المعاهد والمستأمن ... ما لهم وما عليهم!

بسم الله الرحمن الرحيم إخوة الإيمان والعقيدة ... من أكبر نِعَمِ الله على هذه الأمة، حيث أكمل لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دينٍ غيرِه، ولا إلى نبيٍّ غيرِه، ولذا يقول الله تعالى ممتناً على عباده ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[ فارضوه أنتم لأنفسِكم، لأنه هو الدين الذي رضيَه الله وأحبَّه، وبعث به أفضل رسُلَه، وأنزل به أشرفَ كُتُبَه. ومن كمال هذا الدين أنه جاء بحفظ النفس وعدها من الضرورات الخمس، لا فرق بوجوب الحفظ بين المسلمين أو المعاهدين أو المستأمنين، فالمعاهدون هم الذين نعقد بيننا وبينهم عهداً أن لا يعتدوا علينا، ولا نعتدي عليهم، وأن لا يعينوا علينا ولا نعين عليهم، وهؤلاء إن استقاموا على العهد ونفذوه تماماً، وجب علينا أن نستقيم لهم؛ لقوله تعالى ]إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُّمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ[ والوفاء بعهدهم لا شك أنه من محاسن الإسلام. والمستأمن: هو الحربي الذي دخل دار الإسلام بأمان لأداء مهمة ثم يرجع إلى بلده بعد إنهائها دون نية الاستيطان، فهذا له حق الأمان بالمحافظة على نفسه وماله، وسائر حقوقه ومصالحه، مادام مستمسكاً بحكم الأمان، وعليه الالتزام بأحكام الإسلام في المعاملات، والخضوع لأحكام الإسلام في الجنايات والعقوبات. ويحرم على الناس أذاه، أو سبه، أو الإساءة إليه، أو قتله، قال رسول الله ﷺ (ذِمَّةُ الـمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أدْنَاهُمْ، فَمَنْ أخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ) والمراد بالذمة هنا الأمان، فعهدهم واحد، ومعنى الحديث أن أمام المسلمين للكافر صحيح، فإذا أَمَّنه به أحدُ المسلمين، حرُم على غيرِه التعرضُ له ما دام في أمام مسلم. وفي هذا الزمان من مُنِحَ تأشيرة دخول للبلاد من ولي الأمر أياً كان نوعها وأياً كانت ديانته، وجب له الأمان وعلى الجميع المواطنين والمقيمين احترام عقد الأمان والالتزام به. فالإسلام يكفل للناس مسلمهم وكافرهم العدل مع المسلمين ومع الكفار، قال الله تعالى ]وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا[ وقال تعالى ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[. فالذين يعتدون على الأمن إما أن يكونوا خوارج أو قُطَّاع طُرُق أو بغاة، وكل من هذه الأصناف الثلاثة يتّخذ معه الإجراء الصارم الذي يوقفه عند حدّه ويكفّ شرّه عن المسلمين والمستأمنين والمعاهدين وأهل الذمة. فهؤلاء الذين يعتدون على الأنفس المعصومة والأموال المحترمة لمسلمين أو معاهدين ويرمّلون النساء وييتّمون الأطفال؛ هم من الذين قال الله فيهم ]وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ[. والمطلع على السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي منذ صدر الإسلام يرى العجب فيرى كيف كان رسول الله ﷺ يعامل المعاهدين والذميين والمستأمنين حتى صار سمة جميلة يتميز بها المجتمع المسلم. نسأل الله أن يحفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأن يوفق خادم الحرمين إلى كل ما فيه صلاح العباد والبلاد. أقول ما تسمعون ...   الحمدُ للهِ على نعمائِه، والشكرُ له على توفيقِه وعطائِه، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له المتفردُ بكبريائِه، أعطى فأجزل، ومنحَ فتفَضَّل، وأشهد أن محمداً عبدُ الله، ورسولُه ومصطفاهُ وخليلُه، أدى الرسالةَ ونصحَ الأمةَ وجاهدَ في اللهِ حقَ جهادِه حتى أتاه اليقين، بعد أن أتم الله به الدين، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين. معاشر المؤمنين ... يقول ابن عمر رضي الله عنهما: إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ. لقد صدق ابن عمر رضي الله عنهما، إنّ من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها أن يسفكَ الإنسان الدم الحرام بغير حلّه، وإن دم المعاهد حرام، وسفكه من كبائر الذنوب؛ لأن النبي ﷺ أخبر أن من قتله لم يرح رائحة الجنة، وكل ذنب توعَّد الله عليه في كتابه أو رسوله ﷺ في سنته فإنه من كبائر الذنوب، قال رسول الله ﷺ (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عَاماً). لأن ذمةُ المسلمين واحدة يعني عهدهم واحد، إذا دخل كافر إلى البلد في أمان وعهد (فَمَنْ أخْفَرَ مُسْلِماً) أي من نقض أمانَ مسلم، فتعرَّض لكافر أمَّنه مسلم (فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ) وفي هذا دليل على حماية الدين الإسلامي لمن دخل بأمانه وجواره، وأن الدين الإسلامي لا يعرف الغدر والاغتيال والجرائم. وفقنا الله جميع للفقه في ديننا، وجعلنا هداة مهتدين... وصلوا وسلموا ...
المرفقات

1660895191_المعاهد والمستأمن .. ما لهم وما عليهم !.docx

1660895199_المعاهد والمستأمن .. ما لهم وما عليهم !.pdf

المشاهدات 377 | التعليقات 0