العـــراق بيــن جيليــن -3-

احمد ابوبكر
1434/04/24 - 2013/03/06 07:16AM
د. عمران الكبيسي

يقول المثل الشعبي: “جرب غيري تعرف خيري،" وهذا ما حصل بالفعل للكثير من العراقيين، الذين خدعوا بالوعود والتطلعات السياسية المعلنة للوافدين ضمن قطار الحملة الأمريكية على العراق من خريجي دورات المخابرات المركزية وأصحاب الخيوط العنكبوتية المرتبطة بحوزات قم ومشهد، فالعشر سنوات التي مرت على العراق بعد الاحتلال كانت كفيلة بتعرية ادعاءاتهم وفضح البراقع السوداء التي يسوقون من خلالها مظلوميتهم الزائفة، يضللون البسطاء ويشحنونهم مذهبيا بما يخدم مصالح الغرباء والطامعين، وقد كشف الغطاء عن المستور وصار الأعمى والبصير يجهر بان الاحتلال جلب للعراقيين كوارث القتل والاغتيال والاختطاف والاعتقال والاغتصاب، دمر البلاد وفرق العباد ومزق إخوة الدين والوطن والمصالح والمصير المشترك، وان الساسة الجدد منتفعون بمنهجية أوليائهم الخبيثة “فرق تسد."
أرقام وزارة العدل، ووزارة حقوق الإنسان، ووزارة الداخلية والمنظمات الإنسانية العالمية؟ تفصح إن أعداد المعتقلين والمسجونين العراقيين قبل الاحتلال لا تقاس ولا تقارن بمئات الآلاف من المعتقلين شيبا وشبابا وأطفالا ونساء، لدى قوات الاحتلال الغاشمة قبل رحيلها، وفي سجون المتحصنين بالمنطقة الخضراء والأوكار السرية ولدى وحدات الجيش، وبدلا من تناقص أعداد المعتقلين بعد رحيل الأمريكان تضاعفت، وان العرب السنة وحدهم يشكلون نحو 98% منهم. وكلهم بلا استثناء يتعرضون للتعذيب الوحشي والاغتصاب والابتزاز، فلا يخرج البريء فضلا عمن انتهت محكوميته إلا بعد أن يدفع إتاوات ورشاوى باهظة، وأحوال المعتقلين وظروفهم لا إنسانية، وهناك جرائم حرب وإبادة ترتكب بحق الموقوفين أثناء التحقيق وبعده، ويعرف القريب والبعيد، والعدو والصديق زيف ادعاءات المروجين للديمقراطية المزيفة، وشعارات الحرية الكاذبة التي تلقنوها من أبواق أسيادهم.

ربما يقول قائل أصبحت رواتب الموظفين أضعاف ما كانت عليه قبل الاحتلال وكانت الناس تبيع أثاث منازلها وأبوابها ليسدوا رمقهم، ولكن هل يعلمون أن الناس اليوم تبيع دورها لتهاجر وتترك أوطانها، أو لتقدم الرشاوى للمتخمين من السجانين والمحققين والمخبرين؟ ويكفي أن الدولة في زمن الحصار وزعت قبل أن تشن أمريكا حربها على العراق الحصة التموينية لثلاثة أشهر قادمة سلفا، وعدد مفرداتها ثماني عشرة مادة معيشية أساسية كانت توزع بعدالة ودقة لسائر المواطنين من أقصى البلاد إلى أدناها، واليوم في عهد الرخاء وبيع النفط بلا عدادات يتسلم الناس الحصة التموينية بعد موعدها بستة أشهر وتقلص عدد مفرداتها إلى خمس مواد، ومادة الشاي مستعملة ترمى على المزابل، والدقيق ممزوج ببرادة الحديد، والسمن تجاوز تاريخ صلاحيته في المخازن، هذه هي مكتسبات العملية السياسية اليوم والفارق بين الجيلين ما قبل وما بعد.

أما الخدمات فقد خاض العراقيون حرب الخليج الأولى والثانية على مدى عشر سنوات خُربت فيها معظم منشآت البنية التحتية، وخرج منها بلا مدخرات، وكان سعر النفط عشرة دولارات والكمية مقننة بأقل من مليون برميل، واستطاعوا سد حاجات المواطنين وإعادة الكهرباء والماء والمجاري وصيانتها بثلاثة أشهر بجهود ذاتية، واليوم تضاعف سعر برميل النفط عشر مرات، وكميات التصدير مفتوحة، وبعد عشر سنوات ترفل بغداد بالظلام وظروف العيش فيها أسوأ مدينة في العالم، رغم ما تدعيه أمريكا من تقديم للمساعدات الفنية، وصرف ترليونات الدنانير تتراجع الحال من سيئ إلى أسوأ، فلا الكهرباء؟ ولا الماء؟ ولا المجاري ولا الخدمات صالحة؟ وقد أغرقت مياه الأمطار والمجاري قبل أسابيع بغداد ومدن العراق، فأين تذهب عوائد النفط؟ ومتى يتم إصلاح البنية التحتية لتعود خدمات المواطنين كما كانت، “أم اللي استحوا ماتوا"

وكم دفعت نتائج الموازنة بين العهدين بمن كانوا معارضين للنظام السابق والحاقدين عليه إلى الشعور بالذنب والندم لأنهم جهلوا الحقيقة وظلموا أنفسهم حينما عارضوا النظام وقد سمعنا الكثير منهم يتمنى عودة الماضي بعد أن عرف خيره وجرب شر وفساد وفسق من جاءوا بعده، وان ساسة العراق المتحكمين بمقدراته اليوم هم أولى بأن يطبق عليهم قبل غيرهم قانون الاجتثاث وإجراءات العدالة والمساءلة التي شرعوها.


العـــراق بيــن جيليــن - 1 -

العـــراق بيــن جيليــن -2 -

العـــراق بيــن جيليــن - 4 -
المشاهدات 1371 | التعليقات 0