الطفلة والصلاة !! - من مشكاة النبوة (7)

حسام بن عبدالعزيز الجبرين
1443/03/29 - 2021/11/04 04:53AM

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}

أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة

عباد الرحمن :السيرة النبوية منبع لا ينضب وفيها ثمار وعبر لا تحصى و إليكم هذه الوقف النبوي ..

عن أبي قتادة رضي الله عنه : " أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُصَلِّي وهو حَامِلٌ أُمَامَةَ بنْتَ زَيْنَبَ بنْتِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولِأَبِي العَاصِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ عبدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وضَعَهَا، وإذَا قَامَ حَمَلَهَا".أخرجه الشيخان ، وجاء تفصيلٌ أكثر في روايةٍ لأبي داوود قال أبو قتادة رضي الله عنه :

" بينما نحن ننتظر رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم للصلاة في الظهر أو العصر وقد دعاه بلالٌ للصلاة إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص بنت ابنته على عنقه فقام رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم في مصلاه وقمنا خلفه وهي في مكانها الذي هي فيه قال فكبر فكبرنا قال حتى إذا أراد رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده ثم قام أخذها فردها في مكانها فما زال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يصنع بها ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته " .

فتعالوا إلى بعض التأملات في هذا الموقف النبوي ..

·       يبين هذا المشهد كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيش حياته ببساطةٍ وعفوية  ، حيث يخرجُ من بيته إلى الصلاة حيث يحتشدُ الناسُ في المسجد وعلى عاتقه طفلةٌ صغيرة وهي ابنةُ ابنتهِ في مشهدٍ هو أبعد ما يكون عن التواقرِ المتكلَّفِ ومراسمِ الهيبةِ المصطنعة ، ولكنه الوضوح في الحياة البشرية والتجاوب التلقائي مع المشاعر الإنسانية ، ومع ذلك فإن بساطته عليه الصلاة والسلام لم تُنقص من مهابته .

·       عباد الرحمن : إن مشهد الطفلة وهي ترتحلُ عاتقَ النبيِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكأني بها قد عصبت بيديها الصغيرتين رأسَه متشبثة به عليه الصلاة والسلام  يكشف أن هذا المشهد امتدادٌ لمشهدٍ كان قبْلَه داخل بيت النبوة ، ويوحي بأنه عليه الصلاة والسلام كان في بيته بحال مناغاةٍ وملاعبةٍ لهذه الطفلة ، وعندا أراد أن يخرج للصلاة كانت في أوج تعلقها به فلم تتركه يخرج ، ولم يتركها تبكي ، إنما احتملها على عاتقه وخرج بها في مشهدٍ إنساني يضجُ بالمشاعر الأبوية الدافقة والرحمة النبوية الغامرة .

·       ومن الوقفات : أن الذي حمَلَ بنت بنته في صلاته يضعها إذا سجد ويحملها إذا قام هو الذي قال : " وجُعلت قرة عيني في الصلاة " وهذا يبين جانباً من يسر الشريعة .

نفعني الله وإياكم بالكتاب والسنة وبما فيهما من الهدى والرحمة واستغفروا الله إنه كان غفارا

الحمد لله ...

أما بعد : فمن الوقفات مع الموقف النبوي السابق :

·       أن هذا الحنانَ والرحمةَ بهذه الطفلة الصغيرة دائرةُ برٍ وإحسانٍ تتسعُ دائرته ؛ لتشمل أمَها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتي ستعيش فرحةً مضاعفة ؛ لمكان ابنتِها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ! إن البِرَّ بالبنات يتجاوزهن إلى البر بأبنائهن وبناتهن فتتسع دائرته وتتابع حلقاته .

·       ومن التأملات مع هذا الموقف النبوي : الذي خرج فيه النبيُ صلى الله عليه سلم وعلى عاتقه بُنية ، والأنوثة في هذا المشهد مضاعفة فهي بنت بنته ثم يخرج بها أمام المصلين ويصلي وهي على عاتقه ؛ليُقدّمُ درساً عمليا في الحفاوة بالبنات وليقضي على بقايا جاهليةٍ في النفوس ، والتي كانت سابقا تميل كل الميل مع الأبناء وتزدري البنات {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ .يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ }النحل58،59

فما أبعد المفارقة بين مَن يتوارى عن القوم ؛ لأنه بُشِّر بالأنثى وبين مَن يخرج إلى الناس وعلى عاتقه البنت الأنثى !     وبعد :

يا من تُحب محمـدا وتريده *** لك شـافعاً يوم الخلائـقِ تحشرُ

صلِّ عليه وآلِـه فلربمـا *** تحظـى بسقيـا من يديـه وتظفرُ

 

15 / 11 / 1442 هـ الطفلة والصلاة                                                                         
المرفقات

1636001620_من مشكاة النبوة 7 الطفلة والصلاة.docx

المشاهدات 772 | التعليقات 0