الصلاةُ-18-6-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبدالكريم الخنيفر
محمد بن سامر
الصلاةُ بين أهلي الدنيا والآخرة-18-6-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبد الكريم الخنيفر
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ-تعالى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ-صَلَّى اللَّهُ عَلِيهِ وآلِه وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
وبعدُ: فيا إخواني الكرامُ:
وَصَفَ اللهُ الإنسانَ بشدةِ الهلع، فهو غيرُ متوازنٍ في حياتِه، تَعْصِفُ به أحوالُ الزمانِ، مِن شرٍّ وخيرٍ فيدور في دوامتِها، ويميلُ بميْلِها.
هذه حقيقتُه وإن ادَّعى أو ظنَّ من نفسِه غيرَ ذلك، لكنَّ اللهَ-عزَّ شأنُه-استثنى من حالةِ الاضطرابِ الإنسانيِ الدائمِ، استثنى المصلِّينَ: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا*إِلَّا الْمُصَلِّينَ).
ثم ذكر صفاتِ أولئك المصلِّينَ، فبدَأها بالمداومَةِ على الصلاةِ، وخَتَمَهَا بالمحافظةِ على الصلاة، فالمبدأُ والمنتهى بالصلاةِ، وصلاحُ الصلاةِ يُصلحُ الأعمالَ والحياةَ.
ومن رحمةِ اللهِ بنا أنْ جَعَلَ الصلاةَ وسيلةً عظيمةً للاتصالِ وتوثيقِ العلاقةِ بهِ-تبارك وتعالى، تلك الصِّلةُ اليوميةُ المتكررةُ خمسَ مرات، في أوقاتٍ مختلفةٍ، راعتْ هذهِ الأوقاتُ الحاجاتِ الإنسانيةَ، ولاءمتْ بين الظروفِ الكونيةِ والفِطريةِ، فأولُ صلاةٍ في بدايةِ اليومِ صلاةُ الفجرِ، ليستهلَّ الموظفُ والعاملُ والطالبُ جِدِّيَّته بصلاةِ الفجرِ، فيباركُ اللهُ في يومِهِ وعملِه، لأنَّه في ذمةِ اللهِ حتى يُمسي، ثم تمضي الساعاتُ بهذا الكادحِ حتى يستريحَ من الرَّهَقِ والتَّعب بصلاةِ الظهرِ، فتتجدَّدَ طاقتُه، ويواصلَ عملَه، أو ربما ارتاحَ، لكنَّه لن يسرفَ في الراحةِ فأمامَه الصلاةُ الوسطى صلاةُ العصرُ، التي أكَّدَ اللهُ-سبحانه-المحافظةَ عليها فقال: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى)، ثم يعودُ المسلمُ من جديدٍ لإنجازِ الأعمالِ وقضاءِ الحاجاتِ، حتى يحينَ داعي صلاةِ المغربِ فيقطعُ ما بين يديه، أو يتوقَّفُ في الطريقِ إلى ما هو سائرٌ إليه لأدائِها، فهي فوَّاتةٌ ووقتُها قصيرٌ، وبينَ العشاءينِ-المغربِ والعشاءِ-ربما وصلَ رَحِمَهُ أو جَلَسَ في بيتِه أو قضى لازمًا من لوازمِه حتى تحينَ صلاةُ العشاءُ، فيصلِّيَها ليكتملَ عِقْدُ يومِهِ، ويتوثقَ الحبلُ الممدودُ بينه وبيَن اللهِ، وبعدَ العشاءِ أنجزَ الإنسانُ ما بقيَ من لوازمِ يومِه، وربما قضى بعضَ الوقتِ في اللهوِ المباحِ والخُلطةِ بالآخرينَ، لكنه لن يُسرفَ في إنفاقِ وقتِه في السهرِ، فمِنْ ورائِه صلاةُ الفجر، فيخلدُ-مبكرًا-إلى النوم، وهكذا تستمرُّ دورةُ يومِه وعمرِهِ بهذه الطريقةِ، التي صار عمودُها إقامةَ الصلاةِ، وصارتِ الصلاةُ الميقاتَ الأساسَ الذي يوقِّتُ به المسلمُ سائرَ يومِه، فأشغالُه مرتبطةٌ بها، وراحتُه قائمةٌ عليها، ومواعيدُه مؤقتةٌ بها، هي المبدأُ والمنتهى.
إخواني: لم تكن هذه الصلاةُ أداءً بالبدنِ، وليستْ قضاءً للواجبِ، إنَّ الصلاةَ في حقيقتِها هي الصلةُ الروحيةُ بين الإنسانِ وخالقِه، يصعدُ فيها عن الدنيا بروحِه المتعبةِ المرهَقةِ، فتطهِّرُه الصلاةُ من الأدران، تصفِّي قلبَه، وتشرحُ صدرَه، وتُزيلُ همَّه، ليعودَ من جديدٍ إلى الأرضِ، إلى الناس، إلى الأعمالِ، وقد تجددتْ روحُه، فلا يكسرُه همٌّ، ولا يُكدِّره غمٌّ، وهذا المعنى الذي طلبَ به الرسولُ-عليه وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-من بلالٍ أن يُريحَه بالصلاةِ فقالَ: «أرحْنا بها يا بلالُ».
هذه الصلاةُ هي الكتابُ الموقوتُ الذي ينظِّم حياةَ الإنسان كلَّها: ينظِّمُ وقتَه وأعمالَه وأولوياتِه، وأهمُّ من ذلك أنه ينظِّمُ علاقتَه بربِّه-سبحانه وتعالى-هل هي علاقةٌ موصولةٌ بحبلٍ متين؟ أم بحبلٍ مهترئٍ بالٍ متشققٍ؟
انظر إلى حالِ كثيرِ من الناسِ مع الصلاةِ، بعضُ الموظَّفين قد وقَّت حياتَه بناءً على وظيفتِه، فالنومُ والاستيقاظُ مؤقَّتانِ على موعدِ الوظيفةِ، والأعمالُ والاجتماعاتُ تُبنى على الوقتِ الوظيفي، أما الصلاةُ فلا حاجةَ لإقامتِها جماعةً في وقتها، وإنما يؤدِّيها متى وجدَ فرصةً، وكأنها عبءٌ إضافيٌّ أو شيءٌ هامشيٌّ يُنجز حسبَ الظروفِ والأهواءِ.
بعضُ الشبابِ قد وقَّت حياتَه بناءً على مرحِه ولهوه، مواقيتُه قائمةٌ على جداولِ المبارياتِ وعبثِ الاستراحاتِ، وأما الصلاةُ فيجمعُها، ثم ينقرُها، ثم تُلفُّ كما يُلفُّ الثوبُ الخَلِقُ فيُضربَ بها وجهُه، وهي تقول: ضيَّعكَ اللهُ كما ضيَّعتني.
بعضُ البناتِ تجدُهُنَّ يسمعنَ المؤذِّنَ فيتراخيْنَ عن إقامةِ الصلاةِ في أولِ وقتِها، أو يتثاقلْنَ في الاستيقاظِ من النومِ لأدائِها، حتى إذا ذهبَ الوقتُ الفاضلُ صَلَيْنَها في وقتِ الاضطرارِ.
فهل لأجلِ ذلك فُرضَت الصلاةُ؟ وهل تحققتْ مقاصدُها العُظمى للحياةِ؟ وهل هذهِ الصلاةُ هي التي تنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ كما في قولِهِ-تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، أم هي الصلاةُ التي يستعينُ بها الإنسانُ على النوائبِ والصعابِ كما في قولِهِ-تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ).
أم هي الصلاةُ التي تُذهبُ السيئاتِ كما في قولِهِ-تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ).
أم هي صلاةُ الغافلينَ، صلاةُ الخُلُوفِ الذين سيلقون الخسارةَ والعاقبةَ السيئةَ كما توعَّد اللهُ-عزَّ شأنُهُ-بقولِهِ: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).
تلك الصلاةُ هي التي تحققُ الويلَ لصاحبِها كما قالَ-تعالى-: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ).
إن الصلاةَ صلاحُ الدينِ والدنيا، ونجاةُ الآخرةِ والأولى.
أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فما أجملَ ذلك المنظرَ، الذي نراه الآن في صلاةِ الجمعةِ، وفي سائرِ الصلواتِ خاصةً في صلاةِ الفجرِ، حين يصحبُ الوالدُ أبناءَه الـمُمَيِزينَ معه إلى الصلاةِ، فلا يخرجُ من المنزلِ إلا بهم، يتسابقون إلى الصفِّ الأولِ وتكبيرةِ الإحرام، فيكونُ خيرَ قدوةٍ لهم، وتكونُ الصلاةُ السلوكَ الأصيلَ الذي تقومُ عليه حياتُهم.
إنَّ مشروعَ صلاحِ الأبناءِ وجعلَهم مقيمي الصلاةِ مِن أعظمِ مشاريعِ الإنسانِ في الدنيا والآخرة، وهو همٌّ نبويٌّ جليلٌ دعا به إبراهيمُ-على نبيِنا وعليهِ وآلـِهما الصلاةُ والسلامُ-فقال: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ).
وأمر اللهُ-سبحانه-رسولَنا الكريمَ-عليهِ وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-أن يأمرَ أهلَه بها فقال: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا).
فهل نحنُ نحملُ هذا الهمَّ والمسؤوليةَ؟!
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنَّا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، وأَسْأَلُكَ لي ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، والدينِ والأهلِ والمالِ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ اللهِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1642703465_الصلاةُ بين أهلي الدنيا والآخرة-18-6-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبد الكريم الخنيفر.docx
1642703469_الصلاةُ بين أهلي الدنيا والآخرة-18-6-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبد الكريم الخنيفر.pdf