حاجتُنا إلى القدوةِ
محمد بن سامر
حاجتنا إلى القدوة-1-11-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.
(يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون).
أما بعد: فيا إخواني الكرام:
فإنَّ التَّقوى خيرُ لباسٍ وأفضلُ زادٍ، وأقربُ وسيلةٍ لرضا ربِّ العبادِ، (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يا أُوْلِي الألْبَابِ).
بعدما ذكرَ اللهُ-تعالى-الأنبياءَ في سورةِ الأنعامِ، قالَ-سُبحانَه-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)، فماذا نفهمُ من أمرِ اللهِ-تعالى-لنبيهِ بالاقتداءِ بالأنبياءِ من قبلِه؟ وماذا نفهم من أمرِ اللهِ-تعالى-النَّاسَ أن يقتدوا بنبيِّهم-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-لـمَا قالَ-عزَّ وجلَّ-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، فإذا كانَ النَّبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ- والناسُ جميعًا مُحتاجينَ للقدوةِ، فلا بُدَّ أن نفهمَ من هذا، أنَّ الحاجةَ إلى الاقتداءِ، أشدُّ من الحاجةِ إلى الطَّعامِ والهواءِ، ولمعرفةِ النَّبيِّ-عليهِ وآلِه وصحبِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-بحاجةِ النَّاسِ إلى القُدوةِ في كلِّ زمانٍ وحِينٍ، أوصى عندَ موتِه بالاقتداءِ بالحبيبَيْنِ-رضي الله عنهما-، فقالَ: "اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي مِنْ أَصْحَابِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ"، فالقُدواتُ هم الذينَ يصنعونَ الرُّسوخَ في الأجيالِ، لأنَّهم يرونَ فيهم ثباتَ الرَّواسيِّ الجبالِ.
ولذلكَ كانَ أفضلُ الأجيالِ جيلَ الصَّحابةِ الأبطالِ-رضي اللهُ عنهم-، لأنَّ قدوتـَهم رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-لأنَّهُ كانَ قُرآنًا يمشي بينَ النَّاسِ وفي الطُّرقاتِ، والقرآنُ هو مصدرُ الهدايةِ والثَّباتِ، (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)، ثُمَّ جيلَ التَّابعينَ لأنَّ قدوتـَهم الصَّحابةُ الأخيارُ، ثُمَّ تابعَ التَّابعينَ، وهكذا في كلِّ زمانٍ يَكثرُ الصَّلاحُ، بكثرةِ أهلِّ القُدوةِ والفَلاحِ.
ولمَّا كانَ قُدوةُ المسلمينَ رسولَ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-يُنافسُ الصَّحابةَ على العملِ، قالوا-رضي اللهُ عنهم-:
لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنَّبِيُّ يَعْمَلُ*لَذَاكَ مِنَّا الْعَمَلُ الْمُضَلِّلُ
نحتاجُ اليومَ إلى القدوةِ الحقيقيةِ التي يراها الأجيالُ، فيتعلمون منه الأفعالَ قبلَ الأقوالِ، واسمعْ إلى درسٍ عمليٍّ في الشَّجاعةِ، يقولُ أنسُ بنُ مالكٍ-رضي اللهُ عنه-: "كانَ رَسولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-أَحْسَنَ النَّاسِ، وأَجْوَدَ النَّاسِ، وأَشْجَعَ النَّاسِ، وقدْ فَزِعَ-خافَ- أَهْلُ المَدِينَةِ لَيْلَةً سَمِعُوا صَوْتًا، فَتَلَقَّاهُمُ النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-علَى فَرَسٍ لأبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ-من غيرِ سرجٍ-، وهو مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ، فَقالَ: لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا-لا تخافوا-"، ولذلكَ صنعَ الأبطالَ.
وهُنا درسٌ في الجودِ والكَرمِ، "أهْدَتْ امْرَأَةٌ إلى النبيِّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-بُرْدَةً-لباسًا كالعباءةِ-فأَخَذَهَا وَهو مُحْتَاجٌ إلَيْهَا فَلَبِسَهَا، فَرَآهَا عليه رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما أحْسَنَ هذِه، فَاكْسُنِيهَا، فَقالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا قَامَ النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-لَامَهُ أصْحَابُهُ، قالوا: ما أحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النبيَّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-أخَذَهَا مُحْتَاجًا إلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ إيَّاهَا، وقدْ عَرَفْتَ أنَّه لا يُسْأَلُ شيئًا فَيَمْنَعَهُ، فَقالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا". وهكذا أصعبُ الاقتداءِ، ما كانَ في الجودِ والفِداءِ:
لَولا المَشَقَّةُ سادَ الناسُ كُلُّهُمُ*الجودُ يُفقِرُ وَالإِقدامُ قَتّالُ
أيُّها المربي أتدري أنَّ كلامَكَ لأهلِكَ في بيتِكَ عن رسولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-وتعبيرَكَ عن حبِّكَ الخالصِ له، وأنَّه القدوةُ التي يجبُ الاقتداءَ به في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، لا ينفعُ ويضيعُ هباءً منثورًا عندما يرونَك تأكلُ أو تشربُ بشِمالِكَ، أتعلمُ أنَّ ما تقولَه من كلامٍ مُؤَثِّرٍ عن أضرارِ التَّدخينِ الدِّينيةِ والصَّحيِّةِ، والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ، وإحصائياتِ الوَفَيَاتِ السَّرطانيةِ، يذهبُ في مهبِّ الرِّيحِ إذا أشعلتَ أمامَهم سيجارتَك.
