بين الصفا والتلبية
د . فيصل بن عبدالرحمن الشدي
اللهم لك الحمد والحمد لك ، مَليكَ كُلِّ مَن مَلَك ، لَبَّيكَ قَد لَبَّيتُ لَك ، أشهد أن لا شريك لك ، ما خابَ عَبدٌ سَأَلَك أَنتَ لَهُ حَيثُ سَلَك لَولاكَ يا رَبُّ هَلَك ، أشهد أن محمد أهلَّ لك ، يا رب صل وسلم عليه والحمد لك كُلُّ نَبِيٍّ وَمَلَك وَكُلُّ عَبدٍ سَأَلَك سَبَّحَ أَو لَبّى أو اتقى فَلَك لَبَّيكَ إِنَّ الحَمدَ لَك
يا أهل العشر : بين الصفا ولبيك ... نشأت ملحمة الإيمان والتوحيد.
بين الصفا ولبيك ... تحطمت أصنام الشرك والتنديد.
بين الصفا ولبيك ... بزغ للبشرية فجر العزة والكرامة من جديد.
أمّا الصفا فمكان مرتفع من جبل أبي قبيس، وهو أحد شعائر الله في الحج والعمرة (إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) يوم بنى أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام البيت العتيق قام على الصفا ينادي ولا من يراهم ولكن الله يراهم وبقدرته يسمعهم ومن وراهم نادى يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة. أجابوه: "لبيك اللهم لبيك".
وعلى مر آلاف السنين والأمم عربيها وعجميها شرقيها وغربيها تجيب النداء "لبيك اللهم لبيك". فيا سعد من لباه وأجاب إذ ناداه .
على الصفا صعد الحبيب المصطفى بأبي هو وأمي ينادي ((يا صباحاه)). فاجتمعت إليه قريش، فقال: ((أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أكنتم تصدقوني؟ )). قالوا: نعم. قال: ((فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)). فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم. ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله: {تبت يدا أبي لهب وتب}.
أراد أبو لهب أن يحبس النداء بين جنبات جبل الصفا فبالله أين أبو لهب ليسمع الملايين تهتف وتنادي «لبّيك اللهم لبّيك»
على الصفا موعد الفتح والنصر المجيد يوم خرج صلى الله عليه وسلم من مكة خروج الشريد الطريد ليس معه إلا أبو بكر العضيد فصمد ووثق بموعد الله العزيز الحميد ليعود لمكة بعشرات الألوف المؤمنة ليقف في حجه على الصفا فيقول لبيك اللهم لبيك، «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» .
فيا لجبل الصفا ما أعظم ذكراه ويا لنداء التلبية ما أجمل نداه .... بارك الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
لبيك إن الحمد لك إلهنا ما أعدلك اِعمَل وَبادِر أَجَلَك وَاِختُم بِخَيرٍ عَمَلَك لَبَّيكَ إِنَّ الحَمدَ لَك وَالمُلكَ لا شَريكَ لَك ، اللهم صل وسلم على خير من خير لبى وأهلَّ لك .
لا وربي أغبط منكم يا حجاج البيت هذا العام الله اصطفاكم سبقتم للخير وحجزتم وللمال بذلتم ابشروا حبيبكم وعدكم «الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ». فلوجه الله ليكن حجكم قولوها عند إحرامكم «اللَّهُمَّ حَجَّةً لَا رِيَاءَ فِيهَا وَلَا سُمْعَةً». تعلموا تفقهوا مناسككم لتتعبدوا على بصيرة ربكم احفظوا ألسنتكم واعمروا وقتكم بالتلبية والتكبير فحبيبكم أوصاكم «أَفْضَلُ الحَجِّ العَجُّ والثَجُّ». والعَجُّ: رفعُ الصَّوتِ بالتلبيةِ. والثَّجُّ: إرَاقَةُ دَمِ الهَدْي والنُّسُكِ.
يا حجاج البيت حجكم في صيف وحر فاحفظوا أبدانكم ، وتوقوا من ضربات الشمس بقلة التعرض للإجهاد الحراري .
يا أهل العشر : أيامكم هذه أَفْضَلِ أَيَّامِ الدُّنْيَا على الإطلاقِ فعظموها (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ). إلى الله عودوا ومن المعاصي توبوا ، كَفَى أَيُّها الْمُضَيِّعونَ للصَّلواتِ فإنَّ وَرَائَكُمْ غَيَّا! احْذَرُوا يَامَنْ تَتَحَايَلُونَ بالدِّيونِ وَالْمُدَايناتِ فَأَيُّما لَحمٍ نَبَتَ مِن سُحتٍ فالنَّارُ أَولى بِهِ! تَبَصَّروا يا مَنْ غَرقتُم في مُتابَعَةِ الْمَقاطِعِ الشَّائِنَةِ والقَنَواتِ الهَابِطَةِ فاللهُ مُطَّلِعٌ بِحالِكم: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ)
يا أهل العشر : كبروا ثم كبروا فالله أكبر ، كبروا وأكثروا فخير الله أكثر ، أمامكم يوم عرفة صيامه للذنوب أكفر ، يكفر صيامه سنتين كاملتين الله أكبر ، وهذا العام يوافق يوم الجمعة فالفضل فيه أكثر ويجوز أن يفرد بالصيام وحده وَلَو وَافَقَ يَومَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهَا لأنَّ صَومَهُ سُنَّةٌ مُستَقِلَّةٌ ، ولو كان عليك قضاء من رمضان فصمته في عرفة لعلك تدرك الأجرين وخير الله أكثر .
يا أهل العشر : أمامكم الأضاحي سنة أبيكم إبراهيم قال صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ, فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» قال ابن عثيمين في حكمها : وَالقَولُ بِالوُجُوبِ أَظهَرُ بِشَرْطِ القُدرَةِ, أَمَّا الْمَدِينُ فإنَّه لا تَلزَمُهُ الأُضحِيَةُ، بل إنْ كان عليه دَينٌ فَينبَغي أنْ يَبدَأَ بالدَّين قبلَ الأضحيةِ.
اللهم عوناً على طاعتك وسلوكاً في مرضاتك وزلفى في قرباتك اللهم آمين اللهم صل وسلم على محمد
المرفقات
1656646797_بين الصفا والتلبية 2.docx
1656646797_بين الصفا والتلبية 2.pdf
المشاهدات 768 | التعليقات 2
السلام عليكم ورخمة الله وبركاته
شكر الله للشيخ فيصل الشدي هذا الجهد الطيب ولجميع الخطباء والقائمين على هذا الملتقى الطيب
لي تعليق بسيط على قول :( أمامكم يوم عرفة صيامه للذنوب أكفر ) فكلمة ( أكفر ) ليست صيغة مبالغة هي فعل ( كفر ) عُدي بالهمزة وهي جائزة ولكن الخطيب البليغ خاصة يعمد إلى الواضحات حتى لا يوقع الناس في الحرج ...
ولاحظ هذا إذا أردت الفعل ( كفر ) فتقول : ( أكفرت خطيئتك ) أي سترتها وأما إذا أردت الفعل مشدداً ( كفر ) فالتشديد تعدية للفعل فلا يعدى بالهمزة ز
والله أعلم
مجرد رأي وتوجيه وقد أكون مخطئاً فيه
د . فيصل بن عبدالرحمن الشدي
الخطبة مستفادة من خطبتين للشيخين الكريمين الشيخ سامي العمر والشيخ خالد القرعاوي مع اختصار وإضافات وصياغة جزاهما الله خير الجزاء وأوفاه
تعديل التعليق