تَعْظِيمُ شَأْنِ التَّوْحِيدِ 24 رَجَب 1443 هـ
محمد بن مبارك الشرافي
تَعْظِيمُ شَأْنِ التَّوْحِيدِ 24 رَجَب 1443 هـ
الْحَمْدُ للهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَيْسَ لَهُ وَلَد، تَعَالَى عَنِ الْأَمْثَالِ وَالْأَنْدَادِ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَا إِلَى تَوْحِيدِ رَبِّهِ وَأَمَرَ بِعِبَادَتِهِ، وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ وَاهْتَمُّوا بِأَمْرِ التَّوْحِيدِ، اتَّقُوا اللهَ وَخَافُوا مِنَ الشِّرْكِ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَنَا وَقَالَ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}, فَالْإِنْسُ وَالْجَنُّ خَلَقَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْعَدَمِ، وَرَبَّاهُمْ بِالنِّعَمْ، لا لِيَتَكَثَّرَ بِهِمْ مِنْ قِلَّةٍ، وَلا لِيَتَعَزَّزَ بِهِمْ مِنْ ذِلَّةٍ، وَإِنَّمَا لِحِكْمَةٍ وَاحِدَةٍ، هِيَ عِبَادَتُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ، أَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ، وَشَرَعَ الشَّرَائِعَ، وَخَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.
إِنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ فِي مَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، مِنْهَا عَشْرُ سِنِينَ لَمْ يَدْعُ إِلَى صَلَاةٍ وَلا حَجٍّ وَلا جِهَادٍ, وَإِنَّمَا كَانَ يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، يِقُولُ لِلنَّاسِ : اعْبُدُوا اللهَ وَاتْرُكُوا مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ أَمْرَ التَّوْحِيدِ فِي غَايَةِ الْعَظَمَةِ وَالْأَهَمِّيَّةِ، لا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ، وَلِذَلِكَ جَمِيعُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانُوا يَبْدَؤُونَ دَعَوَاتِهِمْ إِلَيْهِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}, فَكُلُّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِأَقْوَامِهِمْ {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه}, فَنُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ وَإبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعَيِسَى وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى الله عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى التَّوْحِيدِ, فَأَيْنَ نَحْنُ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا؟
إِنَّ التَّوْحِيدَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّ اللهَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى, يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِالْمُلْكِ وَالتَّدْبِيرِ وَالرَّزْقِ, هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِالْكَمَالِ وَالْجَلَالِ, الْمُتَوَحِّدُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، يَجِبُ أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّ غَيْرَ اللهِ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلا ضَرًّا وَلا مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا، يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}.
إِنَّ أَعْظَمَ الْبَشَرِ وَأَفْضَلَ الرُّسُلِ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ سَيُّدُ بَنِي آدَمَ, لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلا لِغَيْرِهِ نَفْعًا وَلا ضَرًّا، وَلا مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا، فَغَيْرُهُمْ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}، فقَالَ (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
اللهُ أَكْبَرُ، سَيُّدُ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ، خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، أَعْبَدُ النَّاسِ للهِ، أَعْلَمُ النَّاسِ بِاللهِ، وَمَعَ هَذَا لا يَمْلِك لِابْنَتِهِ شَيْئًا, وَلا لِعَمَّتِهِ وَلا لِعَمَّهِ وَلا لِأَقَارِبِهِ، فَكَيْفَ بِمِنْ دُونَهُ ؟ وَلِذَلِكَ فَاتَّقُوا اللهَ، وَتَعَلَّقُوا بِاللهِ، وَكُونُوا مَعَ اللهِ، وَإِيَّاكُمْ ثُمَّ إِيَّاكُمْ أَنْ تَتَعَلَّقُ نُفُوسُكُمْ بِغَيْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}, لَيْسَ لَنَا مِنْ دُونِ اللهِ أَحَدٌ، لا أَحَدَ يَنْفَعُنَا سِوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ, نَتَعَلَّقُ بِاللهِ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ، نَتَعَلَّقُ بِاللهِ أَنْ يَدْفَعَ عَنَّا الْمَضَارَّ.
أَيُّها الْمُسْلِمُونَ: خَافُوا مِنَ الشِّرْكِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ هَدْمٌ لِلدِّينِ، هَدْمٌ لِلْعَقِيدَةِ، هَدْمٌ لِلدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}, وَقَالَ سُبْحَانَهُ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}.
إِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ، وَالشِّرْكَ صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ، دَقِيقَهُ وَجَلِيلَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ عَلَيْنَا خَطَرًا عَظِيمًا مِنَ الشِّرْكِ، وَنَحْنُ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، نَعْمْ لا تَأْمَنْ نَفْسَكَ أَنْ تُشْرِكَ؛ فَهَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَافَ عَلَى أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ الشِّرْكَ وَهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ وَخَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ, لا كَانَ وَلا يَكُونُ مُثْلِهُمْ, وَمَعَ هَذَا خَافَ عَلَيْهِمُ الشِّرْكَ, فَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ) قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ (الرِّيَاءُ), رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
بَلْ هَا هُوَ إبِرْاَهيِمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِمَامُ الْحُنَفَاءِ وَأَبُو الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ يَخَافُ الشَّرْكَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَبْنَائِهِ فَكَيْفَ نَأْمَنُهُ نَحْنُ ؟ قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}. فتَأَمَّلْ يَا مُسْلِمُ كَيْفَ قَالَ{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} فَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ أَنْ تَقُولَ: أَنَا فَاهِمٌ أَنَا عَارِفٌ أَنَا عَاقِلٌ فَلا خَطَرَ عَلَيَّ مِنَ الشِّرْكِ، وَاللهِ إِنَّ فِي الْعَرَبِ وَفِي قُرَيْشٍ مَنْ كَانَ أَعْلَمَ وَأَعْقَلَ مِنِّي وَمِنْكَ، وَمَعَ هَذَا سَقَطُوا فِي الشِّرْكِ الْعَظِيمِ، حَتَّى لَمَّا أَتَاهُمْ صَاحِبُهُمْ وَابْنُهُمْ الذِي عَاشَ بَيْنَهُمْ، مُحَمَّدٌ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،وَكَانُوا يَعْرِفُونَ نَسَبَهُ وَعَقْلَهُ، يَعْرِفُونَ سِيرَتَهُ، وَكَانُوا يَأْمَنُونَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَيُسَمُّونَهُ الْأَمِينَ؛ فَلَمَّا قَالَ اعْبُدُوا اللهَ وَاتْرُكُوا مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ، نَفَرُوا مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} اسْمَعْ يَا مُسْلِم مَاذَا قَالُوا ! قَالُوا { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} فَلَمْ يَنْفِرُوا لِأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللهَ خَلَقَكُمْ أَوْ هُوَ الْمَالِكُ أَوْ الرَّزاِقُ, وَإِنَّمَا نَفَرُوا مِنَ التَّوْحِيدِ, وَلِذَلِكَ قَالَ اللهُ تَعَالَى {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}
اللهُ أَكْبَرُ ! جَعَلُوهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْنُونَا حِينَ أَمَرَهُمْ بِالتَّوْحِيدِ وَبِعِبَادِةِ اللهِ وَحْدَهُ, وَهُوَ أَكْمَلُ النَّاسِ عَقْلًا وَأَسَدُّهُمْ رَأْيًا وَأَوْصَلُهُمْ رَحِمًا, لَكِنْ إِذَا اسْتَوْلَى الشّْرْكُ عَلَى النُّفُوسِ أَعْمَى الْبَصَائِرَ وَالْعُقُولَ.
فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئَاً وَنَحْنُ نَعْلَمُ وَنَسْتَغِفُركَ لِمَا لا نَعْلَمْ , أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ, وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ, وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي الشِّرْكِ، صَعُبَ عَلَيْهِ التَّخَلُّصُ مِنْهُ، فَالشِّرْكُ مَرَضٌ عُضَالٌ وَدَاءٌ قَتَّال.
إِنَّهُ وَقَعَ فِي قَوْمِ نُوْحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمَّا جَاءَهُمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ وَإِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ نَفَرُوا وَعَادُوهُ وَتَوَاصَوْا عَلَى الصَّبْرِ عَلَى آلِهَتِهِمُ الْمَزْعُومَةِ, قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: هَذِهِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ: أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ التِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهَا أَنْصَابَاً وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا وَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى ِإَذا هَلَكَ أُولِئِكَ وَنُسِيَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
بَلْ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَفِي نَجْدٍ بِالتَّحْدِيدِ، قَبْلَ دَعْوَةِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ، كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَشْجَارَ وَالغِيرَانَ، وَفُحُولِ النَّخْلِ! فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تَأَخَّرَ عَنْهَا الزَّوَاجُ، تَأْتِي إِلَى فَحْلِ النَّخْلِ وتَلْزِمُهُ وَتَقُولُ: يَا فَحْلَ الْفُحُولِ أُرِيدَ بَعْلًا قَبْلَ الْحُول.
أَهْلُ نَجْدٍ أَهْلُ كَرَمٍ وَشَّجَاعَةٍ وَحَمِيَّةٍ وَمُرُوءَةٍ، لَكِنَّ الشِّرْكَ دَخَلَهُمْ أَضَاعَ كَلَّ هذَا وَصَارُوا فِي دَرَكَاتِ الحَضِيضِ وَالسَّفَه.
نَعَمْ وَالآنَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَوْجُودٌ الشِّرْكَ، وَإِنْ كَانَ التَّوْحِيدُ الْحَمْدُ للهِ مَوْجُودٌ، لَكِنَّ الشِّرْكَ يَقُومُ عَلَيْهِ أُنَاسٌ يَحْمُونَهُ, وَلا تَكَادُ تَجِدُ بَلَدًا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا وَفِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ، قَبْرٌ مُعَظَّمٌ يَتَعَلَّقُونَ بِهِ، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ حَلَّ الْمَشَاكِلِ، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ الرّْزْقَ وَالْأَوْلَادَ. فَنَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ وَأَنْ يَرُدَّ الْمُسْلِمِينَ إِلَى دِينِهِمْ وَأَنْ يُعِينَ الدُّعَاةَ إِلَى الاهْتِمَامِ بِأَمْرِ التَّوْحِيدِ وَبَيَانِهِ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْخُرَافَاتِ وَالْبِدَعِ وَإِلَى نَشْرِ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ, اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا, وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَر, رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ, اَللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجُاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
المرفقات
1645618778_تَعْظِيمُ شَأْنِ التَّوْحِيدِ 24 رَجَب 1443 هـ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق