النزاهة والاحترازات الطبية ( تعميم الوزارة )

محمد بن سليمان المهوس
1443/05/18 - 2021/12/22 21:04PM

الخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ وَرِقًا، غَنِمْنَا الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ وَالثِّيَابَ، ثُمَّ انْطَلَقْنا إِلَى الْوَادِي، وَمَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- عَبْدٌ لَهُ، فَلَمَّا نَزَلْنَا الْوَادِيَ، قَامَ عَبْدُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحُلُّ رَحْلَهُ، فَرُمِيَ بِسَهْمٍ، فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ، فَقُلْنا: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَلاَّ! وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا أَخَذَهَا مِنَ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ » قَالَ: فَفَزِعَ النَّاسُ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ، أَوْ شِرَاكَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ»

وَالشِّرَاكُ وَالشِّرَاكَانَ؛ أَيْ: سَيْرٌ أَوْ سَيرَانِ يَكُونَانِ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ عِنْدَ لُبْسِ النَّعْلِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثٌ عَظِيمٌ فِيهِ بَيَانُ خَطَرِ جَرِيمَةِ الْغُلُولِ وَالتَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ، وَالَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْكَثِيرُونَ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ  بِشُبَهٍ شَيْطَانِيَّةٍ، أَوْ فَتَاوَى تَصْدُرُ مِمَّنْ قَلَّ عِلْمُهُ وَذَهَبَ وَرَعُهُ! كَقَوْلِهِمْ: إِنَّ هَذَا الْمَالَ مَالٌ عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ، أَوْ قَوْلُهُمْ: نَأْخُذُ كَمَا يَأْخُذُ غَيْرُنَا لِحَاجَتِنَا لِذَلِكَ! وَهَذِهِ الشُّبَهُ لَيْسَتْ صَحِيحَةً؛ لأَنَّ الْمَالَ الْعَامَ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دَوْلَتِهِمْ، وَمِلْكٌ لَهُمْ، وَالْقَائِمُونَ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُمْ أُمَنَاءُ فِي حِفْظِهِ وَتَحْصِيلِهِ، وَصَرْفِهِ لأَهْلِهِ بِتَفْوِيضٍ مِنْ وَلِيِّ الأَمْرِ، فَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا لاَ يَسْتَحِقُّ، وَقَدْ حَرَّمَ اللهُ الاِعْتِدَاءَ عَلَى الْمَالِ الْعَامِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الاِعْتِدَاءِ، وَجَعَلَ عُقُوبَتَهُ فِي ثَلاَثِ مَوَاقِعَ:

فِي الْقَبْرِ؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَفِي الْمَوْقِفِ أَمَامَ الأَشْهَادِ، كَمَا قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 161].

أَمَّا الْمَوْقِفُ الثَّالِثُ؛ فَمَصِيرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالتَّعْذِيبِ فِي النَّارِ بِمَا غَلَّ؛ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ أَنَّهُ مَرَّ مَعَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- عَلَى قُبُورٍ، فَقَالَ الصَّحَابَةُ: فُلَانٌ شَهِيدٌ، ثُمَّ قَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، ثُمَّ قَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْقَبْرِ الثَّالِثِ: «كَلاَّ! إِنِّي رَأَيْتُهُ في النَّارِ في بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ »

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ صُوَرِ الْغُلُولِ وَالتَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِ؛ السَّرِقَةُ وَالْغِشُّ وَالاِحْتِيَالُ، وَخِيَانَةُ الأَمَانَةِ وَالرِّشْوَةُ وَالاِخْتِلاَسُ، وَعَدَمُ إِتْقَانِ الْعَمَلِ، وَإِضَاعَةُ الْوَقْتِ، وَالتَّرَبُّحُ مِنَ الْوَظِيفَةِ، وَاسْتِغْلاَلُ الْمَالِ الْعَامِ لأَغْرَاضٍ شَخْصِيَّةٍ، وَالاِعْتِدَاءُ عَلَى الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ، وَاسْتِخْدَامُهَا شَخْصِيًّا دُونَ اسْتِئْذَانِ الدَّوْلَةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ الَّذِي يُعَدُّ أَمْرًا خَطِيرًا، وَذَنْبًا عَظِيمًا، وَجُرْمًا كَبِيرًا؛ لأَنَّ الأَصْلَ فِي الْمَالِ الْعَامِ -يَعْنِي: مَالَ الدَّوْلَةِ- هُوَ الْمَنْعُ.

وَكَذَلِكَ مِنَ الْغُلُولِ : الأَخْذُ مِنَ الْمَالِ الْعَامِ وَالتَّعَدِّي عَلَيْهِ ؛ حَتَّى وَلَوْ كَانَ بِأَبْسَطِ الطُّرُقِ، وَأَدَقِّ الشُّبَهِ الَّتِي يَظُنُّهَا الْبَعْضُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَمُبَاحَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ الْهَدَايَا وَالإِكْرَامِيَّاتُ وَالتَّسْهِيلاَتُ الَّتِي تُمْنَحُ لِلْعَامِلِينَ فِي الدَّوْلَةِ بِدُونِ إِذْنِ وَلِيِّ الأَمْرِ؛ كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَ عَامِلاً فَجَاءَهُ الْعَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَالَ لَهُ: « أَفَلا قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لا » ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاةِ فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: « أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ: هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ ... الْـحَدِيِث »

فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- وَاعْلَمُوا أَنَّ الْبُعْدَ عَنِ الْفَسَادِ وَالسَّلامَةَ مِنْهُ ، وَتَرْكَ الشُّبُهَاتِ ، وَالتَّخَلُّقَ بِخُلُقِ النَّزَاهَةِ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ وَمِنَّةٌ وَفَضْلٌ ، وَمَنْ عَصَمَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ حَازَ الْـخَيْرَ كُلَّهُ فِي حَيَاتِهِ.

﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [ الطلاق : 2-3]

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: نَسْمَعُ بِمَا حَلَّ بِمُعْظَمِ بُلْدانِ الْعَالَمِ اليَوْمَ بِاَلْمُتَحَوِّرِ الجَديدِ بِمَرَضِ " كُورُونَا " وانْتِشارِهِ السَّريعِ بَيْنَ أَفْرادِ الشُّعوبِ ، وَأَنْتُمْ لَاحَظْتُمْ ارْتِفاعَ مُعَدَّلِ الحَالَاتِ هَذِهِ الأَيّامِ ؛ مِمَّا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْنَا مَزِيدًا مِنَ الِاهْتِمامِ بِتَوْجِيهاتِ وِزارَةِ الصِّحَّةِ الْـمُوَقَّرَةِ مِنْ أَخَذِ اَللَّقاحِ والْبُعْدِ عَنْ التَّجَمُّعاتِ ، وَلُبْسِ الْكَمَّامِ ، وَتَطْهيرِ الأَيْدِي ، واسْتِعْمالِ سَجّادَةٍ خاصَّةٍ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا ، والتَّباعُدِ بَيْنَ الصُّفوفِ ، وَتَجَنُّبِ الْـمُصافَحَةِ والْمُلامَسَةِ بِالْأَيْدِي ، وَعَدَمِ الِازْدِحَامِ عِنْدَ الدُّخولِ والْخُروجِ مِنْ الْـمَساجِدِ وَغَيْرِها ؛ وَكَمَالُ كُلِّ شَيْءٍ وَتَمَامُهُ : تَحْقِيقُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى ، والِاعْتِمادِ عَلَيْهِ ، والْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ ، والْبُعْدِ عَنْ مَعَاصِيهِ ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ النحل : 97 ]

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاهُ مُسْلِم.

 

المرفقات

1640207089_النزاهة والاحترازات الطبية.doc

المشاهدات 1935 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا