الصُحْبَةُ-12-10-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ يوسف العوض
محمد محمد
الصُحْبَةُ-12-10-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ يوسف العوض
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ-تعالى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ-صَلَّى اللَّهُ عَلِيهِ وآلِه وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
وبعدُ: فيا إخواني الكرامُ:
قالَ-سبحانَه وتعالى-في سورةِ الكهفِ: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا*وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) ذكرتِ الآيةُ أمرينِ مهمينِ ينفعانِ المرءَ في دنياهُ وأخراهُ، الأولَ: تلاوةُ القرآنِ الكريمِ، والثاني: صحبةُ الصالحينَ.
الصاحبُ الخيّرُ يـُمَثِّلُ الخيرَ ويَتَمَثَّلُ بهِ، ويسعى للإصلاحِ ويتميزُ به، والصاحبُ السيِئُ يـُمَثِّلُ الشرَّ ويَتَمَثَّلُ بهِ، ويسعى للإفسادِ ويتميزُ به، ولقدْ مثَّلَ النبيُ-عليهِ وآلهِ وصحبِه البركةُ والصلاةُ والسلامُ-لهذهِ الحقيقةِ تمثيلًا رائعًا بليغًا فقالَ: "إنَّما مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ، والْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ، ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُـحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا خَبِيثَةً"، فحاملُ المسكِ: العطَّارُ، إنَ جالستهُ وتقربتَ منهُ، إما أنَ يُـحذيَكَ-يُعْطِيَكَ-، أوْ يُطَيِّبَكَ، أوْ تَشُمَّ منه رائحةً طيبةً، فلا يصيبُك منه إلَا الخيرُ في كلِّ الأحوالِ، ونافخُ الكيرِ: الحدادُ، يَنْفُخُ في النارِ ليشْعلَها، إمّا أنْ يـُحرقَ ثيابكَ، وإما أنْ تجدَ منهُ رائحةً خبيثةً، فلا يصيبُك منه إلَا الشرُ في كلِّ الأحوالِ.
وهذا الوصفُ الدقيقُ ينطبقُ على الصديقِ الصالحِ والصديقِ السيئِ، فمنْ يجالسُ الصديقَ الصالحَ فهوَ كمنَ يجالسُ حاملَ المسكِ، ومنْ يجالسُ صديقَ السوءِ، كمنَ يجالسُ نافخَ الكيرِ، وكمْ وكمْ للصحبةِ منْ أثرٍ في توجيهِ سلوكِ الإنسانِ إمّا إلى الخيرِ وإما إلى الشرِّ، فإنَّ لاختيارِ الصاحبِ في الدنيا دورًا مهمًا في تحديدِ المصيرِ يومَ القيامةِ؛ لأنَّ الصاحبَ الصالحَ يُبَصِّرُكَ بعيوبِكَ، وينصحُكَ إذا أخطأتَ، ولا يسكتُ على منكرٍ وقعتَ فيهِ، ويحفظُ عرضَكَ، ويكفُ ألسنةَ الناسِ فيدافعُ عنكَ، الصاحبُ الصالحُ أُنْسٌ لكَ في السعةِ والرخاءِ، وعدةٌ لكَ في الشدّةِ والبلاءِ، ثمَ بعدَ الموتِ لا ينساكَ من الدعاءِ.
وأمّا أصدقاءُ السوءِ فمنْ دأبِهم إضعافُ هِمـتِكَ وعزيمتِكَ، والسخريةُ منَ دينِك وعبادتِك، يجذبونَك إلى مجالسِ غضبِ اللهِ-سبحانه-؛ مجالسَ تمورُ بالشهواتِ والمنكراتِ، ثمَّ بعدَ ذلكَ تأتي العاقبةُ، حزنٌ وندامةٌ، وكمْ منْ إنسانٍ كانَ متجهًا إلى ما يرضي اللهَ-عزَ وجلَ-، يمضي نحوَ مجالسِ أهلِ الصلاحِ، ويقومُ على نشرِ الفضيلةِ والإصلاحِ، لكنّه لمّا ركنَ إلى أصدقاءِ السوءِ انجذبَ إليهم، فغيَّروا مسارَه واتجاهَهُ فكانَ منَ الخاسرينَ.
وكمْ منْ إنسانٍ كانَ تائهًا في مجالسِ الخنا والشرودِ، فمنَّ اللهُ عليهِ بصحبةٍ صالحةٍ انتشلتهُ مما هوَ فيهِ، فتحوّلَ إلى محرابِ العبوديةِ للهِ، فوجدَ عِزَّهُ وأُنسَهُ وسلواهُ معَ اللهِ، مع الذينَ يدعونَ ربهمْ بالغداةِ والعشيِ يريدونَ وجهَ اللهِ، فارتقى إلى مصافِ الصالحينَ في الدنيا، والمفلِحينَ في الآخرةِ.
أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فتلكَ نتائجُ الصحبةِ الصالحةِ والصحبةِ الطالحةِ في الدنيا، فما نتائجُها في الآخرةِ؟ أمَّا ضحيةُ صحبةِ السوءٍ في الدنيا، كنتَ تراهُ في المسجدِ، وفجأةً انقطعَ عنْ السجودِ للهِ بعدَ أنْ ذاقَ لذتَّهُ، أغمضَ عينيهِ، وأصمَّ أذنيهِ، ورمى بنفسهِ في أحضانِ فئةٍ ضالةٍ، فصارَ مظهرُهُ كمظهرِهمْ، وكلامُهُ ككلامِهمْ، وهيأتهُ كهيئتِهمْ، فحرَمَ نفسَه من الاستظلالِ بظلِ عرشِ اللهِ يومَ القيامةِ، معَ الأصنافِ السبعةِ الذينَ ذكرهمْ النّبيُ-عليهِ وآلهِ وصحبِه البركةُ والصلاةُ والسلامُ-وعدَّ منهمْ: "ورجلانِ تحابا في اللهِ: اجتمعا عليهِ، وتفرقا عليهِ..."، فيكونون في مأمنٍ منْ هولِ الموقفِ يومَ تدنو الشمسُ منْ رؤوسِ الخلائقِ، ويشتدُ عليهمْ الكربُ.
ثم يدخلونَ الجنةَ وتكونُ منزلتُهم كما قالَ النبيُ-عليهِ وآلهِ وصحبِه البركةُ والصلاةُ والسلامُ-: "قالَ اللهُ-عزَ وجلَ-: المتحابونَ في جلاليّ لهمْ منابرُ منْ نورٍ يَغْبِطُهمْ النبيونَ والشهداءُ"، فإنْ كنتَ ترى أنّكَ تحبُ الصالحينَ ولستَ منهمْ، أو أقلَّ منهم، فهمُ القومُ لا يشقى بهمْ جليسُهمْ، فأبشرْ، حُبُكَ لهم مع قُصورِ همتِك، وضعفِ عزيمتِك مُلْحِقٌ لكَ بهم، قالَ النبيُ-عليهِ وآلهِ وصحبِه البركةُ والصلاةُ والسلامُ-: "المرءُ معَ منْ أحبَّ"، والحديثُ بشارةٌ ووعدٌ لمنْ أحبَّ الصالحينَ حتى وإنْ كانَ منْ المقصرينَ، ونذيرُ ووعيدٌ لمنْ أحبَّ الفاسدينَ حتى وإنْ كانَ من العابدينَ.
فاحرصْ على مصاحبةِ منْ يُنْهِضُكَ حالُهُ، ويُذَكِّرُكَ باللهِ مقالُهُ، ويدعو لكَ بالرحمةِ غدًا إذا ما ارتحلتَ إلى اللهِ-عزَ وجلَ-، فالنبيُ-عليهِ وآلهِ وصحبِه البركةُ والصلاةُ والسلامُ- يقولُ: "المرءُ على دينِ خليلهِ فلينظرْ أحدُكمْ منْ يُخاللْ"، وقالَ مَحذِرًا: "لا تصاحبْ إلا مؤمنًا، ولا يأكلْ طعامكَ إلا تقيٌّ".وكانَ من دعائِهِ: "وأعوذُ بِكَ مِنْ صَاحِبِ السوءِ".
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنَّا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، اللهم إني أسألُك لي وللمسلمينَ الثَّباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ عَلى الرُّشدِ، وشُكرَ نِعمتِكَ، وحُسنَ عبادتِكَ، ولِسانًا صَادقًا، وقَلبًا سليمًا، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ، يا مصرفَ القلوبِ ومقلِبَها ثبتْ قلوبنا على دينِك وطاعتِك.
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، وأَسْأَلُكَ لي ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، والدينِ والأهلِ والمالِ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم.
اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ.
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ اللهِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1652435466_الصُحْبَةُ-12-10-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ يوسف العوض.docx
1652435469_الصُحْبَةُ-12-10-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ يوسف العوض.pdf