خطبة : ( قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها )
عبدالله البصري
1434/02/28 - 2013/01/10 19:29PM
قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها 29 / 2 / 1434
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، نَفسُ الإِنسَانِ الَّتي بَينَ جَنبَيهِ ، عَالَمٌ مِنَ العَجَائِبِ وَالغَرَائِبِ ، بَل هِيَ مُعجِزَةٌ مِن مُعجِزَاتِ الخَلقِ ، لا يَعرِفُ حَقِيقَتَهَا غَيرُ خَالِقِهَا الَّذِي سَوَّاهَا ، فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا ، وَمِن أَعجَبِ مَا في تِلكَ النَّفسِ ، مَا تَنطَوِي عَلَيهِ مِن صِفَاتٍ مُتَغَايَرَةٍ ، وَمَا تَحمِلُهُ مِن سِمَاتٍ مُتَضَادَّةٍ ، وَمَا يَعتَرِيهَا مِن إِقبَالٍ وَإِدبَارٍ وَشِرَّةٍ وَفَترَةٍ ، وَطِيبٍ وَخُبثٍ وَأَمرٍ بِالسُّوءِ وَاطمِئنَانٍ إِلى الخَيرِ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد تَعَامَلَ المَنهَجُ التَّربَوِيُّ الإِسلامِيُّ ، مَعَ النَّفسِ بِكُلِّ هَذِهِ الاعتِبَارَاتِ ، فَجَمَعَ لَهَا بَينَ التَّرغِيبِ وَالتَّرهِيبِ ، وَزَاوَجَ في تَهذِيبِهَا بَينَ الرَّجَاءِ وَالخَوفِ ، وَرَغَّبَهَا وَرَهَّبَهَا .
وَالإِنسَانُ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ ، فَإِذَا قُدِّرَ لَهُ مَن يُذَكِّرُهُ بِالخَيرِ وَيَدُلُّهُ عَلَيهِ ، استَقَامَت نَفسُهُ عَلَى طَرِيقِ الهُدَى وَاستَحسَنَتهُ وَأَلِفَتهُ ، وَإِن لم يَجِدْ مَن يُذَكِّرُهُ أَو وَجَدَ مَن يَمِيلُ بِهِ ، مَالَت نَفسُهُ إِلى طَرِيقِ الفُجُورِ وَاستَمرَأَتهُ وَرَكَنَت إِلَيهِ . وَقَد جَاءَ في كِتَابِ اللهِ تَقسِيمُ النُّفُوسِ إِلى ثَلاثٍ : نَفسٌ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ، يَغلِبُ عَلَيهَا اتِّبَاعُ هَوَاهَا بِفِعلِ الذُّنُوبِ وَارتِكَابِ المَعَاصِي ، وَنَفسٌ لَوَّامَةٌ تُذنِبُ وَتُخطِئُ ، وَلَكِنَّهَا تَلُومُ صَاحِبَهَا عَلَى ذَلِكَ وَتُؤَنِّبُهُ ، فَيُحدِثُ لِكُلِّ ذَنبٍ تَوبَةً ، وَيَسلُكُ بَعدَ الضَّلالِ طَرِيقَ الإِنَابَةِ ، وَنَفسٌ مُطمَئِنَّةٌ ، تُحِبُّ الخَيرَ وَتَفعَلُ الحَسَنَاتِ ، وَتُبغِضُ الشَّرَّ وَتَجتَنِبُ السَّيِّئَاتِ ، قَدِ اطمَأَنَّت إِلى مَولاهَا في قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ ، وَاطمَأَنَّت إِلَيهِ في دِينِهِ وَشَرعِهِ ، وَاطمَأَنَّت إِلَيهِ في جَزَائِهِ وَثَوَابِهِ ، وَصَارَ ذَلِكَ لها خُلُقًا وَعَادَةً وَمَلَكَةً ، فَأَصبَحت بِذَلِكَ رَاضِيَةً مَرضِيَّةً ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا أُبَرِّئُ نَفسِي إِنَّ النَّفسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ "
وَأَقسَمَ بِالنَّفسِ اللَّوَّامَةِ ، فَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " لَا أُقسِمُ بِيَومِ القِيَامَةِ . وَلَا أُقسِمُ بِالنَّفسِ اللَّوَّامَةِ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " يَا أَيَّتُهَا النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ . ارجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرضِيَّةً . فَادخُلِي في عِبَادِي . وَادخُلِي جَنَّتِي "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَا مِن نَفسٍ إِلاَّ وَهِيَ تَمِيلُ وَتُحِبُّ وَتَشتَهِي ، وَنُفُوسُ النَّاسِ بِالنَّظَرِ إِلى مَا تُحِبُّهُ وَتَمِيلُ إِلَيهِ ثَلاثَةُ أَقسَامٍ : نَفسٌ سَمَاوِيَّةٌ عُلوِيَّةٌ ، مُنصَرِفَةٌ إِلى مَعرِفَةِ اللهِ بِأَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، مُتَّجِهَةٌ إِلى فِعلِ الفَضَائِلِ وَالطَّاعَاتِ ، مُنصَرِفَةٌ عَنِ الرَّذَائِلِ وَالمُخَالَفَاتِ ، مَشغُوفَةٌ بما يُقَرِّبُهَا مِنَ الرَّفِيقِ الأَعلَى ، وَبَينَ تِلكَ النَّفسِ وَبَينَ المَلائِكَةِ مَنَاسَبَةٌ طَبِيعِيَّةٌ ، بها مَالَت إِلى أَوصَافِهِم وَأَخلاقِهِم وَأَعمَالِهِم ، وَمِن ثَمَّ فَالمَلائِكَةُ أَولِيَاؤُهَا في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، يَتَوَلَّونَهَا بِالتَّثبِيتِ وَالتَّعلِيمِ ، وَإِلقَاءِ الصَّوَابِ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِهَا ، وَدَفعِ عَدُوِّهِ عَنهُ ، وَالاستِغفَارِ لَهُ إِذَا زَلَّ ، وَتَذكِيرِهِ إِذَا نَسِيَ ، وَتَسلِيَتِهِ إِذَا حَزِنَ ، وَإِيقَاظِهِ لِلصَّلاةِ إِذَا نَامَ عَنهَا ، وَتَحذِيرِهِ مِنَ الدُّنيَا إِذَا رَكَنَ إِلَيهَا .
وَالثَّانِيَةُ : نَفسٌ سَبُعِيَّةٌ غَضَبِيَّةٌ ، مَحَبَّتُهَا مُنصَرِفَةٌ إِلى القَهرِ وَالبَغيِ وَالعُلُوِّ في الأَرضِ ، وَالكِبرِ وَالرِّئَاسَةِ عَلَى النَّاسِ بِالبَاطِلِ ، فَلَذَّاتُهَا في ذَلِكَ وَشَغَفُهَا بِهِ ، وَبَينَ تِلكَ النَّفسِ وَبَينَ الشَّيَاطِينِ مَنَاسَبَةُ طَبِيعِيَّةٌ ، بها مَالَت إِلى أَوصَافِهِم وَأَخلاقِهِم وَأَعمَالِهِم ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَتَولىَّ تِلكَ النَّفسَ ، فَتُخرِجُ أَصحَابَهَا مِنَ النُّورِ إِلى الظُّلَمَاتِ ، وَتُؤُزُّهُم إِلى المَعَاصِي أَزًّا ، وَتُزَيِّنُ لَهُمُ القَبَائِحَ وَالمَعَاصِي ، وَتُسَهِّلُ عَلَيهِم المُخَالَفَاتِ وَتُثقِلُ عَلَيهِمُ الطَّاعَاتِ ، وَتُلقِي عَلَى أَلسِنَتِهِم أَلوَانَ القَبِيحِ مِنَ الكَلامِ ، وَهِيَ مَعَهُم أَينَمَا كَانُوا ، تُشَارِكُهُم في أَموَالِهِم وَأَولادِهِم وَنِسَائِهِم ، وَتَأكُلُ مَعَهُم وَتَشرَبُ وَتَجلِسُ وَتَبِيتُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَولِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إِلى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن يَعشُ عَن ذِكرِ الرَّحمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ . وَإِنَّهُم لَيَصُدُّونَهُم عَنِ السَّبِيلِ وَيَحسَبُونَ أَنَّهُم مُهتَدُونَ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيتَهُ فَذَكَرَ اللهَ عِندَ دُخُولِهِ وَعِندَ طَعَامِهِ ، قَالَ الشَّيطَانُ : لا مَبِيتَ لَكُم وَلا عَشَاءَ ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَم يَذكُرِ اللهَ عِندَ دُخُولِهِ ، قَالَ الشَّيطَانُ : أَدرَكتُمُ المَبِيتَ ، وَإِذَا لم يَذكُرِ اللهَ عِندَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيطَانُ : أَدرَكتُمُ المَبِيتَ وَالعَشَاءَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وغيره .
