خطبة الاستسقاء ( بم يستنزل المطر ) ؟

خالد الشايع
1445/07/19 - 2024/01/31 17:14PM

خطبة استسقاء ( بم يستنزل المطر)          20/7/1445

أما بعد فيا أيها الناس : لا ينفك ابن آدم من حاجته لربه ، ولا يمكن له العيش بدون سؤال ربه ، فقد فطر الله الإنسان على الحاجة لربه وخالقه ، ومتى تخلى الرب عن العبد ، أو أعرض العبد عن ربه ، فإنه يسقط في واد الهلاك ، ولا نجاة له إلا بسبب من ربه جل وعلا .

معاشر المسلمين : لقد اختص الله بعلم الغيب ، فلا أحد يدري مافي غد إلا الله سبحانه ، ومن جملة الغيب معرفة متى ينزل المطر ، فلا أحد يدري إلا هو سبحانه ، الناس تعرف علاماته ، ومقدماته ، ولكن المطر لا ينزل إلا بأمر الله ، وهي من الخمس التي اختص الله بعلمها ، ومتى ما تأخر نزول المطر بدت أمارات الهلاك على الناس تظهر ، مهما تقدمت العلوم ، ومتى كانت الدولة غنية ، فعدم نزول المطر عقوبة قد تؤدي بالناس إلى الهلاك ، وذلك أن الله جعل قوام الحياة بالماء كما قال سبحانه ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) فكل ذي روح لا حياة له إلا بالماء ، وإذا أجدبت الأرض ، أظلمت الدنيا على أهلها ، وهلكت المواشي ، ودب الهلاك إلى البشر ، فإذا نزل المطر استبشر الناس ، وأشرقت الأرض ، كما قال سبحانه ( اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ(48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ(49)فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(50) .

وقد كان الناس من قديم الدهر كما في زمن عاد وغيرهم إذا أجدبت الأرض وانقطع المطر يدعون الله ، والبعض يذهب للحرم ويسألون الله الغيث ، مع كفرهم وشركهم ، يعلمون أنه لا ينزل المطر إلا الله ، ولما جاء الإسلام ، شرع النبي صلى الله عليه وسلم للناس صلاة الاستسقاء وصلى بالناس مرارا ، وصلى بهم عمر في خلافته في عام الرمادة ، فهذه سنة وعبادة جليلة أن تنطرح بين يدي ربك ، تعلم أنه لا غنى لك عنه طرفة عين ، وتطلب من بركاته ، خاشعا متذللا بين يديه ، مثل هذا الدعاء لا يرد إلا أن يشاء الله ، خصوصا إذا اقترن بحسن الظن بالله ، فقد كانوا في سابق الزمن وليس بالبعيد ، إذا أرادوا الاستسقاء ، أصلحوا طرق الماء في مزارعهم قبل خروجهم للصلاة ثقة بالله .

أيها المؤمنون : بما ينزل المطر ؟

ينزل المطر بالاستقامة على دين الله وتوحيده ، قال سبحانه ( وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) وبالتوبة النصوح لله ، والانخلاع من الشرك صغيره وكبيره ، ثم ترك الذنوب ، والابتعاد عنها ، ثم السير على صراط الله من الاستقامة على أمره ، والتعبد لله تعالى بكل مايستطيع العبد ، فمن كان لله كما أراد الله ، كان الله له كما أراد .

وقد نصح نوح عليه السلام قومه أن ينخلعوا من الشرك ويوحدوا الله تعالى لينزل  عليهم المطر ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا )

فما استنزل المطر بمثل التوحيد ، فهو أعظم عبادة وأشرفها ، وهي المقصود من خلق الخلق .

أيها الناس : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حسب ما أمر رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري قال صلى الله عليه وسلم : من رأى منكم منكرًا فليغيرْه بيدِه فإن لم يستطعْ فبلسانِه . فإن لم يستطعْ فبقلبِه . وذلك أضعفُ الإيمانِ .

وليحط كل ولي من تحت ولايته بنصحه ، وليؤد الأمانة التي أأتمنه الله ، بذلك تصلح المجتمعات ، ويغيث الله العباد والبلاد .

عباد الله : إن المعاصي إذا انتشرت ، ورضي بها الناس ، وسكتوا عنها ، حلت العقوبات بالناس ، ومنها قحوط السماء ، وتوالت المصائب حتى يهلك الناس ، قال سبحانه : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ )

ألا فلنعد إلى الله ، ولنتمسك بأمره ، لنسعد في الدنيا ، وتسخر لنا كل المخلوقات .

فاضرعوا عباد الله إلى ربكم بالدعاء وأبشروا بالإجابة ، فالله كريم رحيم ودود ، وخزائنه لا تنفد ، وتوبوا إلى الله ، وأحسنوا الظن به سبحانه .

فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دعاء في الاستسقاء رفع يديه حتى يبدو بياض إبطيه ، ويلح في الدعاء ، ثم يقلب رداءه تفاؤلا بتغير الحال .فاستقبلوا القبلة واقلبوا أرديتكم ، واستغيثوا ربكم

اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين

اللهم اسقِنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، مريعًا غدَقًا، مجلِّلاً عامًّا، طبقًا سحًّا دائمًا، اللهم اسقِنا الغيث، ولا تجعَلْنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد والبهائم والخَلْق من اللأواءِ والجَهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك، اللهم أنبِتْ لنا الزرع، وأدِرَّ لنا الضرع، واسقِنا من بركات السماء، وأنبِتْ لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الجَهدَ والجوع والعُرْيَ، واكشف عنا مِن البلاء ما لا يكشفه غيرُك، اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفارًا؛ فأرسلِ السماءَ علينا مِدرارًا)

 

 

المرفقات

1706710486_خطبة استسقاء بم يستنزل المطر.docx

المشاهدات 649 | التعليقات 0