خطبة الاستسقاء في شهر رجب 1445 هـ ( شاملة ومختصرة )
محمد بن سليمان المهوس
« خطبة الاستسقاء ( شهر رجب 1445 هـ ) »
محمد بن سليمان المهوس / جامع الحمادي بالدمام
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ:
اِتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ فِي سَرَّائِكُمْ وَضَرَّائِكُمْ، وَتَعَرَّفُوا إِلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا فِي شِدَّتِكُمْ وَرَخَائِكُم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]
أَيُّهَاْ الْمُـسْلِمُونَ : يقول الله تعالى : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾
[ البقرة : 186 ]
فَفِيِ هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيِمَةِ يُخْبِرُ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ : بِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِيِنَ ، بَعْدَمَا أَمَرَهُمْ بِدُعَائِهِ وَسُؤَالِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَوَعْدَهُمْ بِالإِجَابَةِ ؛ وَهَذَا مِنْ كَمَالِ غِنَاهُ وَكَرَمِهِ وُجُودِهِ جَلَّ فِيِ عُلَاهُ ؛ وَهُوَ الْقَائِلُ أَيْضاً ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [ غافر : 60 ]
وَقَالَ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا دَخَلَ الْبَحْرَ » [ رواه مسلم ].
فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : صَاحِبُ الجُودِ وَالكَرَمِ ،عَظِيمُ الإِحْسَانِ وَالْمَنِّ وَالعَطَاءِ؛ يَفْتَحُ رَحْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ﴾ [ فاطر : 2 ] وَهُوَ الخَالِقُ الرَّازِقُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [ فاطر : 3 ] فَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِرَبِّكُمْ، وَعَظِّمُوا الرَّجَاءَ وَالأَمَلَ بِهِ، وَظُنُّوا خَيْرًا وَجُودًا وَكَرَمًا وَرَحْمَةً وَغَيْثًا، وَقَدْ خَرَجْتُمْ تَسْتَسْقُونَهُ وَتَسْتَمْطِرُونَهُ ،وَقَدْ قَالَ فِي الحَدِيثِ القُدْسَى « أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ » [ متفق عليه ]
فَهُوَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ بِيَدِهِ أَزِمَّةُ الأُمُورِ، وَمَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ؛ عَطَاءُهُ سُبْحَانَهُ مَتَى شَاءَ وَأَيْنَ شَاءَ وَكَيْفَمَا شَاءَ ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [ يس : 82 ] وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لِلعَبْدِ إِلَّا بِرَبِّهِ، فَهُوَ الفَقِيرُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَا غِنَى لَهُ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ ﴿ يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾[ فاطر : 15 ]
فَهَذِهِ بَعْضُ صِفَاتِ رِبِّنَا الَّذِي خَرَجْنَا نَسْتَسْقِيهِ ، وَهَذِهِ أَفْعَالُهُ وَأَفْضَالُهُ، تَمْلَأُ القُلُوبَ رَجَاءً وَأَمَلًا فِيهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يُغِيثَنَا عَاجِلًا وَآجِلًا، وَتـَمْنَــعُنَا مِنَ الْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَتِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَهُوَ القَائِلُ جَلَّا جَلَالُهُ ﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [ الزمر : 53 ] وَعَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَضْحَكُ مِنْ إِيَاسَةِ الْعِبَادِ وَقُنُوطِهِمْ ، وَقُرْبِهِ مِنْهُمْ »قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، أَوَ يَضْحَكُ رَبُّنَا؟ قَالَ: « أَيْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّهُ لَيَضْحَكُ »، قَالَ: فَقُلْتُ إِذًا لَا يَعْدِمُنَا مِنْهُ خَيْرًا إِذَا ضَحِكَ . [حَدِيثٌ حَسَنٌ حَسَّنَهُ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ وَالأَلْبَانِيُّ رَحِمُهُمَا اللّه تَعَالَى ]
قَالَ اِبْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَعْجَبُ مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ عِنْدَ احْتِبَاسِ الْقَطْرِ عَنْهُمْ ،وَقُنُوطِهِمْ وَيَأْسِهِمْ مِنَ الرَّحْمَةِ ، وَقَدِ اقْتَرَبَ وَقْتُ فَرَجِهِ وَرَحْمَتِهِ لِعِبَادِهِ ، بِإِنْزَالِ الْغَيْثِ عَلَيْهِمْ ، وَتَغْيِيرِهِ لِحَالِهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ﴾ [ الروم : 48 – 49 ] انْتَهَى كَلاَمُهُ.
