المورد الزُلال ب(فضائل الأعمال)
عبدالرحمن السحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم..
أمَّا بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى؛ فإن تقوى الله نجاة، وتحقيقها فلاح، ولأهلها طيب الدنيا وحُسن المآب، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)
أيها المؤمنون: إن من أعظم ما ينبغي أن تنهض همة المسلم للعناية به، ولاسيما مع كثرة الشواغل، وتعدُّد الصوارف والملهيات: أن يقرأ في أحاديث فضائل الأعمال الثابتة عن الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن قراءتها والتأمل في مضامينها يحرك النفس وينشِّطها لتنهض عاملةً عابدةً مطيعةً لله -جل وعلا- مقبلةً على الأعمال الصالحات والطاعات الزاكيات؛ فتزداد بذلك درجاته، ويعظم ثوابه عند الله -جل وعلا-، ويكفَّر عنه بذلك ما عليه من خطايا وذنوب.
أيها المؤمنون: إن من أجمع الأحاديث عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- ذكرًا لفضائل الأعمال؛ ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ -أَوْ تَمْلأُ- مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو؛ فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا".
وهذا حديثٌ عظيمٌ جامع لفضائل الأعمال ولأمهات العبادات الدينية والطاعات المقربات إلى الله -جل في علاه-، جديرٌ بنا -عباد الله- أن نحفظ هذا الحديث، وأن نجاهد أنفسنا على العمل بمضامينه العظيمة.
الطهور -عباد الله- وصفه نبينا -عليه الصلاة والسلام- بأنه شطر الإيمان، والمراد بالإيمان هنا: الصلاة، والطهور شطرها أي الوضوء؛ لأنه لا صلاة لمن لا وضوء له، فلا تستقيم الصلاة ولا تصح من العامل إلا إذا تطهر، وفي الطهارة للصلاة -عباد الله- أجور عظيمة، وثواب جزيل، وتكفيرٌ للذنوب والخطايا، وإسباغ الوضوء على المكاره من الرباط.
والحمد لله -عباد الله- تملأ الميزان؛ حيث إن الأعمال يوم القيامة ينصب لها ميزان توزن به أعمال العباد: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة: 7-8]، وهذا الحمد كما أخبر نبينا -عليه الصلاة والسلام- يملأ الميزان يوم القيامة؛ فجدير بالعبد الناصح لنفسه أن يكثر من حمد مولاه -سبحانه- في ليله ونهاره، وكل أوقاتخ؛ ليرى ذلك يوم القيامة يملأ ميزانه يوم يقف بين يدي ربه -جل في علاه-.
و"سبحان الله"، و"الحمد لله" هاتان الكلمتان إحداهما تنزيه لله عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله، و"الحمد لله" ثناء على الله بعظيم صفاته، وكمال نعوته، وجزيل مننه وعطاياه، مع حبه وتعظيمه.
هاتان الكلمتان "سبحان الله" و "الحمد لله" تملآن ويملأ أجرهما ما بين السماء والأرض؛ انظر إلى هذا الأثر العظيم والامتداد للثواب والأجر لهاتين الكلمتين العظيمتين المشتملتين على التنزيه لله والثناء عليه جل في علاه.
والصلاة -عباد الله- نور له يضيء له طريقه، نعم -عباد الله- العبد بدون الصلاة في ظلمة، وبالصلاة في نور وضياء. الصلاة تنير للعبد طريقه فتهديه إلى الطاعات، وتعينه على أنواع العبادات، وتكفُّه عن المعاصي والآثام والخطيئات، وتُعينه على المصاعب والمُلمات يقول الله -جل وعلا-: (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) ، ويقول جل وعلا: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) ثم هي -عباد الله- نور للعبد في قبره، ويوم حشره، ولقاء ربه، ذُكرت الصلاة عند النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا فقال: "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلاَ بُرْهَانٌ وَلاَ نَجَاةٌ".فهي حبل نجاتك، فتمسك بها مهما كان حالك، وأينما كان مكانك، (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)
أيها المؤمنون: "والصدقة برهان" أي حجة لصاحبها، ودليل على صحة إيمانه، وعِظم ثقته بربه، وحُسن توكله عليه جل في علاه، وهي أيضا برهان ساطع على وقايته من الشح وسلامته من البخل: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الحشر: 9].
أيها المؤمنون: "والصبر ضياء" وهو أنواع ثلاثة: صبرٌ على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبرٌ على أقدار الله المؤلمة.
والعبد المؤمن لا غنى له عن الصبر بأنواعه؛ فالطاعات لا قدرة للعبد على القيام بها إلا بالصبر، والمعاصي لا قدرة للعبد على الانكفاف عنها إلا بالصبر، وما يصيب المرء من أقدار مؤلمة في هذه الحياة لا يمكن أن يتخطى ذلك إلا بالتحلي بالصبر؛ فالصبر يضيء للمرء طريقه في باب الطاعات، وباب الانكفاف عن المعاصي والخطيئات، وفي باب الأقدار المؤلمات. نسأل الله أن يُلهمنا رشدنا، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ؛ فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أما بعد -عباد الله-: اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه. وتقوى الله: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
والزموا كتاب الله فهو النور والروح والهدى والحياة والشفاء لمن جعله قائده ودليله"القرآن حجة لك أو عليك" حجة لك -أيها العبد المؤمن- إن تلوته حق تلاوته، متفهمًا معانيه، عاملًا بهداياته: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) وقد ورد في الأثر:(القرآن شافعٌ مشفع، وماحِلٌ مصدَّق)
أما من يقرأ القرآن ويعرِض عن العمل بالقرآن فإن القرآن حينئذٍ حجة عليه لا له، وفي الحديث: "إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْقُرْآنِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ"، من قرأ القرآن متدبرًا هداياته عاملًا بإرشاداته كان من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته وكان ممن يرتق في درجات الجنة، ومن أعرض عن العمل بالقرآن وهداياته كان القرآن حجة عليه.
عباد الله: والناس كلهم في سير وسعي؛ كما قال الله -جل وعلا-: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)[الليل: 4]، يقول عليه الصلاة والسلام في خاتمة هذا الحديث: "كل الناس يغدو" أي كلهم في سعي، وكلهم في عمل، لكنهم على اتجاهات، وعلى وجهات مختلفات؛ سعيهم شتى، وطرائقهم في العمل مختلفة، يقول عليه الصلاة والسلام: "كل الناس يغدو فبائع نفسه" أي بائعها لله -جل في علاه- طاعةً له، وعبادةً وقيامًا بما يرضيه فيكونُ مُنقِذًا لنفسه منَ النَّار، وهناك من هو"مُهلكها أو مُوبقها" أي ببيعها للهوى والشيطان في اتباعهما، وارتكاب ما يدعوان إليه من المعاصي والذنوب فَيُهلِكُ نفسه بدُخولِها النَّارَ..
نسأل الله -جل في علاه- أن يعيننا أجمعين على العمل بطاعته وما يرضيه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على نبيكم محمد فإنه من صلى عليَّه صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك وجودك يا أكرم الأكرمين.. الَّلهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ إِيمَانًا لَا يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لَا يَنْفَذُ، وَعَمَلاً صَالِحًا لَا يُرَدُّ، وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَعْلَى جَنَّةٍ الْخُلْدِ.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين. اللهم انصر إخواننا في غزة وفي كل مكان، اللهم عليك بالصهاينة المعتدين وأرنا فيهم عجائب قدرتك، وطهر المسجد الأقصى من رجسهم يا قوي يا عزيز..
اللهم فرِّج همَّ المهمومين ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين. وارحم واغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات،
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفقهم لهداك.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1701347802_فضائل-الأعمال.doc
1701347805_فضائل-الأعمال 2.pdf