} وإن من الزمان الذي عظم الله حدوده من تقصير في الواجبات أو ارتكاب للمحرمات هذا الشهر، شهر رجب الذي هو من الأشهر الحُرُم { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}، فكونوا لربكم معظمين ولأوامره ممتثلين، وعن نواهيه مجتنبين، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واستحضروا عظمة الله وجلاله، وعِزَّه وسلطانه، وقَيُّومِيَّتَه وعُلَّوه، فإن الله سبحانه مستوٍ على عرشه، منفردًا بتدبير مملكته {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} يجيب داعيا ، ويكشف كربا ، ويجيب مضطرا، ويغفر ذنبا، يَرضى ويَغضب، ويُثيب ويُعاقب. ويُعطي ويَمنع، ويُعِزُّ ويُذِل، ويُفرِّج كَربا، ويَرفع قوما، ويضع آخرين، يَرحَم إذا استُرْحِم، ويُعطي إذا سُئِل، ويُجيبُ إذا دُعِي، ويُقيل إذا استقيل، ويفعل ما يشاء. يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات. فلا يَشغَلُه سَمْعٌ عن سَمْع. ولا تُغَلِّطُه المسائل. ولا يَتبرَّم بإلحاح الملحين. سواء عنده من أسر القول ومن جهر به، فالسر عنده علانية. والغيب عنده شهادة، يرى دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء. ويرى نِيَاط عروقها، ومجاري القوت في أعضائها. فالمؤمن بها الموقن المستحضر لها: سائر إلى الله في يقظته ومنامه، وحركته وسكونه، له شأن وللناس شأن. هو في واد والناس في واد.
المرفقات

1614198718_خطبة عن تعظيم الله 1.docx

المشاهدات 1047 | التعليقات 0