فَإِنْ كُنَّا نَرْجُو أَنْ يُغَيِّرَ اللهُ أَحْوَالَنَا وَأَحْوَالَ بِلَادِنَا مِنْ جَدْبٍ وَقِلَّةِ مَاءٍ وَمَرْعًى ؛ فَعَلَيْنَا أَنْ نُغَيِّرَ حَالَنَا بِصِدْقِ التَّوْبَةِ إِلَيْهِ، وَالإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالبُعْدِ عَنْ كُلِّ أَمْرٍ يُغْضِبُهُ ، وَأَنْ يُحَاسِبَ الـمَرْءُ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبًا فِي مَنْعِ القَطْرِ عَنِ العِبَادِ وَالبِلَادِ وَالبَهَائِمِ ؛ قَالَ تَعَالَى : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ [ الرعد : 11 ] فَاُدْعُوا رَبَّكُمْ وَأَلِحُّوا بِالدُّعَاءِ، وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ وَأَمِّلُوا وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ ، وَاُكْثِرُوا مِنْ التَّوْبَةِ الاِسْتِغْفَارِ، وَاُهْجُرُوا الذُّنُوبَ وَالأَوْزَارَ، فَمَا اُسْتُنْزِلَتِ الأَمْطَارُ بِمَثَلِ التَّوْبَةِ وَالاِسْتِغْفَارِ.
اَللَّهُمَّ أَنْتَ اللهُ لَا اِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ، أَنْتَ أَلْغِنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ، أَنْزَلَ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ القَانِطِينَ، اَللَّهُمَّ أَنْزِلُ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ القَانِطِينَ ، اللّهُمَّ أَغِثْنَا، اللّهُمَّ أغِثْنَا، اللّهُمَّ أغِثْنَا، اَللَّهُمَّ اِسْقِنَا وَأَغِثْنَا ، اَللَّهُمَّ أَغِثْ قُلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَاليَقِينِ، وَبِلَادَنَا بِالخَيْرَاتِ وَالأَمْطَارِ والْغَيْثَ الْعَمِيمِ.
اَللَّهُمَّ إِنَّا خَلُقٌ مِنْ خَلْقِكَ، فَلَا تَـمْنَعْ عَنَّا بِذُنُوبِنَا فَضْلَكَ، اَللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسَلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا .
اَللَّهُمَّ أَغَثْنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا سَحًّا طَبَقًا وَاسِعًا مُـجَلِّلاً نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ، اَللَّهُمَّ سُقْيًا رَحْمَةٍ، اَللَّهُمَّ سَقْيًا رَحْمَةٍ، لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ.
اَللَّهُمَّ أَسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَأَنْشَرْ رَحْمَتَكَ، وَأحْيِ بَلَدَكَ المَيِّت.
اَللَّهُمَّ أَغَثْنَا غَيْثًا مُبَارَكًا، تُحَيِي بِهِ البِلَادَ، وَتَرْحَمُ بِهِ العِبَادَ، وَتَجْعَلُهُ بَلَاغًا لِلحَاضِرِ والْبَلادِ، اَللَّهُمَّ أَنَبْتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدَرَّ لَنَا الضَّرْعَ ، وَاِسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ، اَللَّهُمَّ اِرْفَعْ عَنَّا القَحْطَ وَالجَفَافَ وَالجُوعَ وَالْـجَهْدَ، وَاِكْشِفْ مَا بِالْـمـُسْلِمِينَ مِنَ الْبَلَايَا، فَإِنَّ بِهِمْ مِنَ الْـجَـهْدِ مَا لَا يَكْشِفُهُ إِلَّا أَنْتَ، اَللَّهُمَّ اِكْشِفْ الضُّرَّ عَنْ المُتَضَرِّرِينَ، اَللَّهُمَّ اِكْشِفْ الضُّرَّ عَنْ المُتَضَرِّرِينَ، وَالكُرَبَ عَنْ المَكْرُوبِينَ، وَأَسْبَغِ النِّعَمَ عَلَى عِبَادَكَ أَجْمَعِينَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ.
أَيُّهَا الْمُـسْلِمُونَ : لَقَدْ كَانَ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا يَسْتَغِيثُ رَبَّهُ أَنْ يَقْلِبَ رِدَاءَهُ، فَاقْلِبُوا أَرْدِيَتَكُمْ اِقْتِدَاءًا بِسُنَةِ نَبِيكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَفَاؤُلًا أَنْ يَقْلِبَ اللهُ حَالَكُمْ مِنَ الشِّدَّةِ إِلَى الرَّخَاءِ، وَمِنَ القَحْطِ إِلَى الْغَيْثِ، وَأَلِحُّوا عَلَى اللهِ بِالدُّعَاءِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْـمـُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ.
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ, وَاِغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ يَارَبَّ الْعَالَمِيِنَ .
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الصافات : 180-182 ] وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَالِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
المرفقات
1706690047_خطبة الاستسقاء في رجب 1445 هـ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق