الناقض العاشر من نواقض الإسلام - الإعراض عن دين الإسلام علما وعملا
ماجد بن سليمان الرسي
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون(. )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا(. )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما(.
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وجوب الانقياد لشريعة الإسلام
· عباد الله، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن أمر الله تعالى بطاعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في ثلاث وثلاثين موضعا من القرآن[1]، منها قوله تعالى ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾، وقوله تعالى ]قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين[، وقوله تعالى ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون[، وقوله تعالى }يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم{.
كما تواترت النصوص النبوية في الحث على اتباعه وطاعته، والاهتداء بهديه، والاستنان بسنته، وتعظيم أمره ونهيه، ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.[2]
وعنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله.[3]
وعنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم.[4]
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): والذي نفسي بيده، لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرَد على الله كشِراد[5] البعير. قال: يا رسول الله، ومن يأبى أن يدخل الجنة؟
قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.[6]
تعريف الإعراض عن دين الله وبيان أنه من نواقض الإسلام
· عباد الله، وضد طاعة الله تعالى وطاعة رسوله (صلى الله عليه وسلم)؛ الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به، ويصد عما يجب على المكلف تعلمه والعمل به من أصول الدين التي لا يصح الإسلام إلا بها، وأعرض عنه بسمعه وقلبه، لا يصدقه، ولا يكذبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يُصغِي إلى ما جاء به البتة[7]، كتعلم أركان الإيمان وما يلحق بها، والعبادات التي هي من لوازم الإيمان بالله، كالصلاة والزكاة وحب الله ورسوله ونحو ذلك، فهذا من نواقض الإسلام، عافانا الله من ذلك، والدليل قوله تعالى )ومن أظلم ممن ذُكِّــــــر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون(، أي لا أحد أظلم ممن أعرض عن آيات الله، ثم سماه الله مجرما، فالذي لا يعمل شيئا من عمل الجوارح، ويكتفي بالنطق بالشهادتين فحسب؛ فهو كافر، ويسميه أهل العلم (التارك لجنس العمل)، ويسميه بعض الناس متحلل من الدين، والحقُّ أن المعرض عن الشريعة قلبه فاسد، لأنه لو صلح قلبه بالإيمان لانقادت جوارحه إلى العمل، لأن القلب ملِك والجوارح جنود، لا تتخلف عنه، ولكن لما تعطل القلب تعطلت الجوارح، نسأل الله العافية.[8]
الترهيب من الإعراض عن دين الله
· عباد الله، وقد جاء الترهيب من الإعراض عن الدين في آيات كثيرة، قال تعالى )ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى(، وقال تعالى )ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون(، وقال تعالى )ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه(. وقوله )ومن أظلم(، أي لا أظلم، وقال تعالى )فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود(، وقال تعالى )ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صَعَدا(، أي: عذابا شاقا شديدا موجعا مؤلما، وقال تعالى )قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين(.
المعرض عن دين الله قد هيمن الشيطان على عقله وفكره
· عباد الله، والإعراض عن الدين يؤدي إلى هيمنة الشيطان على قلب ابن آدم وفكره، قال تعالى )ومن يعش عن ذكر الرحمـٰن نقيض له شيطانا فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون(.
الإعراض عن دين الله من صفات الكفار والمنافقين
· عباد الله، والإعراض عن اتباع الشريعة التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وسلم) من صفات الكفار والمنافقين، قال تعالى )والذين كفروا عما أنذروا معرضون(.
خاتمة الخطبة الأولى
· وبعد عباد الله، فهذه مقدمة نافعة في وجوب الانقياد لشريعة الإسلام، والتحذير من الإعراض عنها.
· بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه كان للتوابين غفورا.
الخطبة الثانية
· الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الواجب هو اتباع دين الله والانقياد إليه، وطريق ذلك هو العلم والعمل، فينبغي للمسلم أن يتعلم أصول الدين، ويعمل بها، وعلى رأس ذلك أركان الإسلام الخمسة، وأركان الإيمان الستة، ويحذر من الوقوع فيما ينافيها، وعلى رأسها نواقض الإسلام العشرة، ويليها الوقوع فيما يُنقِص إيمانه من الذنوب، كبيرها وصغيرها، فهذه وإن كانت لا تخرج من ملة الإسلام، ولكنها تنافي كماله، وتجعل صاحبها على خطر من العقوبة في الآخرة.
ثواب العلم والعمل
· وقد وعد الله بالأجر الجزيل على من أقبل على الشريعة، يتعلمها ويعمل بها، فأما فضل العلم فقد أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) أن من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده.[9]
· وأما فضل العمل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): قال الله عز وجل:... وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته.[10]
خاتمة الخطبة الثانية
· ثم صلوا رحمكم الله على خير البرية وسيد البشرية محمد بن عبد الله، صاحب الحوض والشفاعة، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، الأئمة الحنفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
· اللهم احفظ علينا عقيدتنا، واحفظ علينا أمننا، واحفظ علينا رزقنا. اللهم إنا نعوذ بك من شر الأشرار، ومن كيد الفجار، ومن طوارق الليل والنهار، إلا طارقا يطرُق بخير يا رحمـٰن. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعلهن الوارث منا. اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل. اللهم إنا عوذ بك من مضلات الفتن ونزغات الشيطان. اللهم اصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
· ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
أعد الخطبة: ماجد بن سليمان الرسي، واتس: 00966568805753، وهي منشورة في:
www.saaid.net/kutob
https://t.me/jumah_sermons
[1] قال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد أمر الله بطاعته في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يذكر الله إلا ذكر معه. «مجموع الفتاوى» (19/103). وهكذا قال الآجري في «الشريعة»، ص 49 .
[2] رواه البخاري (7280).
[3] رواه البخاري (7137)، ومسلم (1835).
[4] رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
[5] أي كما يشرد البعير إذا نفر وذهب عن صاحبه، والمقصود بالشرود هنا الخروج عن طاعة الله.
[6] رواه ابن حبان (1/196 – 197) برقم (17)، ورجاله رجال مسلم، والحديث له شواهد تقويه كحديث أبي هريرة المتقدم، وحديث أبي هريرة الذي رواه أحمد (2/361) وغيره، وسنده على شرط الشيخين كما قال الحافظ في «الفتح»، شرح حديث (7280). باختصار من حاشية الشيخ شعيب على الحديث أعلاه.
[7] قاله ابن القيم في «مدارج السالكين» (1/521)، الناشر: دار عالم الفوائد.
[8] انظر للفائدة «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (7/204 وما بعدها، وهو كتاب «الإيمان الكبير)، ونقل فيه أقوالا عن أئمة السلف الصالح رحمهم الله. وانظر أيضا (7/611، وهو كتاب «الإيمان الأوسط» له).
[9] رواه مسلم (2699) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[10] رواه البخاري (6502).
المرفقات
1706764642_خطبة مختصرة عن الناقض العاشر من نواقض الإسلام-الإعراض عن دين الإسلام علما وعملا.docx
1706764707_خطبة مختصرة عن الناقض العاشر من نواقض الإسلام-الإعراض عن دين الإسلام علما وعملا.pdf