خطبة عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
عبدالرحمن السحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَفَرِّدِ بِالْعَظَمَةِ وَالْكَمَالِ وَالْجَمَالِ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الْمَآلِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- حَقَّ التَّقْوَى، فَأَعْمَارُكُمْ تَمْضِي، وَآجَالُكُمْ تَدْنُو (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون:11].
أمر رباني جليل القدر:أَمَّا الْآمِرُ فَهُوَ اللَّهُ -جَلَّ جَلَالُهُ- وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، وَزَادَ أَمْرُهُ أَهَمِيَّةً وَتَشْرِيفًا أَنْ تَمَثَّلَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ.
ثم أخبر بفعل أَفْضَلِ وَأَكْرَمِ الْخَلْقِ، مَلَائِكَةِ الرَّحْمَنِ، ثم أمركم بذلك يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
عباد الله: الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى حَبِيبِ الرَّحْمَنِ، خيرٌ مدرار وطَاعَةٌ لِلْمَلِكِ الدَّيَّانِ، هُوَ ذِكْرٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ قَدْ حَضَّنَا اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَرْشَدَنَا الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِ، فَالْخَيْرُ كُلُّ الْخَيْرِ فِي الِاسْتِجَابَةِ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَأَمْرِ رَسُولِهِ لَنَا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)
يَا رَبِّ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ *** يَا رَبِّ عَطِّرْ بِالصَّلَاةِ لِسَانِي
وَأَزِلْ بِهَا هَمِّي وَفَرِّجْ كُرْبَتِي *** حَرِّمْ بِهَا جَسَدِي عَنِ النِّيرَانِ
عباد الله: في الإكثار من الصلاة على نبينا: غفرانُ الزلاتِ، وإجابةُ الدعواتِ، وقضاءُ الحاجات، وتفريجُ المهمات والكربات، وحلولُ الخيرات والبركات، ورضى وثناءُ ربِ الأرض والسموات.
يَا أَحْبَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْمَرْءُ فِي دُنْيَاهُ يَنْزِعُ إِلَى الْمَدْحِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ، وَيَزْدَادُ الْفَرَحُ إِنْ كَانَ الثَّنَاءُ مِنْ مَخْلُوقٍ لَهُ جَاهٌ أَوْ حُظْوَةٌ؛ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا ثَنَاءٌ، وَأَيُّ ثَنَاءٍ! ثَنَاءٌ لَيْسَ مِنْ وَزِيرٍ، وَلَا أَمِيرٍ؛ بَلْ ثَنَاءٌ مِنْ مَلِكِ الْمُلُوكِ الْغَنِيِّ الْعَظِيمِ الْكَبِيرِ، ثَنَاءٌ يَتَضَاعَفُ فَوْقَ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَصَلَّى، فَأَيُّ شَرَفٍ أَسْمَى؟! وَأَيُّ فَخْرٍ أَعْلَى مِنْ هَذَا الْوِسَامِ؟!
فَإِذَا صَلَّيْتَ عَلَى حَبِيبِ الرَّحْمَنِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةً وَاحِدَةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ بِهَا عَشْرًا، قَالَ مَنْ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أيضا تصلي عليك ملائكة الرحمن قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَا صَلَّى عَلَيَّ أَحَدٌ صَلَاةً إِلَّا صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا دَامَ يُصَلِّي عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ" رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ،
وَإِذَا عَجَّ لِسَانُ الْعَبْدِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَلَّتْ بِسَاحَتِهِ الْبَرَكَاتُ، وَانْهَالَتْ فِي مِيزَانِهِ الْحَسَنَاتُ، وَطَاشَتْ عَنْ صَحِيفَتِهِ السَّيِّئَاتُ، قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ" رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وفِي يَوْمِ الدِّينِ سَيَجْتَمِعُ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَسَيَرَوْنَ مِنْ أَهْوَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا تَطِيشُ لَهُ الْعُقُولُ، وَتَشِيبُ مِنْهُ مَفَارِقُ الصِّبْيَانِ، وَأُمْنِيَّةُ كُلِّ مَخْلُوقٍ حِينَهَا إِدْرَاكُ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالَّذِي سَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ بَعْدَ طُولِ انْتِظَارِ الْخَلَائِقِ: "يَا مُحَمَّدُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ".
وَأَهْلُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِن أسعد الناس بهذه الشَّفَاعَةِ الْمَنْشُودَةِ، قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا وَحِينَ يُمْسِي عَشْرًا أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وإِنْ ضَاقَتْ بِكَ -يَا عَبْدَ اللَّهِ- هُمُومُكَ، وَالْتَفَّتْ عَلَيْكَ غُمُومُكَ؛ فَالزم الصَّلَاة عَلَى الْحَبِيبِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَطِّبْ لِسَانَكَ بِهِا، وَأَبْشِرْ بِمَاءِ الطُّمَأْنِينَةِ يُطْفِئُ حَرَارَةَ الْغَمِّ مِنْ صَدْرِكَ.
هَذَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يُحَدِّثُنَا فَيَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ قَامَ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟! –أي من دعائي- فَقَالَ: "مَا شِئْتَ" قُلْتُ: الرُّبُعَ؟! قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" قُلْتُ: فَالنِّصْفَ؟! قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟! قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟! قَالَ: "إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وَمِنْ نَبَأِ الْغَيْبِ الصحيح والمبني على التسليم ما حَدَّثَنَا بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟! أَيْ: بَلِيتَ، فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. فصلاتك على النبي معروضة عليه صلى الله..
يَا أَحْبَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مُرَافَقَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْآخِرَةِ أُمْنِيَّةٌ تَطِيرُ لَهَا الْقُلُوبُ شَوْقًا، كَمْ دَعَا بِهَا الصَّالِحُونَ! وَكَمْ سَعَى لِأَجْلِهَا الْعَامِلُونَ!
طوبى لمَنْ كَانَ رَفِيقًا لِلنَّبِيِّ الْكَرِيمِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ –أيُ شرفِ وفوزٍ هذا-، ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ والله مَنْ كَانَ جَلِيسُهُ صَفِيَّ اللَّهِ وَحَبِيبَهُ، وَنَبِيَّهُ وَخَلِيلَهُ، سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ، وأَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلَ مَنْ تُفَتَّحُ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ.
وَأَوْلَى الْعَالَمِينَ يَوْمَ الدِّينِ بِصُحْبَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ. قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ، أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً" أَخْرَجَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ: إِنَّ مِنَ الْمُقَرَّرِ فِي طَبَائِعِ الْبَشَرِ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ، فَإِنْ كُنْتَ مُحِبًّا لِنَبِيِّكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَكْثِرْ مِنَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ قيامًا ببعض حقه عليك، وَإِكْثَارُكَ هَذَا سَيَزِيدُكَ بِإِذْنِ اللَّهِ حُبًّا لَهُ، وَتَأَسِّيًا بِهِ، واتباعًا له، وَشَوْقًا إِلَيْهِ، وَإِجْلَالًا لِسُنَّتِهِ، وَتَعْظِيمًا لِشَرِيعَتِهِ، وَهَذِهِ مَقَامَاتٌ مِنَ الْهُدَى وَالْإِيمَانِ يُحِبُّهَا اللَّهُ، وَيَجْزِي أَهْلَهَا الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ–عباد الله- حَقَّ التَّقوَى وراقبوه في السر والعلانية؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
يَا أَحْبَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَلَاةُ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هِيَ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ: هي دُّعَاؤهم لَهُ، وَصَلَاةُ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا هِيَ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ، فَنَحْنُ نَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ الزِّيَادَةَ فِي ثَنَائِهِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ التَّابِعِيِّ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ.
عِبَادَ اللَّهِ: وَتُشْرَعُ الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كُلِّ حِينٍ، بَيْدَ أَنَّ هُنَاكَ مَوَاطِنَ تَجِبُ فِيهَا الصَّلَاةُ، وَأُخْرَى تُسْتَحَبُّ.
فَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كُلِّ صَلَاةٍ، عِنْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. وَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ذُكِرَ اسْمُهُ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: "الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ" رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ. وَكَمَا فِي خَبَرِ جِبْرِيلَ الصَّحِيحِ: "رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ! قُلْ: آمِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: آمِينَ".
وَمِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيةِ.
وَقد صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ: فَصَلِّ -يَا عَبْدَ اللَّهِ- عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا،
ولا تكتفِ -أيها المبارك- بمجرد التذكير بذلك في وسائل التواصل، وإن كان هذا خير وعمل صالح، لكن ليلهج لسانك أيضًا بذلك.
وَوَاظِبْ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيه فِي صُبْحِكَ وَمَسَائِكَ عَشْرًا عَشْرًا تُدْرِكْ شَفَاعَتَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلِّ عليه بَعْدَ مُتَابَعَةِ الْأَذَانِ، فَفِي الْحَدِيثِ: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فإنَّه مَن صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عليه بها عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الوَسِيلَةَ، فإنَّها مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ، لا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِن عِبادِ اللهِ، وأَرْجُو أنْ أكُونَ أنا هُوَ، فمَن سَأَلَ لي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفاعَةُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَإِنْ دَخَلْتَ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ أَوْ خَرَجْتَ مِنْهُ فَصَلِّ عَلَى خَيْرِ خَلْقِ اللَّهِ.
وَفِي كُلِّ مَجْلِسٍ تَجْلِسُ فِيهِ فَلَا تَنْسَ الصَّلَاةَ عَلَى سَيِّدِ الْبَشَرِ، حَتَّى يَكُونَ مَجْلِسُكَ ذَلِكَ لَكَ لَا عَلَيْكَ، فَفِي الْحَدِيثِ: "مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ". أَيْ: حَسْرَةً وَخَسَارَةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَإِذَا قَرَعْتَ -يَا عَبْدَ اللَّهِ- أَبْوَابَ السَّمَاءِ بالدعاء، فَلَا تَعْجَلِ الْمَسْأَلَةَ، بَلِ ابْدَأْ بِالثَّنَاءِ عَلَى رَبِّكَ، ثُمَّ صَلِّ عَلَى نَبِيِّكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِهِ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ" رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
وَبَعْدُ: يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ: فَحَقٌّ عَلَى مَنْ عَقِلَ عَنْ نَبِيِّهِ هَذَا الْفَضْلَ، أَنْ يَعِجَّ لِسَانُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى حَبِيبِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَطِّبْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِسَانَكَ، فِي صُبْحِكَ وَمَسَائِكَ، فِي مَمْشَاكَ وَقُعُودِكَ، فِي تَقَلُّبِكَ وَاضْطِجَاعِكَ، فَمَا طَابَتِ الدُّنْيَا إِلَّا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَمَا زَانَتِ الْحَيَاةُ إِلَّا بِسَمَاعِ سِيرَتِهِ، وَالِاهْتِدَاءِ بِسُنَّتِهِ.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك وجودك يا أكرم الأكرمين..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، واحم حوزة الدين، وانصر إخواننا المستضعفين في غزة وفي كل مكان. اللهم فرِّج همَّ المهمومين ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين.اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللَّهُمَّ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنْتَ غَفَّاراً، فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَاراً.
سُبْحَانَ رَبِّنا رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
المرفقات
1702570771_إن الله وملائكته يصلون على النبي - خطبة.doc
1702570774_إن الله وملائكته يصلون على النبي - خطبة.pdf