تذكير الأخيار بحقوق آبائنا الكبار ( حسبب تعميم الوزارة )

محمد بن سليمان المهوس
1443/06/09 - 2022/01/12 03:47AM

الخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رِسَالَةٌ خَاصَّةٌ لآبَائِنَا كِبَارَ السِّنِّ مِمَّنْ نُخَالِطُهُمْ فِي الْبُيُوتِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْمَجَالِسِ، وَمِمَّنْ نُصَادِفُهُمْ بِالطُّرُقَاتِ وَالأَسْوَاقِ وَالُمُسْتَشْفَيَاتِ.

نَقُولُ لَهُمْ: مَعَاشِرَ الكِبَارِ: اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَنَا بِقُدْرَتِهِ، وَأَوْجَدَنَا فِي هَذَا الْكَونِ بِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا النِّعَمَ بِفَضْلِهِ وَوَاسِعِ رَحْمَتِهِ؛ خَلَقَ الإِنْسَانَ ضَعِيفًا خَفِيفًا، ثُمَّ أَمَدَّهُ بِالصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ، فَكَانَ بِهِ حَلِيمًا رَحِيمًا لَطِيفًا ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم: 54].

مَعَاشِرَ الكِبَارِ: كَأَنِّي بِكُمْ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ بِعَيْنِ الاعْتِبَارِ: سُرْعَةَ مُرورِ أَيَّامِكُمْ وَتَغَيُّرِ أَحْوالِكُمْ، وَكَأَنَّهَا نَسْجٌ مِنْ الخَيَالِ أَوْ ضَرْبٌ مِنَ الأَحْلامِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: نَقِفُ اليَوْمَ مَعَ كَبِيرِ السِّنِّ، وَمَعَ حُقُوقِهِ الَّتِي طَالَمَا يَنْتَظِرُهَا مِنَ القَريبِ قَبْلَ البَعيدِ، وَمِنَ الخاصِّ قَبْلَ الْعَامِّ، وَالَّتِي مِنْ أَهَمِّهَا:

الْبِرُّ والإِحْسانُ إِلَيْهِ، وَرِعايَةُ حُقُوقِهِ، وَالْقِيامُ بِوَاجِبَاتِهِ، وَتَعاهُدُ مُشْكِلاتِهِ، والسَّعْيُ فِي إِزالَةِ هُمُومِهِ وَأَحْزَانِهِ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَبْطَأَ القَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا»

[رواه الترمذي، وصححه الألباني].

وَعَنْ أَبِي مُوسَى- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ الْـمُسْلِمِ »

[رواه أبو داود، وحسنه الألباني ].

وَمِنْ حُقُوقِ كَبيرِ السِّنِّ: تَوْقيرُهُ وَإِكْرامُهُ؛ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مَكانَةٌ فِي النُّفُوسِ، وَمَنْزِلَةٌ فِي الْقُلُوبِ كَالْجُلوسِ مَعَهُ، والتَّحَدُّثِ إِلَيْهِ، وَسَماعِ كَلامِهِ وَشَكْواهُ؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ فَاتِحًا، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، أَتَى أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِأَبِيهِ يَقُودُهُ، فلمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَلاَّ تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِي إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِيِ أَنْتَ إِلَيْهِ؛ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدْرَهُ ثُمَّ قَالَ: «أَسْلِمْ» فَأَسْلَمَ. [رواه أحمد بسند حسن].

وَمِن حُقوقِ كَبيرِ السِّنِّ : مُناداتُهُ بِأَحَبِّ الأَسْماءِ وَالأَلْقَابِ، وَأَجْمَلِ الكُنَى وَأَلْطَفِ الْخِطَابِ؛ نُرَاعِي فِيهِ احْتِرَامَهُ وَتَوْقِيرَهُ، وَقَدْرَهُ وَمَكانَتَهُ؛ كَأَنْ نُخاطِبَهُ بِاَلْعَمِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الخِطَابَاتِ اَلَّتِي تَدُلُّ عَلَى قَدْرِهِ وَمَرْتَبَتِهِ وَمَنْزِلَتِهِ فِي الْمُجْتَمَعِ لِكِبَرِ سِنِّهِ؛ فَهَذَا أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ: قَالَ: صَلَّينَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْد الَعْزيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مالِكٍ فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَقُلْتُ: يَا عَمَّ، مَا هَذِهِ الصَّلاةُ اَلَّتِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: العَصْرُ، وَهَذِهِ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ- الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ. [رواه البخاري].

وَمِنْ حُقُوقِ كَبِيرِ السِّنِّ : أَنْ نُقَدِّمَهُ فِي الْكَلاَمِ فِي الْمَجَالِسِ، وَنُقَدِّمَهُ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، والدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، فَقَدْ وَرَدَ مِنْ تَوْصِيَاتِ النَّبيِّ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: البُداءَةُ بِالْكَبيرِ قَبْلَ الصَّغيرِ فِي الْجُلُوسِ وَالتَّحَدُّثِ احْتِرَامًا لَهُ وَتَوْقيرًا.

وَمِنْ حُقُوقِ كَبِيرِ السِّنِّ : الدُّعاءُ لَهُ بِطُولِ الْعُمُرِ، وَالاِزْدِيَادِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالتَّوْفِيقِ بِالسَّدَادِ والصَّلاحِ ، وَالرَّشَادِ وَالْفَلاَحِ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23-24].

اَللَّهُمَّ اخْتِمْ لَنَا أَجْمَعِينَ بِخَيْرٍ، وَاجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَالِنَا أَوَاخِرَهَا، وَخَيْرَ أَيَّـامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ كِبَارَنَا، وَوَفِّقْ لِلْخَيْرِ صِغَارَنَا، وَخُذْ بِنَوَاصِينَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّم تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ حُقُوقِ كَبِيرِ السِّنِّ: مُرَاعَاةَ صِحَّتِهِ وَوَضْعِهِ الْبَدَنِيِّ وَالنَّفْسِيِّ، بِسَبَبِ الْكِبَرِ وَالتَّجَاوُزِ فِي الْعُمْرِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ المَرْحَلَةَ مِنَ الْحَياةِ مُسْتَوْجِبَةٌ لِلْعِنَايَةِ وَالاِهْتِمَامِ الْكَبِيرِ مِنَ الأَقارِبِ؛ فَإِنَّ الضَّعْفَ يَسْرِي وَيَجْرِي فِي الإِنْسَانِ كَجَرَيَانِ الدَّمِ، فَمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ خَطَأٍ فَبِمُقْتَضَى هَذِهِ السِّنِّ الْمُتَقَدِّمَةِ.

فَعَلَيْنَا أَنْ نَصْبِرَ عَلَيْهِمْ، وَنَرْفُقَ بِهِمْ؛ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا رِعايَةُ حَقِّهِمْ إِذَا كَانُوا آبَاءً وَأُمَّهَاتٍ! وَذَلِكَ لإِحْسَانِهِمْ عَلَيْنَا عِنْدَمَا كُنَّا صِغَارًا ضُعَفَاءَ؛ حَيْثُ تَحَمَّلُوا أَعْبَاءَنَا وَمَشَاقَّنَا، وَاهْتَمُّوا بِرِعَايَتِنَا كُلَّ الاهْتِمَامِ حَتَّى كَبِرْنَا وَصِرْنَا شُبَّانًا أَقْوِيَاءَ.

وَعَلَيْنَا أَنْ نُدْرِكَ أَنَّ كِبَارَ السِّنِّ - بِفَضْلِ اللهِ - خَيْرٌ لَنَا، وَبَرَكَةٌ فِي حَيَاتِنَا، وَازْدِيَادٌ فِي أَرْزَاقِنَا، وَفِي أَعْمَارِنَا، وَأَنَّ الإِسَاءَةَ إِلَيْهِمْ وَسُوءَ مُعامَلَتِهِمْ قَدْ نُجَازَى بِهِ فِي أَوَاخِرِ أَعْمَارِنَا، فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، وَجَزَاءُ الإِحْسَانِ إِحْسَانٌ مِثْلُهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة:195].

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبيِّ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم].

 

المرفقات

1641959244_تذكير الأخيار بحقوق آبائنا الكبار .doc

المشاهدات 1951 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا