المحافظــــــة على البيئـــــــــة

محمد بن سليمان المهوس
1444/05/26 - 2022/12/20 19:07PM

الخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِعِبَادِهِ: أَنْ أَنْبَتَ لَهُمُ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ؛ لِتَكُونَ هَذِهِ الأَرْضُ صَالِحَةً لِلْحَيَاةِ عَلَيْهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: 10]؛ أَيْ: تَرْعَى أَنْعَامُكُمْ وَدَوَابُّكُمْ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : ﴿ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 11].

وَلَمْ يَقْتَصِرِ الأَمْرُ عَلَى الْغِذَاءِ فَقَطْ، بَلْ جَعَلَ اللهُ فِي النَّبَاتِ جَمَالاً وَتَنَوُّعًا لِتَطِيبَ حَيَاةُ النَّاسِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يس: 33-36].

فَمِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْمُسْدَاةِ وَالرَّحْمَةِ الْـمُهْدَاةِ: الاِعْتِنَاءُ بِالْبِيئَةِ، وَتَشْجِيعُ النَّاسِ عَلَى إِظْهَارِ الْبِيئَةِ فِي أَجْمَلِ مَظْهَرٍ وَأَحْسَنِ مَنْظَرٍ؛ فَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَثَّ عَلَى الزِّرَاعَةِ وَالْغَرْسِ فِي أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنْهَا قَوْلُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ؛ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ » [متفق عليه]، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا»

[ صَحَّحَهُ الألباني].

وَمِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ : الْمُحَافَظَةُ عَلَى بِيئَتِنَا الْجَمِيلَةِ وَاحْتِسَابُ الأَجْرِ فِي ذَلِكَ، وَالْعَمَلُ عَلَى أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ يَغْرِسُ وَلاَ يَقْطَعُ، وَيُصْلِحُ وَلاَ يُتْلِفُ، وَيَبْنِي وَلاَ يَهْدِمُ، وَيُحْسِنُ وَلاَ يُؤذِي؛ مِفْتَاحَ خَيْرٍ، مِغْلاَقَ شَرٍّ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60]، وَقَالَ: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56]، وَقَالَ فِيِ ذَمِّ بَعْضَ النَّاسِ : ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205].

وَمِنَ الإِفْسَادِ الْمُحَرَّمِ: أَذِيَّةُ الْمُسْلِمِ قَوْلاً أَوْ عَمَلاً، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58]، وَإِنَّ مِنْ أَذِيَّتِهِمْ مَا يُوضَعُ فِي طُرُقَاتِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ وَأَمَاكِنِ تَنَزُّهِهِمْ؛ مِمَّا يُؤْذِيهِمْ وَيُدَنِّسُ ثِيَابَهُمْ وَأَقْدَامَهُمْ وَنِعَالَهُمْ، أَوْ بِمَا يَجْرَحُ أَبْدَانَهُمْ وَيُعَرِّضُهُمْ لِمَا يُؤْلِمُهُمْ كَالأَحْجَارِ وَالأَخْشَابِ وَالزُّجَاجِ وَالْمَسَامِيرِ، وَالْمُخَلَّفَاتِ الْبِلاَسْتِيكِيَّةِ ، أَوْ قَطْعُ مَا يَسْتَظِلُّونَ بِهِ مِنْ أَشْجَارٍ، أَوْ مَا تَأْكُلُهُ دَوَابُّهُمْ مِنْهَا، أَوْ إِشْعَالُ النَّارِ فِي أَمَاكِنِهِمْ.

وَعِنْدَمَا وَدَّعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الْجَيْشَ الإِسْلاَمِيَّ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، أَوْصَاهُمْ بِوَصَايَا نَبَوِيَّةٍ عَظِيمَةٍ، يَرْتَكِزُ مُعْظَمُهَا عَلَى أَمْرِ الْحِفَاظِ عَلَى الْبِيئَةِ، فَكَانَ مِمَّا قَالَ: «لاَ تَحْرِقُوا نَخْلاً، وَلاَ تَقْلَعُوا شَجَرًا، وَلاَ تَهْدِمُوا بَيْتًا، وَلاَ تَقْتُلُوا امْرَأَةً، وَلاَ صَغِيرًا، وَلاَ رَضِيعًا، وَلاَ كَبِيرًا فَانِيًا».

وَمِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ: احْتِسَابُ الأَجْرِ فِي إِزَالَةِ الأَذَى مِنَ الْمُنْتَزَهَاتِ وَالطُّرُقَاتِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» [أخرجه مسلم].

وَبَيَّنَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَجْرَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى إِزَالَةِ مَا يُؤْذِي النَّاسَ بِطُرُقَاتِهِمْ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ، أَوْ شَوْكٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَقَالَ: «مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ؛ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ» [أخرجه مسلم]؛ فَهَذَا عَمَلٌ يَسِيرٌ وَافَقَ إِخْلاَصًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الْبَصِيِرِ، فَكَانَ سَبَبًا فِي مَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ وَدُخُولِهِ الْجَنَّةَ.

اللَّهُمَّ اخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ أَعْمَالَنَا، وَاقْرِنْ بِالسَّعَادَةِ غُدُوَّنَا وَآصَالَنَا، وَاجْعَلْ إِلَى جَنَّتِكَ مَصِيرَنَا وَمَآلَنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ بِالأَمْطَارِ وَمَا تُنْبِتُ الأَرْضَ، وَالذَّهَابِ بِالنَّفْسِ وَالأَهْلِ إِلَى النُّزْهَةِ، وَالنَّظَرِ إِلَى أَمَاكِنِ السَّيْلِ وَمَجْرَى الْمَاءِ وَالأَرَاضِي الْمُخْضَرَّةِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ؛ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَذْهَبُ إِلَى التِّلاَعِ، وَكَذَا أَصْحَابُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

وَمَعَ أَنَّ هَذِهِ نُزْهَةٌ، فِيهَا الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ وَالاِعْتِبَارُ، وَالشُّكْرُ وَالتَّفَكُّرُ وَالاِدِّكَارُ، وَالتَّوْبَةُ وَالاِسْتِغْفَارُ، إِلاَّ أَنَّ الأَمْرَ لاَ يَخْلُو مِنْ قَلَقٍ؛ وَمَا نَرَاهُ مِنَ  الْبَعْضِ مِمَّنْ يَتَجَشَّمُ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ بُطُونَ الأَوْدِيَةِ، وَمَسَالِكَ الشِّعَابِ، وَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ وَأُسْرَتَهُ لِلْخَطَرِ ! لأَكْبَرُ شَاهِدٍ؛  وَاللهُ يَقُولُ: ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾  [البقرة: 195]، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].

جَنَّبَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ كُلَّ سُوءٍ، وَوَقَانَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَعَافَانَا مِنْ كُلِّ بَلاَءٍ؛ هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ- ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].

المرفقات

1671552469_المحافظة عل البيئة.doc

المشاهدات 2383 | التعليقات 2

الله يجزاك خير ياشيخ خطبة موفقة وافيه كافية 


جزاك الله خيرا