بالحسنات تُحَسَّنُ الجنان
عبدالعزيز بن محمد
أيها المسلمون: الحياة.. ميدان العمل، والآخرة دار الجزاء، الدنيا.. دار النصبِ والكبد والتكليف {وإنما توفون أجوركم يوم القيامة}
وعبادةُ الله.. نور وهدى، وطمأنينة ورضا، فوزٌ عاجل وذخر آجل. سببٌ لدخول دار النعيم، ومجاورة الرب الكريم {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
عبادةُ الله.. سر السعادة وكنز الحياة، بها يطيب العيش، وتزكو النفس، وينشرح الصدر، ويشرق الفؤاد. بالعبادة، تعلو المنازل، وبتفاضلها يتفاضل العاملون، بالأعمال الصالحات، تزين للعبد الجنان، وترفع له فيها الدرجات، وتكثر له فيها الخيرات، قصورٌ عالية، وأنهارٌ جارية، ظلال وأشجار، وفواكه وثمار، أزواجٌ حسان، حورٌ مقصورات في الخيام، قاصرات الطرف لم يطمثهن أنسٌ قبلهم ولا جان، في حُبُورٍ ونَعيم، في حياةٍ أبدية، خالدةٍ سرمدية، في وسلامةٍ دائمة، في نعيم لا يتبدل، وسرورٍ لا يزول، وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ،{عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ* وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لايُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا}
إنها الجنةُ مأوى المتقين، وجزاء العاملين، فيها تُحطُّ الرحالُ وينتهي النصب، وفيها ترتحل الآلام وينقضي التعب. {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ}
إنها الجنةُ.. دار الكرامة، دار النعيم، دار المُقامة، دار الخلد، دار السلام، دار القرار، هي جنةُ المأوى هي المقام الأمين.
الجنة.. هي موعودُ الله للطائعين، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا}
* إنها الجنةُ.. أعدها الله للمتقين، وهي درجاتٌ تتفاضل {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} عن الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ t عن النَّبي r أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ سَأَلَ رَبَّهُ: مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ فَقَالَ: رَجُلٌ يَجِىءُ بَعْدَ مَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ؟ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ لَهُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ. فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ. فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ. قَالَ ـ أي موسى عليه السلام ــ : رَبِّ فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرستُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" رواه مسلم {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}
أيها المسلمون: ولا يزال العبد يتزلف إلى ربه بصالح القربات، حتى ينال من الله أكرمَ المنازل، وأعلى الدرجات، « إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ في الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ :«بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ» متفق عليه
فما كان تفاضلُ أهلِ الجنةِ، بكثرة الأموال في الدنيا، ولا بجمال المظاهر، ولا يعلو النسب، ولا بسمو الوجاهة، ولكنه تفاضل أعمال وقربات، وصلاح قلوب ونيات، وكرم تقوى وسريرات {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا}
*ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن.. نال من النعيم أعظم مما يرجو، وأدرك من الفضل أفضل مما يريد، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} {وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} بارك الله لي ولكم بالقرآن ..
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله. وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون.
أيها المسلمون: من أطاع الله واتقاه، سلمت له الدنيا وفاز في أخراه، ولا يستويان..
من كان يَعْمُرُ أُخْرَاهُ بِصَالِحَةٍ * ومَنْ يُبَدِّدُ أعماراً بلا ثمنِ
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى * و لاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله * و أنك لم ترصد كما كان أرصدا
وقول الله أعلى وأجل: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}
عباد الله: ومواسمُ مضاعفةِ الحسناتِ قد بُسِطَتْ. وأكرمُ الليالي قد أشْرَفَت. فهذه ليالي العشرِ الأواخر من رمضانَ.. قد أقبلَتْ بِحُلَلِها، فيها الليلةُ المباركة.. ليلةُ القدرِ {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} ليلةٌ واحدةٌ.. العملُ الصالح فيها خيرٌ من العمل في ألفٍ شهرٍ سواها.. ليلةٌ جليلةٌ عظيمة..{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} من قامها إيماناً واحتساباً نال أعظمَ جزاءٍ وأوفره «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
وما وُفِّقَ عبدٌ لأمرٍ.. أعظمَ من أن يعينَه ربُّه على ذِكْرِهِ وشُكْرِهِ وحُسْنِ عِبَادَتِه، وأعظم ذلك أن يُعان العبدُ في مواسم البر ومضاعفةِ الحسنات.
فاغتنموا ليالي العشرِ بخير أعمالكم.. أحيوا لياليها بالصلاة والقرآن والزوم العبادةِ، وكثرة ذكر الله والتضرع بين يديه، لا تفرطوا في لحظة من لحظاتها، تجافوا عن مجالس الغفلةِ، ولا تنشغلوا بغير ما يقربكم من ربكم، فإن الفائز بقيام ليلة القدر.. نال فضلاً كبيراً.
اللهم أصلح لنا أعمالنا.. ويسر لنا أمورنا .. وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.. واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ...
المرفقات
1619726351_بالحسنات.. تُحَسَّنُ الجنان.doc