خطبة : ( حضركم رمضان فاحذروا الشيطان )

عبدالله البصري
1435/08/22 - 2014/06/20 07:35AM
حضركم رمضان فاحذروا الشيطان 22 / 8 / ذ1435
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا في سَبِيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، أَنتُمُ اليَومَ في جُمُعَةٍ قَد تَكُونُ هِيَ الأَخِيرَةَ في شَهرِ شَعبَانَ ، وَيُوشِكُ لِمَن مَدَّ اللهُ في عُمُرِهِ مِنكُم أَن يُدرِكَ رَمَضَانَ ، فَلَيتَ شِعرِي مَا الَّذِي يَتَلَجلَجُ في صَدرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنكُمُ الآنَ ؟! مَاذَا أَعَدَّ لِضَيفِهِ الكَرِيمِ وَبِمَ تَجَهَّزَ ؟! وَمَا الَّذِي يَنوِي أَن يَفعَلَهُ إِنْ لم يَكُنْ قَد فَعَلَ ؟! وَهَل عَمِلَ عَلَى تَقوِيَةِ الاتِّصَالِ بِرَبِّهِ ، وَمَعرِفَةِ مَا يَقطَعُهُ عَنهُ لِيَتَخَلَّصَ مِنهُ وَيَحذَرَهُ ؟!
إِنَّهُ لَيسَ مِن مُسلِمٍ عَلَى وَجهِ الأَرضِ وَلا مُؤمِنٍ ، إِلاَّ وَهُوَ يَرجُو لِنَفسِهِ الخَيرَ ، وَيَظُنُّ بها أَن تَفعَلَ البِرَّ ، وَيُمَنِّيهَا بِالتَّزَوُّدِ مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ وَالتَّقوَى ، وَلَكِنَّ كَثِيرِينَ يَغفُلُونَ عَن أَنَّهُم لا يُوَفَّقُونَ وَلا يُسَدَّدُونَ ، لأَنَّهُم لم يَجِدُّوا في التَّخَلُّصِ مِن أَخطَرِ المَوَانِعِ وَأَعظَمِ القَوَاطِعِ ، وَلم يَدرَؤُوا عَن أَنفُسِهِم أَلَدَّ أَعدَائِهِم ، بَلِ استَسلَمُوا لَهُ وَانقَادُوا وَخَضَعُوا ، فَمَا تَزَالُ مَوَاسِمُ الخَيرِ لِذَلِكَ تَدخُلُ عَلَيهِم مَوسِمًا تِلوَ آخَرَ ، وَهُم مُستَسلِمُونَ مُستَضعَفُونَ ، لم يُحَاوِلُوا أَن يَتَخَلَّصُوا مِنَ العَدُوِّ المُتَرَبِّصِ وَيَلحَقُوا بِرَكبِ المُفلِحِينَ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ أَلَدَّ أَعدَائِنَا ـ أَعَاذَنَا اللهُ وَالمُسلِمِينَ مِنهُ ـ قَد أَقسَمَ حَسَدًا مِنهُ وَبَغيًا ، عَلَى أَن يَصُدَّنَا عَن صِرَاطِ اللهِ المُستَقِيمِ " قَالَ فَبِمَا أَغوَيتَني لأقعُدَنَّ لَهُم صِرَاطَكَ المستَقِيمَ . ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيدِيهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمَانِهِم وَعَن شَمَائِلِهِم وَلا تَجِدُ أَكثَرَهُم شَاكِرِينَ " أَرَأَيتُم حَجمَ المَعرَكَةِ يَا عِبَادَ اللهِ ؟! أَعَلِمتُم شَرَاسَةَ الحَربِ وَشِدَّةَ العَدَاوَةِ ؟! إِنَّهَا مَعرَكَةٌ دَائِمَةٌ ، وَحَربٌ مُلازِمَةٌ ، وَعَدَاوَةٌ مِن كُلِّ جِهَةٍ مُمكِنَةٍ ، وَالعَدُوُّ يَعلَمُ ضَعفَ مُنَاوِئِيهِ وَغَلَبَةَ الغَفلَةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنهُم ، وَمِن ثَمَّ كَانَ جَازِمًا بِبَذلِ مَجهُودِهِ عَلَى إِغوَائِهِم ، وَظَنَّ وَصَدَّقَ ظَنَّهُ فَقَالَ : " وَلا تَجِدُ أَكثَرَهُم شَاكِرِينَ " بَلْ لَقَد أَخبَرَ اللهُ ـ تَعَالى ـ أَنَّهُ صَدَّقَ عَلَى الأَكثَرِينَ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ مَن عَصَمَهُ اللهُ مِن المُؤمِنِينَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَقَد صَدَّقَ عَلَيهِم إِبلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤمِنِينَ " وَمِن ثَمَّ فَقَد أَمَرَنَا مَولانَا أَن نَتَّخِذَ الشَّيطَانَ عَدُوًّا ؛ لأَنَّهُ لا مَصِيرَ لِحِزبِهِ وَأَتبَاعِهِ إِلاَّ النَّارُ وَالخَسَارُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدعُو حِزبَهُ لِيَكُونُوا مِن أَصحَابِ السَّعِيرِ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيطَانَ وَلِيًّا مِن دُونِ اللهِ فَقَد خَسِرَ خُسرَانًا مُبِينًا " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَولِيَاءَ مِن دُوني وَهُم لَكُم عَدُوٌّ بِئسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا بَني آدَمَ لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطَانُ كَمَا أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ "
أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لَقَد حَذَّرَنَا رَبُّنَا مِن هَذَا العَدُوِّ اللَّدُودِ وَالخَصمِ العَنِيدِ ، لأَنَّ اتِّبَاعَهُ خَسَارَةٌ وَأَيُّ خَسَارَةٍ ؟! وَلأَنَّهُ سَيَقُومُ مَقَامًا إِذَا قُضِيَ الأَمرُ وَخَسِرَ المُبطِلُونَ ، فَيَتَبَرَّأُ مِمَّن تَبِعُوهُ وَيُحَمِّلُهُمُ اللَّومَ ، وَيُعلِنُ عَجزَهُ عَن إِنقَاذِهِم مِمَّا هُم فِيهِ بِسَبَبِهِ ، اِسمَعُوا مَا قَالَ رَبُّكُم في ذَلِكَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَقَالَ الشَّيطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُم وَعدَ الحَقِّ وَوَعَدتُكُم فَأَخلَفتُكُم وَمَا كَانَ ليَ عَلَيكُم مِن سُلطَانٍ إِلا أَن دَعَوتُكُم فَاستَجَبتُم لي فَلا تَلُومُوني وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَا أَنَا بِمُصرِخِكُم وَمَا أَنتُم بِمُصرِخِيَّ إِنِّي كَفَرتُ بما أَشرَكتُمُونِ مِن قَبلُ إِنَّ الظَّالمِينَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ " فَيَا عِبَادَ اللهِ ، قَبلَ أَن تَقُولَ نَفسٌ يَا حَسرَتَا عَلَى مَا فَرَّطتُ في جَنبِ اللهِ ، لِنَتَأَمَّلْ بَعضًا مِمَّا جَلاَّهُ اللهُ لَنَا وَرَسُولُهُ مِن أَمرِ هَذَا العَدُوِّ المُبِينِ ، لَعَلَّهُ أَن يَدفَعَ عَنَّا كَيدَهُ وَشَرَّهُ ، فَنَنطَلِقَ مَعَ دُخُولِ شَهرِ الخَيرِ إِلى مَزِيدٍ مِنَ الطَّاعَةِ وَالبِرِّ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد أَمَرَنَا اللهُ ـ تَعَالى ـ بِالدُّخُولِ في جَمِيعِ شَرَائِعِ الإِسلامِ ، ليَكُونَ لَنَا حَظٌّ في كُلِّ بَابِ خَيرٍ وَبِرٍّ ، وَنَصِيبٌ مِنَ الثَّوَابِ وَالأَجرِ ، وَلأَنَّ مِن مَداخِلِ الشَّيطَانِ في ذَلِكَ التَّثبِيطَ وَإِضعَافَ العَزمِ عَنِ الطَّاعَاتِ ، فَقَد حَذَّرَنَا رَبُّنَا مِن أَن نُطِيعَهُ فَنَترُكَ بَعضَ مَا نَستَطِيعُهُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادخُلُوا في السِّلمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبِينٌ " وَمِن ثَمَّ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّهُ حَرِيٌّ بِالمُسلِمِ أَن يَنوِيَ فِعلَ الخَيرِ في شَهرِ الخَيرِ ، وَأَن يَحرِصَ عَلَى المُسَاهَمَةِ في كُلِّ بَابٍ يُفتَحُ لَهُ مِن أَبوَابِ العَمَلِ الصَّالِحِ وَالبِرِّ ، فَيَكُونَ لَهُ نَصِيبٌ مِن نَوَافِلِ الصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ ، وَحَظٌّ مِن قِرَاءَةِ القُرآنِ وَذِكرِ الرَّحمَنِ ، وَسَهمٌ في تَفطِيرِ الصَّائِمِينَ وَالدَّعوَةِ إِلى اللهِ ، وَلا يَقُولَنَّ قَائِلٌ يَكفِينِي أَن أُصَلِّيَ المَكتُوبَةَ وَأَصُومَ الفَرضَ ، ثُمَّ يَترُكَ التَّزَوُّدَ مِن أَعمَالٍ أُخرَى قَد أُتِيحَت لَهُ ، فَإِنَّ الفُرَصَ لا تَدُومُ ، وَالجَنَّةَ دَرَجَاتٌ كَثِيرَةٌ " وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعمَلُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمِن أَعظَمِ مَدَاخِلِ الشَّيطَانِ لإِضلالِ بَني الإِنسَانِ ، وَصَدِّهِم عَمَّا يُصلِحُ شَأنَهُم ، تَزيِينُ صُحبَةِ البَطَّالِينَ وَالأَفَّاكِينَ وَالهَائِمِينَ وَاللاَّهِينَ ، وَاقرَؤُوا إِنْ شِئتُم قَولَهُ ـ تَعَالى ـ : " هَل أُنَبِّئُكُم عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ . تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . يُلقُونَ السَّمعَ وَأَكثَرُهُم كَاذِبُونَ . وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ . أَلم تَرَ أَنَّهُم في كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ . وَأَنَّهُم يَقُولُونَ مَا لا يَفعَلُونَ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ " أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ الرَّفِيقَ السَّيِّئَ مَدخَلٌ مِن مَدَاخِلِ الشَّيطَانِ ، وَكَيفَ لا يَكُونُ كَذَلِكَ وَهُوَ يُزَيِّنُ لِصَاحِبِهِ المُنكَرَاتِ وَيُبَغِّضُ إِلَيهِ الطَّاعَاتِ ، وَيَشغَلُهُ بِسَفَاسِفِ الأُمُورِ عَن مَعَالِيهَا ؟! إِنَّ الصَّدِيقَ السَّيِّئَ مَا هُوَ إِلاَّ شَيطَانٌ في صُورَةِ إِنسَانٍ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِذَا رَأَيتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعرِضْ عَنهُم حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيطَانُ فَلا تَقعُدْ بَعدَ الذِّكرَى مَعَ القَومِ الظَّالمِينَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَيَومَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيهِ يَقُولُ يَا لَيتَنِي اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً . يَا وَيلَتَى لَيتَني لم أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً . لَقَدْ أَضَلَّني عَنِ الذِّكرِ بَعدَ إِذْ جَاءَني وَكَانَ الشَّيطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا " وَحِينَ يُذكَرُ الصَّدِيقُ السَّيِّئُ وَالأَفَّاكُونَ وَالهَائِمُونَ ، فَإِنَّ مِمَّا يَجِبُ أَن يَحذَرَهُ المُسلِمُ في شَهرِ الخَيرِ مِمَّا يَقطَعُهُ عَنِ اللهِ ، مَا تُجلِبُ بِهِ وَسَائِلُ الإِعلامِ عَلَى النَّاسِ مِن بَرَامِجِ لَهوٍ بَاطِلٍ وَمُسَلسَلاتٍ مُلهِيَاتٍ ، وَمُسَابَقَاتٍ وَأُمسِيَاتٍ تَصُدُّ عَن ذِكرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ ، وَتِلكَ خُمُورٌ مَعنَوِيَّةٌ تَذهَبُ بِالعُقُولِ وَتَأخُذُ بِالأَلبَابِ ، وَتُزَيِّنُ لِلنَّاسِ القَبَائِحَ وَتَشغَلُهُم عَنِ الذِّكرِ بِلَهوِ الحَدِيثِ ، وَقَد قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُوقِعَ بَينَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ في الخَمرِ وَالمَيسِرِ وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَل أَنتُم مُنتَهُونَ " وَعَلَى ذِكرِ مَا يُرِيدُهُ الشَّيطَانُ مِن إِيقَاعِ العَدَاوَةِ وَالبَغضَاءِ بَينَ النَّاسِ ، وَصَدِّهِم بها عَن ذِكرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ ، فَإِنَّ المُسلِمَ يَتَذَكَّرُ قَولَ النَّاصِحِ الحَبِيبِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ الشَّيطَانَ قَد أَيِسَ أَن يَعبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ ، وَلَكِنْ في التَّحرِيشِ بَينَهُم " أَخرَجَهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَصَدَقَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فَكَم نَجَحَ العَدُوُّ اللَّدُودُ في التَّحرِيشِ بَينَ النَّاسِ ، وَإِيقَاعِ العَدَاوَةِ وَالشَّحنَاءِ وَالبَغضَاءِ في نُفُوسِهِم ، وَكَم زَرَعَ في المُجتَمَعِ مِنَ التَّنَاحُرِ والبَغضَاءِ ، لِتَحُلَّ مَحَلَّ الأُخُوَّةِ وَالصَّفَاءِ ، وَكُلَّ ذَلِكَ لِيَحُولَ بَينَ أَعمَالِهِم وَبَينَ أَن تُرفَعَ إِلى السَّمَاءِ ، وَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " تُفتَحُ أَبوَابُ الجَنَّةِ يَومَ الاثنَينِ وَيَومَ الخَمِيسِ ، فَيُغفَرُ لِكُلِّ عَبدٍ لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا إِلاَّ رَجُلاً كَانَت بَينَهُ وَبَينَ أَخِيهِ شَحنَاءُ ، فَيُقَالُ : أَنظِرُوا هَذَينِ حَتَّى يَصطَلِحَا " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَتَحَلَّوا بِالصَّبرِ وَالحِكمَةِ ، وَاحرِصُوا عَلَى صَلاحِ قُلُوبِكُم وَصَفَاءِ نُفُوسِكُم ، وَعَلَى أَلاَّ يَدخُلَ عَلَيكُمُ الشَّهرُ الكَرِيمُ وَأَنتُم مُستَسلِمُونَ لِعَدُوِّكُم سَائِرُونَ في طَرِيقِهِ مُنقَادُونَ لِخُطُوَاتِهِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبتُم وَمِمَّا أَخرَجنَا لَكُم مِنَ الأَرضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنهُ تُنفِقُونَ وَلَستُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغمِضُوا فِيهِ وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنيٌّ حَمِيدٌ . الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ وَيَأمُرُكُم بِالفَحشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُم مَغفِرَةً مِنهُ وَفَضلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . يُؤتي الحِكمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أُوتيَ خَيرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلبَابِ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد أَعطَانَا اللهُ أَسلِحَةً نُكَافِحُ بها عَدُوَّنَا ، مِنَ الإِيمَانِ الصَّادِقِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ وَالتَّوبَةِ النَّصُوحِ ، ثم الإِكثَارِ مِن ذِكرِهِ ـ تَعَالى ـ وَدُعَائِهِ وَاستِغفَارِهِ وَالاستِعَاذَةِ بِهِ ، وَالحَذَرِ مِنَ الإِصرَارِ وَالاستِنكَافِ وَالاستِكبَارِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ لإِبلِيسَ : " إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّهُ لَيسَ لَهُ سُلطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ . إِنَّمَا سُلطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّونَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشرِكُونَ " أَلا فَاحرِصُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عَلَى مَا يَعصِمُكُم مِن عَدُوِّكُم ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزغٌ فَاستَعِذ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ " وَفَي الصَّحِيحَينِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " مَن قَالَ : لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، في يَومٍ مِئَةَ مَرَّةٍ ، كَانَت لَهُ عَدلُ عَشرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَت لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَت عَنهُ مِئَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَت لَهُ حِرزًا مِنَ الشَّيطَانِ يَومَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمسِيَ ، وَلم يَأتِ أَحَدٌ بِأَفضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أَكثَرَ مِن ذَلِكَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ الشَّيطَانَ قَالَ : وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لا أَبرَحُ أُغوِي عِبَادَكَ مَا دَامَت أَروَاحُهُم في أَجسَادِهِم ، فَقَالَ الرَّبُّ : وَعِزَّتِي وَجَلالي لا أَزَالُ أَغفِرُ لَهُم مَا استَغفَرُونِي " أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَكُونُوا مَعَ اللهِ يَكُنْ مَعَكُم ، وَاذكُرُوهُ يَذكُرْكُم ، وَاستَغفِرُوهُ يَغفِرْ لَكُم ، ولا تَنسَوهُ فَيَكِلَكُم إِلى أَنفُسِكُم ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَيهِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَهُوَ الغَنِيُّ عَنكُم ، وَمَتى تَخَلَّيتُم عَن ذِكرِهِ سُلِّطَ عَلَيكُمُ الشَّيطَانُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن يَعشُ عَن ذِكرِ الرَّحمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ . وَإِنَّهُم لَيَصُدُّونَهُم عَنِ السَّبِيلِ وَيَحسَبُونَ أَنَّهُم مُهتَدُونَ "
أَلا وَإِنَّ مِن أَعظَمِ مَظَاهِرِ الغَفلَةِ عَن ذِكرِ اللهِ في زَمَانِنَا وَأَشَدِّهَا ، وَالَّتي تَظهَرُ عِندَ بَعضِ الشَّبَابِ حَتى في رَمَضَانَ ، وَهِيَ مِن أَعظَمِ الدَّلائِلِ عَلَى غَلَبَةِ الشَّيطَانِ عَلَى الإِنسَانِ ، التَّهَاوُنَ بِالصَّلاةِ مَعَ الجَمَاعَةِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا مِن ثَلاثَةٍ في قَريَةٍ وَلا بَدوٍ لا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاةُ إِلاَّ استَحوَذَ عَلَيهِمُ الشَّيطَانُ ، فَعَلَيكُم بِالجَمَاعَةِ ، فَإِنَّمَا يَأكُلُ الذِّئبُ مِنَ الغَنَمِ القَاصِيَةُ " أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
المرفقات

حضركم رمضان فاحذروا الشيطان.doc

حضركم رمضان فاحذروا الشيطان.doc

حضركم رمضان فاحذروا الشيطان.pdf

حضركم رمضان فاحذروا الشيطان.pdf

المشاهدات 3435 | التعليقات 3

جزاك الله خيراً
خطبة موفقة نفع الله بها
وليت فضيلتكم يكتب أيضاً خطبة عن جهاد النفس والهوى


ملحوظة: الجمعة القادمة تاريخها 29 حسب التقويم


مرحبًا بك ـ أخي إرشاد ـ وجزاك الله خيرًا على مرورك ودعائك وملحوظتك القيمة ، ويبدو أنني مشتاق لرمضان فعجلت جمعةً ، فعسى الله أن يبلغنيه وإخواني المسلمين ونحن في أمن وإيمان وعافية .
وأما فيما يتعلق بالموضوع الذي ذكرت فقد أكون كتبت فيه سابقًا ، ولكني أذكر آخر ما كتب قريبًا مما أشرتم إليه ، وهو خطبة " قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها " على هذا الرابط :


جزاك الله خيرا