قل ما شئتَ لأبنائكَ عن فضلِ الصَّلاةِ وأهميتِها، ولكن إن لم يروكَ مُهتمًا بها، حريصًا على أدائها، مُبكِّرًا للمساجدِ لها، فلا تُتعب نفسَكَ، وحدِّثهُم عن فضيلةِ الصِّدقِ وأنَّه منجاةٌ، وأنَّ الإنسانَ ما يزالُ يَصْدُقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتى يُكتبَ عندَ اللهِ صدِّيقًا، ولكن احذرْ أنْ تكذبَ، فإذا زارَكَ من لا تُريدُ، تقولَ لأحدِ أبنائِك: قل له: إنَّ أبي ليسَ موجودًا، فماذا تتوقعونَ أثرَ هذهِ المواقفِ على الأبناءِ والمتعلمينَ، فالحذرَ الحذرَ، فواللهِ إنَّ هذا التَّناقضَ من المربينَ، جريمةٌ كبرى في تضييعِ أجيالِ المسلمينَ.
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ*عَارٌ عَلَيكَ إِذَا فَعَلتَ عَظِيمُ
أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فوجودُ القُدواتِ بينَ النَّاسِ لهُ أثرٌ مُبينٌ، في معرفةِ الناس للحقِّ واليقينِ، فها هو الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ-رحمَه اللهُ-كَانَ بإمكانِه أن يَأخذَ بالرخصةِ ويَقولُ للمأمونِ ما يُريدُ-أنَّ القرآنَ مخلوقٌ-، فقد أُكرهَ بالسِّياطِ والسِّجنِ، لكنَّه كانَ إمامًا يَقتدي النَّاسُ بهِ، وينظرونَ إلى ثَباتِه ليَثبتوا مَعه، ولذلكَ أَوصاهُ صاحبُه محمدُ بنُ نوحٍ-رحمَه اللهُ-قَائلًا: "أنتَ رَجلٌ يُقتدى به، وقد مدَّ الخلقُ أَعناقَهم إليكَ، لـمَا يكونُ مِنكَ؛ فاتقِ اللهَ، واثبت لأمرِ اللهِ".
فالقُدواتُ موجودونَ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، يقتدي بهم النَّاسُ في الثَّباتِ والإيمانِ، فإذا لم تجدْ أو لم تعلمْ منهم أحدًا، فافتحِ القرآنَ، واقرأ في مواقفِ أولياءِ الرَّحمنِ، فها هو إبراهيمُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-شَابٌّ يُلقى في النَّارِ، فيقولُ: "حسبنا الله ونعمَ الوكيل"، فيُقالُ: (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)، وها هو يوسفُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-شابٌّ تتعرَّضُ له امرأةٌ ذاتُ جمالٍ ومالٍ وحَسبٍ، فيقولُ: (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)، وها هو موسى-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-رجلٌ يُحاصرُ بينَ البحرِ والجيشِ، ويُقالُ له: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)، فيَقولُ: (كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، وها هو محمدٌ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-رجلٌ في غارٍ، والأعداءُ يبحثونَ عنه ليقتلوه، فيقولُ له صاحبُه: لو نظرَ أحدُهم إلى رجلِه لرآنا، فقالَ له: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، وهكذا سترى القُدواتِ أمامَكَ على مرِّ القرونِ، يبعثونَ في قلبِكَ الطُّمأنينةَ والسَّكونَ.
فإذا اقتديتَ بمن قبلَكَ، ستكونُ أنتَ قدوةً لمن بعدَك، كما دعا بذلكَ عبادُ الرَّحمنِ: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، قالَ مجاهدٌ-رحمَه الله-: "أَئمةً نَقتدي بمن قَبلَنا، ونَكونُ أَئمةً لمن بَعدَنا، وإياكَ أن تكونَ قُدوةَ سُوءٍ".
مَشى الطاووسُ يَومًا بِاختيالٍ*فَقَلَّدَ شَكَلَ مَشيَتِهِ بَنوهُ
قال عَلامَ تَختالونَ، قالوا*سَبَقْتَ بِه ونَحنُ مُقَلِّدُوهُ
ويَنشأُ ناشِئُ الفتيانِ مِنَّا*على مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا اللهُ ربُ العرشِ العظيمِ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُ السماواتِ وربُ الأرضِ وربُ العرشِ الكريمِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ، وأصلحْ بطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّا نسألُك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهمَ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1623465877_حاجتنا إلى القدوة-1-11-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1623465879_حاجتنا إلى القدوة-1-11-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf
المشاهدات 1380 | التعليقات 2
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الآية ليس فيها أي خطأ؛ لأنها هكذا في المصحف بالرسم العثماني.
وكذلك صحيحة بالرسم الإملائي الذي تفضلت به، فكلاهما صحيحان، ومع ذلك أبشر سأجعلها بالرسم الإملائي.
وشكر الله لك على تفضلك بالقراءة والمتابعة والنقد لي و للشيخ هلال الهاجري.
محمد البدر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف الحال يا شيخ محمد
لعلك أخطأت في نقل الآية حبذا اعادة النظر فيها وتدارك الخطأ وتعديلها ليكون لك الأجر والثواب.
والصواب في هذه الآية
قَال تَعَالَى:﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾
جزاك الله خير
تعديل التعليق