الوجازة في الإجازة-12-12-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ يوسف العوض
محمد بن سامر
الوجازة في الإجازة-12-12-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ يوسف العوض
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
إِنَّ الوَقْتَ هُوَ الْحَيَاةُ، وَكُلَّمَا مَضَى جُزْءٌ مِنْ وَقْتِكَ مَضَى جُزْءٌ مِنْ عُمْرِكَ، قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ–رَحِمَهُ اللهُ-: "يَا بْنَ آدَمَ: إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، إِذَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ"، إِنَّ لِلْوَقْتِ أَهَمِيَّةً عَظِيمَةً فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ؛ وَلِذَلِكَ أَقْسَمَ اللهُ-تَعَالَى-بِهِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَرَبُّنَا-جَلَّ وَعَلَا-لَا يُقْسِمُ إِلَّا بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، قَالَ-تَعَالَى-: (وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ)، وَقَالَ-تَعَالَى-: (وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)، وَقَالَ-سُبْحَانَهُ-: (وَالضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى)، وَقَالَ-عَزَّ وَجَلَّ-: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى*وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)، وَغَيْرَهَا مِنَ الآيَاتِ الكَرِيمَةِ، فَيَنْبَغِي إِدْرَاكُ أَهَمِّيَّةِ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ وَحُسْنُ اسْتِغْلَالِهَا، وَلْيَعْلَمِ الْمُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ وَقْتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلْيُعِدَّ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ: عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟".
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ-تَعَالَى-الْعَظِيمَةِ عَلَى الإِنْسَانِ نِعْمَةَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ فِي الأَبْدَانِ، وَلَا يَعْرِفُ قَدْرَهَا إِلَّا مَنْ سُلِبَهَا، وَكَمَا قِيلَ: "الصِّحَّةُ تَاجٌ عَلَى رُؤُوسِ الأَصِحَّاءِ لَا يَرَاهُ إِلَّا الْمَرْضَى"، انْظُرُوا فِي المُسْتَشْفَيَاتِ: هَذَا فِي غَيْبُوبَةٍ، وَهَذَا مُصَابٌ بِشَّلَلِ، وَذَاكَ كَسِيرٌ، وَهَذَا مَبْتُورُ الأَطْرَافِ، وَآخَرُ مَبْطُونٌ، وَهَذَا يَشْتَكِي أَلَمًا، وَذَاكَ يَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَحِينَئِذٍ سَتَعْرِفُ قَدْرَ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ فِي صِحَّتِكَ، وَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-يَحْمَدُ اللهَ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ فِي صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ فَيَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ".
وَبَيَّنَ النَّبِيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-عِظَمَ قَدْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ فِي قَوْلِهِ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ: فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا".
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-خَسَارَةَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَتَفْرِيطَهُمْ فِي اسْتِغْلَالِ نِعْمَتَيِ الصِّحَّةِ وَالْفَرَاغِ، فَقَالَ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ".
فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يُقَدِّرُونَ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ، وَلَا يُؤَدُّونَ شُكْرَهُمَا، وَلَايَسْتَعْمِلُونَهُمَا فِيمَا يَنْفَعُهُمْ، وَلِذَلِكَ حَثَّ النَّبِيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-عَلَى اسْتِغْلَالِ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ النِّعَمِ الجَلِيلَةِ، فَقَالَ: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ"، فَالمُؤْمِنُ الكَيِّسُ الفَطِنُ هُوَ الَّذِي يَسْتَغِلُّ صِحَّتَهُ وَفَرَاغَهُ في طَاعَةِ اللهِ، وَفِيمَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِالنَّفْعِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، كَأَنْ يُكْثِرَ مِنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ وَحِفْظِهِ، وَالإِكْثَارِ مِنَ الذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَصِيَامِ الأَيَّامِ الْبِيضِ أَوِ الإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، وَكَذَا قِيَامِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَحُسْنِ تَرْبِيَةِ الأَوْلَادِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَعْمَالِ البِرِّ وَالإِحْسَانِ.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فنَحْنُ فِي مَوْسِمِ الإِجَازَةِ الصيفية: فَمَا أَجْمَلَ أَنْ يُخَطِّطَ الإِنْسَانُ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ لِحُسْنِ اسْتِغْلَالِهَا: بِحِفْظِ سُوَرٍ مِنَ القُرْآنِ الْكَرِيمِ أَوْ بِخَتْمِ تِلَاوَتِهِ، أَوْ بِإِنْهَاءِ قِرَاءَةِ كِتَابٍ نَافِعٍ، أَوْ بِتَذَاكُرِ سِيرَةِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ-رضيَ اللهُ عنهم-فِي مَجْلِسٍ عَائِلِيٍّ مُحَاطٍ بِالإِيمَانِ، أَوْ بِتَعْوِيدِ الأَبْنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالبَنَاتِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، وَوَضْعِ جَوَائِزَ لِلْمُلْتَزِمِ بِذَلِكَ، أَوْ بِالسَّفَرِ لِمَكَّةَ المُكَرَّمَةِ لِأَدَاءِ العُمْرَةِ، أَوِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ لِزِيَارَةِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-، أَوْ لِصِلَةِ الأَرْحَامِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الأَفْكَارِ الهَادِفَةِ وَالمَشْرُوعَاتِ النَّاجِحَةِ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ النَّفْسَ تَمَلُّ مِنْ كَثْرَةِ العَمَلِ، فَيَنْبَغِي إِرَاحَتُهَا وَاسْتِجْمَامُهَا فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَهَذَا حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهَا: قَالَ النَّبِيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ-: "إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا"، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَجِمَّ الإِنْسَانُ وأهلُهُ فِي المُتَنَزَّهَاتِ، وشَوَاطِئ البِحَارِ وَالِاسْتِرَاحَاتِ وَغَيْرِهَا، ملازمًا للعفةِ والاحتشامِ، والذوقِ والأدبِ، حذرًا مِنَ المُحَرَّماتِ والمُنْكَرَاتِ، والتبرجِ والسفورِ، والقِيلِ وَالقَالِ، وَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالبُهْتَانِ وَالكَذِبِ، وَالسَّهَرِ المُؤَدِّي إِلَى النَّوْمِ عَنِ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ؛ فَإِنَّ اللَّهْوَ المباحَ إِذَا أَشْغَلَ عَنِ الوَاجِبَاتِ صَارَ مِنَ المُحَرَّمَاتِ.
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللهم أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ، اللهم يا شافي اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ والـمسالـمينَ، اللَّهُمَّ اِكْفِنَا والمسلمينَ بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأَغْنِنـَا بفضلِكَ عَمَّنْ سِواكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ ورَحْـمَتِكَ فإنَّهُ لا يـَمْلِكُها إلا أنتَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلنا وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهم إنَّا والمسلمينَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.
اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمين.
المرفقات
1688096335_الوجازة في الإجازة-12-12-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ يوسف العوض.docx
1688096335_الوجازة في الإجازة-12-12-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ يوسف العوض.pdf