القول النفيس في ذكرى يوم التاسيس
محمد بن سليمان المهوس
الخُطْبَةُ الأُولَى
الحَمْدُ للهِ الكَرِيمِ الْمَنَّانِ ، الذِي مَنَّ عَلَينَا بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ ، وَالأَمْنِ فِي الأَوطَانِ، وَالعَافِيَةِ فِي الأَبْدَانِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، سَأَلَ رَبَّهُ الأَمْنَ فِي الوَطَنِ، وَدَفْعَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإِحْسَانٍ إِلَى دَارِ القَرَارِ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
عِبَادَ اللهِ: الأَمْنُ فِي الأَوْطَانِ قِوَامُ الْحَيَاةِ كُلِّهَا، تَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ الْمُجْتَمَعَاتُ، وَتَتَسَابَقُ لِتَحْقِيقِهِ السُّلُطَاتُ، وَتَتَنَافَسُ فِي تَأْمِينِهِ الْحُكُومَاتُ، فَهُوَ مَطْلَبٌ يَسْبِقُ طَلَبَ الْغِذَاءِ، فَبِغَيْرِهِ لاَ يُسْتَسَاغُ طَعَامٌ، وَلاَ يَهْنَأُ عَيْشٌ، وَلاَ يَلَذُّ نَوْمٌ.
فَالنُّفُوسُ فِي ظِلِّهِ تُحْفَظُ ، وَالأَعْرَاضُ تُصَانُ، وَالأَمْوَالُ تَبْقَى ، وَالشَّرْعُ يَسُودُ، وَالاِسْتِقْرَارُ النَّفْسِيُّ وَالاِطْمِئْنَانُ الاِجْتِمَاعِيُّ يَحْصُلُ.
وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْبِلاَدِ نَعِيشُ فِيِ هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَنَتَفَيَّأُ ظِلاَلَهَا وَمَعَ غَيْرِهَا مِنَ النِّعَمِ الَّتِي لاَ تُعَدُّ وَلاَ تُحَدُّ، حَتَّى أَصْبَحَتْ بِلاَدُنَا مَضْرِبَ الْمَثَلِ فِي تَحْقِيقِهِ، وَهَذَا بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى ثُمَّ جُهُودِ قَادَةِ هَذِهِ الْبِلاَدِ مُنْذُ تَأْسِيسِهَا عَلَى يَدِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ سُعُودٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- الَّذِي هُوَ أَحَدُ الرُّوَّادِ الْكِبَارِ، وَالْبُنَاةِ الْعِظَامِ فِي تَارِيخِ هَذِهِ الْبِلاَدِ الْمُبَارَكَةِ.
فَقَدْ قَيَّضَهُ اللهُ تَعَالَى لِكَيْ يُنْهِي -بِتَوْفِيقِ اللهِ- حِقْبَةً عَصِيبَةً تَرَاكَمَتْ فِيهَا الْبِدَعُ وَالْمَظَالِمُ وَالْجَهَالَةُ، وَانْحَرَفَتْ عَقَائِدُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلِكَيْ يَبْدَأَ عَهْدًا جَدِيدًا قِوَامُهُ عَقِيدَةُ التَّوْحِيدِ الصَّافِيَةُ، وَشَرِيعَةُ الإِسْلاَمِ الْخَالِدَةُ الْعَادِلَةُ، وَمَنْهَجُ الْوَسَطِيَّةِ وَالاِعْتِدَالِ فِي هَذِهِ الْبِلاَدِ الرَّائِدَةِ.
وَمِنْ سُنَنِ اللهِ الَّتِي لاَ تَتَخَلَّفُ: أَنَّهُ -سُبْحَانَهُ- لاَ يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً، فَمِنْ بَرَكَاتِ نَصْرِ الإِمَامِ لِلتَّوْحِيدِ أَنْ مَكَّنَ اللهُ لَهُ فِي الأَرْضِ، وَأَنْ جَعَلَ حُكْمَهُ بَاقِيًا فِي عَقِبِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور: 55].
وَلاَ يُذْكَرُ الإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ سُعُودٍ، إِلاَّ وَيُذْكَرُ مَعَهُ الإِمَامُ الْمُجَدِّدُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ -رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى- فَقَدِ اجْتَمَعَا عَلَى تَمْكِينِ عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ، وَتَرْسِيخِهَا، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَتَوْفِيرِ الأَمْنِ، وَوَحْدَةِ الصَّفِّ، وَصَوْنِ الأَعْرَاضِ وَالدِّمَاءِ وَالأَمْوَالِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَعَانِي الْجَمِيلَةِ الرَّائِعَةِ؛ فَشَادَ الْبِنَاءُ، وَكَمُلَ مُلْكُ الإِمَامِ عَلَى أُسُسِ التَّقْوَى، وَنُصِرَ بِالْحُكْمِ، وَصَارَ مِثَالاً عَمَلِيًّا لِمَعَانِي التَّوْحِيدِ وَالْعَزْمِ وَالْجِهَادِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ وَالتَّلاَحُمِ.
وَهَذَا هُوَ الْهَدَف الأَسْمَى الَّذِي سَعَى إِلَيْهِ الإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ سُعُودٍ وَأَدْرَكَهُ، وَهُوَ الدَّعْوَةُ لِدِينِ اللهِ، وَالْعَوْدَةُ بِالإِسْلاَمِ إِلَى نَقَائِهِ الأَوَّلِ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَفِي عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ- وَإِقَامَةُ مُجْتَمَعٍ إِسْلاَمِيٍّ مُتَكَامِلٍ، يُؤْمِنُ بِالإِسْلاَمِ عَقِيدَةً وَشَرِيعَةً وَنِظَامَ حَيَاةٍ؛ وَقَدْ هَيَّأَتْ وَحْدَةُ الْعَقِيدَةِ أَذْهَانَ النَّاسِ لِتَقْبَلَ الْخُضُوعَ لِسُلْطَةٍ إِدَارِيَّةٍ وَاحِدَةٍ قَوِيَّةٍ، كُلُّ هَمِّهَا نَشْرُ الدَّعْوَةِ الْحَقَّةِ، وَتَطْبِيقُ الشَّرِيعَةِ، وَتَنْفِيذُ حُدُودِ اللهِ.
وَهَذَا هُوَ الأَصْلُ الأَصِيلُ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي بَقَاءِ الْمُلْكِ لِلإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ سُعُودٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- مِنْ يَوْمِهِ السَّابِقِ إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَللهِ الْحَمْدُ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾
[الحج :40-41 ]
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- حَقَّ التَّقْوَى، وَاشْكُرُوهُ وَلَا تَكْفُرُوهُ؛ فَنَحْنُ فِي بِلَادٍ قَامَتْ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ، وَقَبِلَتْهُ دِينًا وَمَنْهَجًا وَدُسْتُورًا، كَمَا قبِلَتْهُ أَجْيَالُ الْأُمَّةِ عَلَى مَرِّ الْقُرُونِ، يُسْلِمُهُ سَلَفُهُمْ إِلَى خَلَفِهِمْ، وَعُلَمَاؤُهُمْ إِلَى مُتَعَلِّمِهِمْ، نَافِينَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ.
تَذَكَّرُوا -عِبَادَ اللهِ- مَا كَانَ عَلَيْهِ أَسْلاَفُكُمْ فِي هَذِهِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَى عَهْدٍ قَرِيبٍ مِنْ جَهْلٍ وَفَقْرٍ وَذِلَّةٍ وَهَوَانٍ وَتَنَاحُرٍ وَتَدَابُرٍ وَتَفَرُّقٍ وَاخْتِلاَفٍ حَتَّى مَنَّ اللهُ عَلَى أَهْلِهَا بِمَنْ وَحَّدَ عَلَى يَدَيْهِ كَلِمَتَهَا، وَجَمَعَ شَمْلَهَا، وَأَعَزَّ اللهُ بِهِ شَأْنَهَا؛ فَاجْتَمَعَتِ الْقُلُوبُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ، وَاتَّحَدَتِ الْكَلِمَةُ بَعْدَ الاِخْتِلاَفِ، وَرَفْرَفَتْ رَايَةُ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَانْتَشَرَتْ دُرُوسُ الْعِلْمِ، وَأَخْرَجَ اللهُ كُنُوزَ الأَرْضِ، وَبَسَطَ أَمْنَهُ عَلَى أَرْجَائِهَا مُدُنًا وَقُرًى وَصَحَارِيَ وَقَفَارًا.
حَتَّى أَصْبَحَتْ بِلاَدُنَا مَضْرِبَ الْمَثَلِ فِي الأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ مِمَّا لَمْ تَظْفَرْ بِهِ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ الَّتِي تَمْلِكُ السِّلَاحَ وَالْقُوَّةَ الْمَادِّيَّةَ، بِفَضْلٍ مِنَ اللهِ ثُمَّ بِفَضْلِ تَمَسُّكِهَا بِدِينِهَا وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهَا وَوَحْدَةِ صَفِّهَا، وَتَضَافُرِ جُهُودِ أَفْرَادِهَا مُتَمَثِّلَةً قَوْلَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النِّسَاءِ: 59].
هَذَا وَصَلُّوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم ].
المرفقات
1645586434_القول النفيس في ذكرى يوم التاسيس.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق