النِّفَاُق: خَطَرُهُ وَأْنْوَاعُهُ وَعَلامَاُتهُ
سلطان الحصين
.الحمد لله رب العَالمين يعلم خَائنة الأعْيُنِ وما تُخفي الصُّدور، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
.أما بعد: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:1]
عباد الله: قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [سورة النساء:145]، فما النفاق؟ وما علاماته؟ وما أنواعه؟ وكيف يَتَجَنَّبُهُ المُسْلم؟
فالنِّفاقُ هو مُخَالفة الباطن للظَّاهر، بأن يُظهر صاحبُه الإيمانَ، ويُبْطن ما يُناقِضُ ذلك، وهذا هو النفاق الاعْتقادي، وثمة نوع آخر من النفَاق، وهو النفَاقُ الْعَمَلي، وهو طريقٌ مُوصلٌ إلى الأول، وأصولُه مَذكورةٌ في قوله صلى الله عليه وسلم : «أربعٌ من كُنَّ فيه كان مُنافقاً، وإن كانت خَصْلةٌ منهُن فيه كانتْ فيه خَصْلةٌ من النفاق حتى يَدَعَهَا: من إذا حدَّث كذَب، وإذا وَعَدَ أخْلَف، وإذا خَاصم فَجَر، وإذا عَاهد غَدَر»، متفق عليه.
أيها المؤمنون: قد بين الله تعَالى أوصَاف المنَافقين في كتابه، فمنْ ذلك:
أنهم يتَحَاكمون إلى الطاغوت ويتْرُكون حُكْم الله، قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [سورة النساء:61].
ومن أوصافهِم؛ أنهم يتَّخذُون الكَافرين أولياء من دون المؤمنين، قال اللهُ تَعالَى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [سورة النساء:138-139].
ومن صفاتهم: إشَاعَةُ الفَواحش بين المسلمين، والفَسَاد في الأرْض: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [سورة البقرة:204-205].
ومن إفْسَادهم؛ أنهم يأمرون بالمنكر، {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[سورة التوبة:67].
وفي مجَال الطَّاعة والعبَادَة، تجدِ المنَافقينَ كُسَالى في الصَّلاة، قَلِيلي الذِّكْر لله قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [سورة النساء:142].
يَسْخَرُون من أهل الإيمان والصَّلاح: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة التوبة:79].
عبَاد الله: هَذِه بعضُ صِفَات المنافقين، فاحذَرُوا النفاق والمنَافقين، واحذَروا التخَلُّق بأخلاقهم، وكونوا حَرباً عليهم؛ إذ أمَرَ الله بجِهَادهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [سورة التوبة:73].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكُم ولسائر المسْلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانيةالحمد لله الذي تقدَّس في عُلاه، وأشهد أن لا إله إلا اللهَ وحده لا شريك لَه، وأشهد أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، حَذَّرَ أُمَّتَه من النفاق وأوْصَاف المنافقين، فجزاه الله عن أمته خيرَ ما جازى نبياً عن أُمته.
ثمَّ أما بعد: فيا عباد الله، إن العَبدَ إذا لم يتعاهد إيمَانُه، ويُحَافظ على طاعة ربه، واستهان بالمعَاصي؛ قَادَهُ ذلك إلى الشَّـر ومَرَاتِعِه، فَيَنْسَلُّ من الخير رُوَيْداً رُوَيْداً حتى يُغَلَّفَ قلبه الرَّان، فالحذر الحذَر عباد الله من النفاق وخِصَال المنَافقين، اصْدُقوا في الأقوال والأعْمال، وَوَفُّوا بالعهُود والمواثيق، والتزموا بالمواعيد، واعْفُوا عند المخَاَصمة، وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَعْمَالَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وَتَذَكَّرُوا أَنَّ الكَيِّسَ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ وَأَنَّ العَاجِزَ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى المُصْطَفَى المُخْتَارِ، امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ حَيْثُ قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب:56].
___
المرفقات
1625677128_النفاق خطره وأنواعه وعلاماته.docx
1625677129_النفاق خطره وأنواعه وعلاماته.pdf