وَأَمَّا النَّفسُ الثَّالِثَةُ : فَهِيَ نَفسٌ حَيَوَانِيَّةٌ شَهوَانِيَّةٌ ، مَحَبَّتُهَا مُنصَرِفَةٌ إِلى المَأكَلِ وَالمَشرَبِ وَالمَنكَحِ وَالمَلبَسِ ، وَنَحوِ ذَلِكَ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالمَلاذِّ ، وَأَصحَابُ هَذِهِ النَّفسِ أَشبَاهُ الحَيَوَانِ ، نُفُوسُهُم أَرضِيَّةٌ سُفلِيَّةٌ ، لا تُبالي بِغَيرِ شَهَوَاتِهَا ، وَلا تَقُومُ إِلاَّ لِلَذَّاتِهَا ، فَهِيَ مَشغُوفَةٌ بها مَشغُولَةٌ عَن مُرَادِ رَبِّهَا ، مُلازِمَةٌ لها إِلى حِينِ أَجَلِهَا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأكُلُونَ كَمَا تَأكُلُ الأَنعَامُ وَالنَّارُ مَثوًى لَهُم "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ مَا مِن نَفسٍ إِلاَّ وَيَتَجَاذَبُهَا ثَلاثَةَ دَوَاعٍ : دَاعٍ يَدعُوهَا إِلى الاتِّصَافِ بِأَخلاقِ الشَّيَاطِينِ مِنَ الكِبرِ وَالحَسَدِ وَالعُلُوِّ وَالبَغيِ وَالغِشِّ وَالكَذِبِ ، وَدَاعٍ يَدعُوهَا إِلى الاتِّصَافِ بِأَخلاقِ الحَيَوَانِ مِنَ الحِرصِ وَالبُخلِ وَالشَّهوَةِ . وثَالِثٌ يَدعُوهَا إِلى الاتِّصَافِ بِأَخلاقِ المَلائِكَةِ مِنَ الطَّاعَةِ وَالعِبَادَةِ ، وَالإِحسَانِ وَالنُّصحِ ، وَالعِلمِ وَالبِرِّ ، وَالتَّسبِيحِ وَالاستِغفَارِ ، وَالنَّفسُ بَينَ هَذِهِ الدَّوَاعِي فِيهَا استِعدَادٌ لِلخَيرِ وَالشَّرِّ ، وَهِيَ مُنقَادَةٌ مَعَ مَن سَبَقَ ، مُطَاوِعَةٌ لِمَن غَلَبَ ، وَإِنَّمَا يَأتِيهَا البَلاءُ وَالشَّرُّ مِن شَيئَينِ : مِن تَزيِينِ الشَّيطَانِ لَهَا مَا يَضُرُّهَا ، وَمِنَ جَهلِهَا بما يَنفَعُهَا وَيُصلِحُ شَأنَهَا ، فَإِنَّ الشَّيطَانَ يُزَيِّنُ لَهَا السَّيِّئَاتِ ، وَيُرِيهَا إِيَّاهَا في صُوَرِ المَنَافِعِ وَاللَّذَّاتِ وَالطَّيِّبَاتِ ، وَيُغفِلُهَا عَن مُطَالَعَةِ مَضَرَّتِهَا ، فَيَتَوَلَّدُ مِن هَذَا التَّزيِينِ إِرَادَةٌ وَشَهوَةٌ ، مَا تَلبَثُ حتى تَقوَى وَتَصِيرُ عَزمًا جَازِمًا يَقتَرِنُ بِهِ الفِعلُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَلَولَا إِذْ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ "
وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لا كَمَالَ لِلإِنسَانِ وَلا نَجَاةَ لِنَفسِهِ وَلا زَكَاءَ لَهَا ، إِلاَّ بِتَكمِيلِ مَرَاتِبِ الكَمَالِ الإِنسَانيِّ ، بِإِصلاحِ نَفسِهِ وَإِصلاحِ غَيرِهِ ، بِالعِلمِ النَّافِعِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ أَوَّلاً ، ثم بِالتَّواصِي بِالحَقِّ وَالتَّوَاصِي بِالصَّبرِ عَلَيهِ ثَانِيًا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالعَصرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَتَعَاهَدُوا نُفُوسَكُم ، وَاسعَوا إِلى مَا فِيهِ كَمَالُهَا وَزَكَاؤُهَا ، وَتَعَلَّمُوا وَاعلَمُوا ، وَمُرُوا بِالمَعرُوفِ وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ ، وَ" اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاذكُرُوهُ وَلا تَنسَوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ وَإِن كَانَ الإِنسَانُ بِفِطرَتِهِ مَجبُولٌ عَلَى الخَيرِ مَطبُوعٌ عَلَى قَبُولِ الحَقِّ ، فَإِنَّ في النَّفسِ بِطَبِيعَتِهَا مَيلاً إِلى الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ وَاتِّبَاعِ الهَوَى ، وَهِيَ كَالطَّفلِ ، إِنْ أَدَّبَهَا صَاحِبُهَا وَهَذَّبَهَا صَلَحَت وَاستَقَامَت ، وَإِنْ أَهمَلَهَا وَتَرَكَهَا خَابَت وَخَسِرَت ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا . قَد أَفلَحَ مَن زَكَّاهَا . وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا "
فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَأَخلِصُوا العَمَلَ للهِ وَانصَحُوا ، وَالزَمُوا جَمَاعَةَ المُسلِمِينَ وَلا تَختَلِفُوا ، فَإِنَّ في ذَلِكَ صَلاحَ قُلُوبِكُم وَزَكَاءَ نُفُوسِكُم ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ " قَالَ رَبِّ بما أَغوَيتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُم في الأَرضِ وَلَأُغوِيَنَّهُم أَجمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنهُمُ المُخلَصِينَ . قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُستَقِيمٌ . إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " ثَلاثٌ لا يُغِلُّ عَلَيهِنَّ قَلبُ امرِئٍ مُؤمِنٍ : إِخلاصُ العَمَلِ للهِ ، وَالمُنَاصَحَةُ لأَئِمَّةِ المُسلِمِينَ ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِم " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنتَ خَيرُ مَن زَكَّاهَا ، أَنتَ وَلِيُّهَا وَمَولاهَا ، اللَّهُمَّ أَلهِمْنَا رُشدَنَا وَقِنَا شَرَّ نُفُوسِنَا .
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، نَفسُ الإِنسَانِ الَّتي بَينَ جَنبَيهِ ، عَالَمٌ مِنَ العَجَائِبِ وَالغَرَائِبِ ، بَل هِيَ مُعجِزَةٌ مِن مُعجِزَاتِ الخَلقِ ، لا يَعرِفُ حَقِيقَتَهَا غَيرُ خَالِقِهَا الَّذِي سَوَّاهَا ، فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا ، وَمِن أَعجَبِ مَا في تِلكَ النَّفسِ ، مَا تَنطَوِي عَلَيهِ مِن صِفَاتٍ مُتَغَايَرَةٍ ، وَمَا تَحمِلُهُ مِن سِمَاتٍ مُتَضَادَّةٍ ، وَمَا يَعتَرِيهَا مِن إِقبَالٍ وَإِدبَارٍ وَشِرَّةٍ وَفَترَةٍ ، وَطِيبٍ وَخُبثٍ وَأَمرٍ بِالسُّوءِ وَاطمِئنَانٍ إِلى الخَيرِ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد تَعَامَلَ المَنهَجُ التَّربَوِيُّ الإِسلامِيُّ ، مَعَ النَّفسِ بِكُلِّ هَذِهِ الاعتِبَارَاتِ ، فَجَمَعَ لَهَا بَينَ التَّرغِيبِ وَالتَّرهِيبِ ، وَزَاوَجَ في تَهذِيبِهَا بَينَ الرَّجَاءِ وَالخَوفِ ، وَرَغَّبَهَا وَرَهَّبَهَا .
وَالإِنسَانُ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ ، فَإِذَا قُدِّرَ لَهُ مَن يُذَكِّرُهُ بِالخَيرِ وَيَدُلُّهُ عَلَيهِ ، استَقَامَت نَفسُهُ عَلَى طَرِيقِ الهُدَى وَاستَحسَنَتهُ وَأَلِفَتهُ ، وَإِن لم يَجِدْ مَن يُذَكِّرُهُ أَو وَجَدَ مَن يَمِيلُ بِهِ ، مَالَت نَفسُهُ إِلى طَرِيقِ الفُجُورِ وَاستَمرَأَتهُ وَرَكَنَت إِلَيهِ . وَقَد جَاءَ في كِتَابِ اللهِ تَقسِيمُ النُّفُوسِ إِلى ثَلاثٍ : نَفسٌ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ، يَغلِبُ عَلَيهَا اتِّبَاعُ هَوَاهَا بِفِعلِ الذُّنُوبِ وَارتِكَابِ المَعَاصِي ، وَنَفسٌ لَوَّامَةٌ تُذنِبُ وَتُخطِئُ ، وَلَكِنَّهَا تَلُومُ صَاحِبَهَا عَلَى ذَلِكَ وَتُؤَنِّبُهُ ، فَيُحدِثُ لِكُلِّ ذَنبٍ تَوبَةً ، وَيَسلُكُ بَعدَ الضَّلالِ طَرِيقَ الإِنَابَةِ ، وَنَفسٌ مُطمَئِنَّةٌ ، تُحِبُّ الخَيرَ وَتَفعَلُ الحَسَنَاتِ ، وَتُبغِضُ الشَّرَّ وَتَجتَنِبُ السَّيِّئَاتِ ، قَدِ اطمَأَنَّت إِلى مَولاهَا في قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ ، وَاطمَأَنَّت إِلَيهِ في دِينِهِ وَشَرعِهِ ، وَاطمَأَنَّت إِلَيهِ في جَزَائِهِ وَثَوَابِهِ ، وَصَارَ ذَلِكَ لها خُلُقًا وَعَادَةً وَمَلَكَةً ، فَأَصبَحت بِذَلِكَ رَاضِيَةً مَرضِيَّةً ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا أُبَرِّئُ نَفسِي إِنَّ النَّفسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ "
وَأَقسَمَ بِالنَّفسِ اللَّوَّامَةِ ، فَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " لَا أُقسِمُ بِيَومِ القِيَامَةِ . وَلَا أُقسِمُ بِالنَّفسِ اللَّوَّامَةِ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " يَا أَيَّتُهَا النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ . ارجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرضِيَّةً . فَادخُلِي في عِبَادِي . وَادخُلِي جَنَّتِي "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَا مِن نَفسٍ إِلاَّ وَهِيَ تَمِيلُ وَتُحِبُّ وَتَشتَهِي ، وَنُفُوسُ النَّاسِ بِالنَّظَرِ إِلى مَا تُحِبُّهُ وَتَمِيلُ إِلَيهِ ثَلاثَةُ أَقسَامٍ : نَفسٌ سَمَاوِيَّةٌ عُلوِيَّةٌ ، مُنصَرِفَةٌ إِلى مَعرِفَةِ اللهِ بِأَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، مُتَّجِهَةٌ إِلى فِعلِ الفَضَائِلِ وَالطَّاعَاتِ ، مُنصَرِفَةٌ عَنِ الرَّذَائِلِ وَالمُخَالَفَاتِ ، مَشغُوفَةٌ بما يُقَرِّبُهَا مِنَ الرَّفِيقِ الأَعلَى ، وَبَينَ تِلكَ النَّفسِ وَبَينَ المَلائِكَةِ مَنَاسَبَةٌ طَبِيعِيَّةٌ ، بها مَالَت إِلى أَوصَافِهِم وَأَخلاقِهِم وَأَعمَالِهِم ، وَمِن ثَمَّ فَالمَلائِكَةُ أَولِيَاؤُهَا في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، يَتَوَلَّونَهَا بِالتَّثبِيتِ وَالتَّعلِيمِ ، وَإِلقَاءِ الصَّوَابِ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِهَا ، وَدَفعِ عَدُوِّهِ عَنهُ ، وَالاستِغفَارِ لَهُ إِذَا زَلَّ ، وَتَذكِيرِهِ إِذَا نَسِيَ ، وَتَسلِيَتِهِ إِذَا حَزِنَ ، وَإِيقَاظِهِ لِلصَّلاةِ إِذَا نَامَ عَنهَا ، وَتَحذِيرِهِ مِنَ الدُّنيَا إِذَا رَكَنَ إِلَيهَا .
