تركه ما لا يعنيه

عايد القزلان التميمي
1445/07/14 - 2024/01/26 08:17AM
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ و يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد فيا أيها المؤمنون أوصيكم ونفسي بتقوى الله .
عباد الله: إن من أعظمِ آفات اللسان: الكلام فيما لا يعني، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ ((رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وصححه الألباني 
فهذا حديث نبوي عظيم الشأن يُعد أصلاً عظيمًا من أصول الأدب والأخلاق، ويُعلمنا أن ننشغل بأنفسنا ولا نتدخل في شؤون الآخرين .
عباد الله من حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُهُ ما لا يَعنِيهِ: أساسٌ متين في الأخلاق والتعامل مع الآخرين ، ودليلٌ من أدلهِ الورع، والتقوى.
 من حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُهُ ما لا يَعنِيهِ:. قاعدةٌ في السلوك عَظيمة، ترفعُ المسلم عَنِ مراقبةِ النَّاس والتَّجسُسِ عليهم، وَإِيذَاءِهم بالتطفُلِ على خُصُوصِياتِهم، وإِحرَاجِهم بالأسئلةِ الثَّقِيلةِ؛ فهم في راحةٍ، والنَّاسُ مِنْهُمْ فِي أمَانٍ إن حضروا وإن غابوا.

من حُسن اسلام المرء عدم تتبع العثرات والعورات , وترك الإلحاح بالسؤال, متى ذهب فلان؟ ومن أين جاء علان؟ بكم اشترى ومن أين ومتى؟ وكيف حصل ذلك، من أين لك هذا... وغيرها من أسئلة الفضول والتطفل التي لا فائدة من ورائها سوى هدر الأوقات وفتح أبواب الشر.
عباد الله إن اهتمام المرء بما لا يعنيه يجعل من الفضول عنده حب التجسس على الناس وتتبع عوراتهم , بل إلى اغتيابهم , ولقد حذرنا الله تعالى من ذلك فقال : (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ )).
وعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ مَنْ قَدْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ في جَوْفِ رَحْلِه )) أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
ويَدخُلُ أيضًا في عُمومِ معنى حديث من حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُهُ ما لا يَعنِيهِ، الابتِعادُ عمَّا لا يَعني ممَّا حرَّمَ اللهُ عزَّ وجلَّ وما كرِهَهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وكذلك ما لا يُحتاجُ إليه مِن فُضولِ المُباحاتِ مِن الكَلامِ والأفْعالِ والأحْوالِ؛ فممَّا لا يَعني الإنسان ليس محصورًا في الأمورِ الدُّنيويَّة؛ بل إنَّ ممَّا لا يَعنيه أيضًا ما هو متعلِّقٌ بأُمورٍ أُخرويةٍ كحقائقِ الغيبِ وتفاصيلِ الحِكَم في الخَلْقِ والأمْرِ، ومنها السؤالُ والبحثُ عن مسائِلَ مُقدَّرةٍ ومُفترَضةٍ لم تقَعْ، أو لا تكادُ تقَعُ، أو لا يُتصوَّرُ وقوعُها .

عباد الله إن في حديث من حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُهُ ما لا يَعنِيهِ : "توجيها للأمة للاشتغال بما ينفعها؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم،: "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ".
وصور حرص الإنسان على ما ينفعه كثيرة ومتعددة؛ فمنها بل وأَوْلاها: حرصه على أداء حقوق الخالق سبحانه وتعالى، والمبادرة بها والمسارعة إليها. فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا: فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ. وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَال )) أخرجه مسلم وفي سنن الترمذي أن معاذ بن جبل رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قُلْتُ يَا نَبيَّ اللهِ وَإنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّار عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو عَلَى مَنَاخِرهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ
أَلْسِنَتِهمْ) مَعْنَاهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لِسَانُهُمْ يُهْلِكُهُمْ فَيُؤَدِّي بِهِمْ إِلى دُخُولِ جَهَنَّمَ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إنَّ الْعَبْد لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مَا يَتَبيَّنُ فيهَا يَزِلُّ بهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بيْنَ المشْرِقِ والمغْرِبِ )). متفقٌ عليهِ.
وأكثر الناس ذنوبا أكثرهم كلاماً فيما لا يعنيهم.
 
عباد الله ، إذا نظرنا إلى واقع الناس اليوم؛ سوف نجد كثيرين منهم، حريصين على التدخل، في شؤون الآخرين، والإطلاع على خاصة أحوالهم , لذا حذر السلف الصالح من انشغال المرء بما لا يعنيه، وما لا ينفعه.
بارك الله لي ولكم
......
الخطبة الثانية
/ الحمد لله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماوات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله واصحابه وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد
فاتقوا الله عباد الله، وكونوا على حذر مما تقولون، فإن الله لا تخفى عليه خافية، قال الله تعالى { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ،
وقال تعالى {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}
وينبغي للإنسان أنْ يهتم في الأمور التي تعنيه في دِينه ودُنياه، ، ويترك ما لا يعنيه، لا في أمور دينه، ولا دنياه؛ لأنَّ ذلك أحفَظُ لوقته، وأسلَم لدِينه.
قال صلى الله عليه وسلم (( ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ)). أخرجه البخاري ومسلم.
ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى وإمام الورى، فقد أمركم الله بذلك .....  
المرفقات

1706246269_تركه ما لا يعنيه.docx

1706246269_تركه ما لا يعنيه.pdf

المشاهدات 1107 | التعليقات 0