الغوث والإحسان، ووقفة المملكة مع السودان 22-10-1444هـ
محمد آل مداوي
الحَمْدُ لله، الحَمْدُ لله، يَهَبُ العَطَايَا، ويَدْفَعُ البَلَايَا، لا تَخْفَى عَلَيْهِ السَّرَائِرُ والنَّوَايَا، وأَشْهَدُ أن لَا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، يَكْشِفُ الكُرُوب، ويُزِيلُ الخُطُوب، ويَرْفَعُ بِرَحْمَتِهِ المَكَارِهَ والرَّزَايَا، وأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنا وسَيِّدَنا محمدًا عَبْدُهُ ورَسُولُه، أَشْرَفُ الخَلْقِ، وأَفْضَلُ الرُّسُلِ، وأَكْرَمُ البَرَايَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلهِ وأَصْحَابِهِ والتَّابِعِين، صَلَاةً تَبْقَى وسَلَامًا يَتْرَى إلى يَومِ الدِّين.. أمَّا بَعْد:
فَأُوْصِي نَفْسِي وإيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وجَلّ؛ اتَّقُوا اللهَ رَحِمَكُمُ الله، فالمُتَّقُون: لَهُمُ الأَمْنُ التَّام، والسَّعَادَةُ والسَّلَام.. وبِالتَّقْوَى؛ تَنْدَفِعُ البَلْوَى: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
عِبَادَ الله: (المُسْلِم؛ أَخُو المُسْلِمِ: لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يُسْلِمُه، مَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيه؛ كَانَ اللهُ في حَاجَتِه، ومَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً؛ فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَة) متفقٌ عليه. ومِنْ شِيَمِ الكِرَام، وخِصَالِ أَهْلِ الإسْلَام: أَنْ يَتَفَقَّدَ المُسْلِمُ أخَاه، ويُشَاطِرَهُ أسَاه، ويُوَاسِيهِ في بَلْوَاه، ويَتَوَجَّعَ لِعَثْرَتهِ وشَكْوَاه، قالَ اللهُ تَعَالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وقالَ النبيُّ r: (الـمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بيْنَ أَصَابِعِهِ) رواهُ البخاري.
ومِنْ أَعْظَمِ دَلَائلِ الإيمَان: المَوَاسَاةُ بينَ أَهْلِ الإسْلَام.. ضَرَبَ الأَنْصَارُ أَعْظَمَ صُوَرِ المُوَاسَاة؛ مَعَ إخْوَانِهِمُ المُهَاجِرِينَ، رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُمْ أَجْمَعِين.. قالَ المُهَاجِرُونَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم: "يَا رَسُولَ اللَّه، مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ؛ ولَا أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ؛ مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لَقَدْ كَفَوْنَا المُؤْنَةَ، وأَشْرَكُونَا فِي المَهْنَإِ، حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كُلِّه".. (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ).
والْمُؤْمِنونَ عِبَادَ الله: فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ؛ كمَثَلِ الْجَسَد، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى.
ولَيْسَ بِخَافٍ عَلَيْكُمْ رَحِمَكُمُ الله؛ مَا يَمُرُّ بهِ إخْوَانُنَا في السُّودَانِ مِنْ ظَرْفٍ خَطِيرٍ؛ عَابِرٍ مُؤَقَّتٍ بإذْنِ اللهِ ورَحْمَتِه، زَائِلٍ مُنْدَثِرٍ بِمَا يُجْرِيهِ سُبحَانَهُ عَلَى يَدِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِه؛ مِنْ أَسْبَابِ رَحْمَتِهِ ولُطْفِه.
ولِتِلْكَ الظُّرُوف؛ صَدَرَ التَّوْجِيهُ الكَرِيمُ مِنْ مَقَامِ خَادِمِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْن، ووَلِيِّ عَهْدِهِ الأَمِين –حَفِظَهُمُ اللهُ وأَيَّدَهُمْ بِتَأْيِيدِهِ ونَصَرَهُمْ بِنَصْرِه– بالوُقُوفِ مَعَ إخْوَانِنَا وأَهْلِنَا في السُّودَان، ومَعُونَتِهِمْ بالمُسَاعَدَات، وتَنْظِيمِ حَمْلَةٍ شَعْبِيَّةٍ لِتَقْدِيمِ المُسَانَدَةِ والتَّبَرُّعَات؛ عَبْرَ مِنَصَّةِ "سَاهِمَ"، اِمْتِدَادًا لِمَوَاقِفِ بِلَادِنَا المُبَارَكةِ فِي الإِغَاثَةِ، ومَدِّ يَدِ العَوْنِ لِلمَكْرُوب.
ومِنْ حَقِّ إِخْوَانِنَا عَلَيْنَا: الوُقُوفُ مَعَهُمْ، ومَعُونَتُهُم، ومُؤَازَرَتُهُم، والدُّعَاءُ لَهُمْ، والقِيَامُ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْنَا لَهُم؛ مِنْ إخَاءٍ في الدِّين، ونُصْرَةٍ ومَعُونَة، (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ).
والبَذْلُ والنَّفَقَة؛ عَلَى قَدْرِ الإيمَان، يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ الله: "عَلَى قَدْرِ الإيمَانِ تَكُونُ المُوَاسَاة، فكُلَّمَا ضَعُفَ الإيمَانُ ضَعُفَتِ المُوَاسَاة، وكُلَّمَا قَوِيَ قَوِيَتْ".
ألَا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ الله.. أَرُوا الله َالخَيْرَ مِنْ أَنْفُسِكُم، وأَدُّوا شُكْرَ نِعَمِ اللهِ عَلَيْكُم، اِصْنَعُوا المَعْرُوف، وأَدْرِكُوا المَلْهُوف، وأَسْعِفُوا المَكْلُوم، وانْصُرُوا المَظْلُوم، وارْحَمُوا المَكْرُوب، وأَعْطُوا المَنْكُوب.. واسْعَوْا إلى مَا تَكُونُونَ بهِ أَهْلاً لِمَقَامِ الشُّكْر.
واعْلَمُوا أَنَّ مَنْعَ الجُود؛ سُوءُ ظَنٍّ بِالمَعْبُود؛ فالصَّدَقَةُ تَجْلِبُ البَرَكةَ والزِّيَادَة، والخَلَفَ مِنَ الله؛ قالَ سُبْحَانَه: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
بَارك الله لي ولكم في القُرآنِ والسُّنَّة، ونفعَنا بما فِيهِمَا مِنَ الآيَاتِ والحِكْمَة، أَقُولُ قَوْلي هَذا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولكم، ولِسَائرِ المُسلِمينَ والمُسلِمَاتِ من كُلِّ ذنب، فاستغفِروهُ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ الغَنِيِّ الحَمِيد، وأشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، سُبْحَانَهُ وبِحَمْدِه، عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد، وأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا وسَيِّدَنا محمدًا عَبْدُهُ ورَسُولُه، إمَامُ أَهْلِ الشُّكْرِ والتَّحْمِيد، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلهِ وأَصْحَابِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرا، أمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ الله، واعْلَمُوا أنَّ العَمَلَ الصَّالِحَ مَعَ جَمَاعَةِ المُسْلِمِين، والمُشَارَكَةَ مَعَهُمْ في وُجُوهِ البِرِّ والإحْسَان: مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ مُضَاعَفَةِ الأُجُور، وتَعْظِيمِ الحَسَنَات، وحُلُولِ البَرَكَات، ورِفْعَةِ الدَّرَجَات.. ولِذَلِك؛ كَانَتِ الصَّلَاةُ مَعَ الجَمَاعَةِ تَعْدِلُ خَمْسًا وعِشْرِينَ صَلَاةً مِنْ صَلَاةِ الفَذِّ، والصَّلَاةُ مَعَ الإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ خَمْسٍ وعِشْرِينَ صَلَاةٍ؛ يُصَلِّيهَا المَرْءُ وَحْدَه، ويَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَة، ومَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ في الصَّلَاةِ: تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه، وقالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ لِمَنْ قَالُوا: إِنَّا نَأْكُلُ ولَا نَشْبَعُ: (فَلَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ مُتَفَرِّقينَ؟) قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: (فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، واذْكُرُوا اِسْمَ اللَّهِ عَلَيهِ؛ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيه) رواه أبو داود وابن ماجه.