وَالثَّانِيَةُ : نَفسٌ سَبُعِيَّةٌ غَضَبِيَّةٌ ، مَحَبَّتُهَا مُنصَرِفَةٌ إِلى القَهرِ وَالبَغيِ وَالعُلُوِّ في الأَرضِ ، وَالكِبرِ وَالرِّئَاسَةِ عَلَى النَّاسِ بِالبَاطِلِ ، فَلَذَّاتُهَا في ذَلِكَ وَشَغَفُهَا بِهِ ، وَبَينَ تِلكَ النَّفسِ وَبَينَ الشَّيَاطِينِ مَنَاسَبَةُ طَبِيعِيَّةٌ ، بها مَالَت إِلى أَوصَافِهِم وَأَخلاقِهِم وَأَعمَالِهِم ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَتَولىَّ تِلكَ النَّفسَ ، فَتُخرِجُ أَصحَابَهَا مِنَ النُّورِ إِلى الظُّلَمَاتِ ، وَتُؤُزُّهُم إِلى المَعَاصِي أَزًّا ، وَتُزَيِّنُ لَهُمُ القَبَائِحَ وَالمَعَاصِي ، وَتُسَهِّلُ عَلَيهِم المُخَالَفَاتِ وَتُثقِلُ عَلَيهِمُ الطَّاعَاتِ ، وَتُلقِي عَلَى أَلسِنَتِهِم أَلوَانَ القَبِيحِ مِنَ الكَلامِ ، وَهِيَ مَعَهُم أَينَمَا كَانُوا ، تُشَارِكُهُم في أَموَالِهِم وَأَولادِهِم وَنِسَائِهِم ، وَتَأكُلُ مَعَهُم وَتَشرَبُ وَتَجلِسُ وَتَبِيتُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَولِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إِلى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن يَعشُ عَن ذِكرِ الرَّحمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ . وَإِنَّهُم لَيَصُدُّونَهُم عَنِ السَّبِيلِ وَيَحسَبُونَ أَنَّهُم مُهتَدُونَ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيتَهُ فَذَكَرَ اللهَ عِندَ دُخُولِهِ وَعِندَ طَعَامِهِ ، قَالَ الشَّيطَانُ : لا مَبِيتَ لَكُم وَلا عَشَاءَ ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَم يَذكُرِ اللهَ عِندَ دُخُولِهِ ، قَالَ الشَّيطَانُ : أَدرَكتُمُ المَبِيتَ ، وَإِذَا لم يَذكُرِ اللهَ عِندَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيطَانُ : أَدرَكتُمُ المَبِيتَ وَالعَشَاءَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وغيره .
وَأَمَّا النَّفسُ الثَّالِثَةُ : فَهِيَ نَفسٌ حَيَوَانِيَّةٌ شَهوَانِيَّةٌ ، مَحَبَّتُهَا مُنصَرِفَةٌ إِلى المَأكَلِ وَالمَشرَبِ وَالمَنكَحِ وَالمَلبَسِ ، وَنَحوِ ذَلِكَ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالمَلاذِّ ، وَأَصحَابُ هَذِهِ النَّفسِ أَشبَاهُ الحَيَوَانِ ، نُفُوسُهُم أَرضِيَّةٌ سُفلِيَّةٌ ، لا تُبالي بِغَيرِ شَهَوَاتِهَا ، وَلا تَقُومُ إِلاَّ لِلَذَّاتِهَا ، فَهِيَ مَشغُوفَةٌ بها مَشغُولَةٌ عَن مُرَادِ رَبِّهَا ، مُلازِمَةٌ لها إِلى حِينِ أَجَلِهَا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأكُلُونَ كَمَا تَأكُلُ الأَنعَامُ وَالنَّارُ مَثوًى لَهُم "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ مَا مِن نَفسٍ إِلاَّ وَيَتَجَاذَبُهَا ثَلاثَةَ دَوَاعٍ : دَاعٍ يَدعُوهَا إِلى الاتِّصَافِ بِأَخلاقِ الشَّيَاطِينِ مِنَ الكِبرِ وَالحَسَدِ وَالعُلُوِّ وَالبَغيِ وَالغِشِّ وَالكَذِبِ ، وَدَاعٍ يَدعُوهَا إِلى الاتِّصَافِ بِأَخلاقِ الحَيَوَانِ مِنَ الحِرصِ وَالبُخلِ وَالشَّهوَةِ . وثَالِثٌ يَدعُوهَا إِلى الاتِّصَافِ بِأَخلاقِ المَلائِكَةِ مِنَ الطَّاعَةِ وَالعِبَادَةِ ، وَالإِحسَانِ وَالنُّصحِ ، وَالعِلمِ وَالبِرِّ ، وَالتَّسبِيحِ وَالاستِغفَارِ ، وَالنَّفسُ بَينَ هَذِهِ الدَّوَاعِي فِيهَا استِعدَادٌ لِلخَيرِ وَالشَّرِّ ، وَهِيَ مُنقَادَةٌ مَعَ مَن سَبَقَ ، مُطَاوِعَةٌ لِمَن غَلَبَ ، وَإِنَّمَا يَأتِيهَا البَلاءُ وَالشَّرُّ مِن شَيئَينِ : مِن تَزيِينِ الشَّيطَانِ لَهَا مَا يَضُرُّهَا ، وَمِنَ جَهلِهَا بما يَنفَعُهَا وَيُصلِحُ شَأنَهَا ، فَإِنَّ الشَّيطَانَ يُزَيِّنُ لَهَا السَّيِّئَاتِ ، وَيُرِيهَا إِيَّاهَا في صُوَرِ المَنَافِعِ وَاللَّذَّاتِ وَالطَّيِّبَاتِ ، وَيُغفِلُهَا عَن مُطَالَعَةِ مَضَرَّتِهَا ، فَيَتَوَلَّدُ مِن هَذَا التَّزيِينِ إِرَادَةٌ وَشَهوَةٌ ، مَا تَلبَثُ حتى تَقوَى وَتَصِيرُ عَزمًا جَازِمًا يَقتَرِنُ بِهِ الفِعلُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَلَولَا إِذْ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ "
وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لا كَمَالَ لِلإِنسَانِ وَلا نَجَاةَ لِنَفسِهِ وَلا زَكَاءَ لَهَا ، إِلاَّ بِتَكمِيلِ مَرَاتِبِ الكَمَالِ الإِنسَانيِّ ، بِإِصلاحِ نَفسِهِ وَإِصلاحِ غَيرِهِ ، بِالعِلمِ النَّافِعِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ أَوَّلاً ، ثم بِالتَّواصِي بِالحَقِّ وَالتَّوَاصِي بِالصَّبرِ عَلَيهِ ثَانِيًا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالعَصرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَتَعَاهَدُوا نُفُوسَكُم ، وَاسعَوا إِلى مَا فِيهِ كَمَالُهَا وَزَكَاؤُهَا ، وَتَعَلَّمُوا وَاعلَمُوا ، وَمُرُوا بِالمَعرُوفِ وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ ، وَ" اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاذكُرُوهُ وَلا تَنسَوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ وَإِن كَانَ الإِنسَانُ بِفِطرَتِهِ مَجبُولٌ عَلَى الخَيرِ مَطبُوعٌ عَلَى قَبُولِ الحَقِّ ، فَإِنَّ في النَّفسِ بِطَبِيعَتِهَا مَيلاً إِلى الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ وَاتِّبَاعِ الهَوَى ، وَهِيَ كَالطَّفلِ ، إِنْ أَدَّبَهَا صَاحِبُهَا وَهَذَّبَهَا صَلَحَت وَاستَقَامَت ، وَإِنْ أَهمَلَهَا وَتَرَكَهَا خَابَت وَخَسِرَت ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا . قَد أَفلَحَ مَن زَكَّاهَا . وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا "
فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَأَخلِصُوا العَمَلَ للهِ وَانصَحُوا ، وَالزَمُوا جَمَاعَةَ المُسلِمِينَ وَلا تَختَلِفُوا ، فَإِنَّ في ذَلِكَ صَلاحَ قُلُوبِكُم وَزَكَاءَ نُفُوسِكُم ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ " قَالَ رَبِّ بما أَغوَيتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُم في الأَرضِ وَلَأُغوِيَنَّهُم أَجمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنهُمُ المُخلَصِينَ . قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُستَقِيمٌ . إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " ثَلاثٌ لا يُغِلُّ عَلَيهِنَّ قَلبُ امرِئٍ مُؤمِنٍ : إِخلاصُ العَمَلِ للهِ ، وَالمُنَاصَحَةُ لأَئِمَّةِ المُسلِمِينَ ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِم " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنتَ خَيرُ مَن زَكَّاهَا ، أَنتَ وَلِيُّهَا وَمَولاهَا ، اللَّهُمَّ أَلهِمْنَا رُشدَنَا وَقِنَا شَرَّ نُفُوسِنَا .
المرفقات
قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها.doc
قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها.doc
قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها.pdf
قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها.pdf