فَكَانَ الاجْتِمَاعُ بالمُسْلِمِين، ومُشَارَكَتُهُمْ في العَمَلِ الصَّالِح، والتَّعَاوُنُ مَعَهُمْ في البِرِّ والتَّقْوَى: مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الوُصُولِ إلى رِضَا اللهِ تَعَالى وتَوْفِيقِهِ ورَحْمَتِه.
ألَا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ الله، واجْعَلُوا لَكُمْ مَعَ المُسْلِمِينَ نَصِيبًا مِنَ البِرِّ وإِنْ قَلّ، فَقَدْ مَسَّ إِخْوَانَنَا في السُّودَانِ الضُّرّ، ووَلِيُّ أَمْرِنَا يَسَّرَ سُبُلَ البِرّ، فقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُم، وأَنْفِقُوا مِنْ مَالِ اللهِ الذي آتَاكُمْ، فمَا عِنْدَكُمْ يَنْفَد، ومَا عِنْدَ اللهِ بَاق، ومَالُكَ الذي عِندَك: إِمَّا أَنْ تُفْنِيهِ إلى زَوَال، أو يَؤُولُ إلى وَارِثِك، ومَا تُقَدِّمُهُ نَفَقَةً لله؛ فهُوَ البَاقِي الذي تَلْقَاهُ بينَ يَدَيْ رَبِّك؛ حَاضِرًا أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إليه.
قَالَ النَّبِيُّ r: (أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِه؟)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْه. قَال: (فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، ومَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ) رواه البخاري.
ومَنْ صَنَعَ مَعْرُوفًا للنَّاسِ، سِرًّا أو عَلَانِيَة، خَالِصًا للهِ؛ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ الله؛ ورَحْمِةً بِخَلْقِهِ؛ لَنْ يُصِيبَهُ ضُرٌّ أَبَدًا، وإنِ اخْتُبِرَ أوِ ابْتُلِي؛ فَعَاقِبَةُ أُمُورِهِ كُلِّهَا إلى خَير؛ ثِقَةً بِاللهِ جَلَّ وَعَلا، والجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَل، ولَا يُضِيْعُ ربُّكَ أَجْرَ المُحْسِنِين.
اللهُمَّ إنَّا نَتَوَجَّهُ إليك، ونَدْعُوكَ ونَرجُوك، وأنتَ اللهُ لا إله إلا أنت.. يا حَيُّ يا قَيُّوم، نَدعُوكَ بأحَبِّ أسمائك إليك، وأسرَعِها إجابةً لديك: فَرّجْ عَنْ إخوانِنا في السودان، وعنِ المسلمين في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهُمَّ من أرادَ بهم شرًّا، اللهم فَرُدَّ كيدَهُم في نحُورِهم. اللهم اسْتُر عوراتِهم، وآمِنْ رَوْعَاتهم، واحفَظْ مُقَدَّرَاتِهم، ووَلِّ عليهِم مَنْ في وِلَايَتهِ خَيرٌ لهم، واجمَعْ كلمتَهُم على البرِّ والهدى يا ربَّ العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفينِ بتوفيقك، وأيِّدهُ بتأييدك، اللهم وفقه ووليَ عهدهِ إلى ما فيه صلاحُ الإسلام والمسلمين، وأسبِغْ عليهِم لباسَ الصحة والعافية، وانصُرْ بهم دينك، وأَعلِ بهم كلمتك، واجمَعْ بهم كلمةَ المسلمين يا رب العالمين.
اللهم أصلح قلوبنا، واشرح صدورنا، ويسر أمورنا، وانْصُر رجالَ أمننا، اللهم اِرْبِطْ على قلوبـهم، وثبِّت أقدامهم، اللهم عَافِ جريحهم، واقبل شهيدَهُم، واخلفهم في أهليهم بخيرٍ يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
المرفقات
1683802419_خطب_شوال_4_الإحسان_ووقفة_المملكة_مع_السودان.docx
1683802420_الغوث والاحسان ووقفة المملكة مع السودان.pdf
1683802420_نسخة الجوال.pdf