الرجولة وتربية النفس ..

عبدالله محمد الطوالة
1433/04/15 - 2012/03/08 20:22PM
أحبتي الكرام : بين يديكم خطبة رائعة  ، علماً بأنها ليست لي .. وكل ما فعلته شيء من التصرف اليسير .. جزا الله كاتبها كل خير .. ونفع به ..
عباد الله: اتقوا الله، فهي وصيةُ الله إليكم، وهي خيرُ لباسٍ في الدنيا، وخيرُ زادٍ إلى الآخرة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} ..
عباد الله: إنَّ من بالغِ حكمةِ الله عز وجل أن يجعلَ عباده درجات متباينة ، وفئات مختلفة ، وخلقهم مختلفين في الأرزاق وفي الأخلاق ، متباينين في العلمِ وفي نظرتهم للحياة، وفي فهمهم لحقيقةِ ما خُلِقوا من أجله، ثمَّ تمضي الحياةُ، وتطوى الأعمارَ ، ويصير كلٌ إلى ربه ، فمنهم من أعتقَ نفسه، ومنهم من أوبقها، منهم من يُقال له: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} ، ومنهم من يقال له : {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} ..
عباد الله : الحياةُ وأيامُها .. الزمان ولحظاته هبةُ الله لعباده، وهو في نفس الوقت بلاءٌ لهم واختبار؛ كيف يديرون هذه الحياة ؟ وكيف يستثمرونها؟ {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أجل: فاللهُ عزَّ وجل يهبُ الحياةَ لعبده، ويمدّهُ بأسبابها، ليبلُوه ماذا يعمل ، وكيف يعمل .. يقولُ الإمام ابن القيم: والناسُ قسمان: عِلْيَة شرفاء ، قد عرفوا الطريق إلى ربهم فسلوكه قاصدين الوصول إليه. وسَفَلةً لؤماء لم يعرفوا الطريق ولم يسلكوه {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} ..
ففهمُ الحياةِ على حقيقتها وتحقيقُ العبوديةِ التي من أجلها خلق، وتحمل مسؤولية الاستخلاف في الأرض بجدّية ، هي معارجُ النجاةِ وعوامل النجاح في الدنيا والآخرة، وهي كذلك سرّ عزِّ الأمةِ وسبب قوّتها ومجدها، فدولةُ الإسلام الأولى التي شيَّدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّما قامت على أكتافِ الرجالِ الأشدّاء، ذوي العزمِ والصدقِ والإباء، كالخلفاء الأربعة وبقية المبشرين العشرة، وغيرهم من نجوم الصحابة والتابعين، أولئكَ الرجالُ ومن شابههم من أفذاذِ الأمةِ في عصورها المتلاحقةِ ، الذين أسَّسُوا حياتهم على فهمٍ عميق وإيمانٍ وثيق وجدٍ متّواصل، فكان واحدهم كألف، بل إنَّ الأمةَ قد تمرُ بأزمةٍ شديدة أو منعطفاتٍ خطيرة فإذا واحدٌ من أبنائها وفردٌ من رجالاتها يمسكُ بزمامها، فيعصمها الله به من شرٍ عظيم، وخطرٍ ماحِق، كما فعل الصدِّيقُ يومَ الردّةِ، وكما فعلَ عُمرُ بن عبد العزيز حين غشَا الظلمُ والجور، وكما فعل أحمد بن حنبل يوم فتنة خلقِ القرآن، وكما فعل صلاح الدين حين استرد بيت المقدس ، وكما صاح قطز صيحته المشهورة وا إسلاماه .. كلُّ أولئك وغيرهم كثير .. إنَّما هم أفرادٌ وهبهم اللهُ من السماتِ والخصائص ما وهبهم، ثمَّ أدّبوا أنفسهم وربّوها، وأكسبُوها من خصالِ الجدِّ والعزم، والصدق والصبر ما أهَّلهم للقيادة ومن ثمَّ التأثير والتغيير .. {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا} ..
ولأجل ذلك فإنَّهُ لا عجب أن يمرَّ بالأمّةِ أزماتٌ ومحنٌ وشدائدُ، ولكنَّ العجبَ أن لا يخرجَ من أبنائها من يصُدَّ عنها .. العجب أن تنجحَ مشاريعُ الأعداءِ في تشتيتِ هممِ رجال الأمّة، وفي تسطيحِ اهتماماتِ شبابها، فلا يعرفون قيمةَ ذواتهم، ولا يدركون أدوارهم وواجباتهم ، ولا يُقدِّرون ما وهبهم اللهُ من طاقات وقدرات، فتضيعُ حياتُهم في الركضِ وراءَ المصالحِ الشخصية، والشهوات الدنِيّة، ولتبقى قضايا الأمةِ الأساسية المصيرية لا تُمنح إلاَّ القليل من المواهبَ المتواضعة، والأوقاتِ اليسيرة المتقطعة، والفكرِ السطحي العابر ..
تأملوا يا رعاكم الله هذا المشهد العجيب : فقد أخذ أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب مجلسهُ ثم قال لمن حوله : تمنّوا، فقال أحدهم: أتمنّى لو أنَّ هذه الدار مملوءة ذهبًا فأُنفقهُ في سبيل الله، ثم قال عمر: تمنّوا، فقال آخر: أتمنّى لو أنَّها مملوءة بأغلى الجواهر فأنفقهُا في سبيل الله ، ولا زالَ عمر رضي الله عنه يقولُ لهم: تمنّوا حتى قالوا: ما ندري يا أميرَ المؤمنين، ما نتمنى غير هذا، فقال عُمر: أما أنا فأتمنّى لو أنَّها مملوءة رجالاً مثلَ أبي عبيدةَ بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حُذيفة، وحذيفةَ بن اليمان ، فاستعملهم في طاعة الله ..
يا لروعتك يا أمير المؤمنين .. فلقد كان مشغولاً بالأفرادِ الأفذاذ .. الذين تكاملَ تكوينهم إيمانًا وعلمًا .. وصدقًا وصبرًا .. وتضحيةً في سبيلِ الله وبذلاً، أولئكَ في حس أمير المؤمنين أنفعُ للأمةِ من الذهبِ ونفيس الجوهر .. لأن هؤلاءِ الرجال هم الذين يُغيّرون مَجْرى التاريخ، وهم مَن تقومُ عليهم الحضارات، وتسيرُ بهم في الآفاقِ المبادئ والدعوات .. ولذلك قال من قال: "يا له من دين لو كان له رجال" ! .. هذا الدين الذي يشكو من قلة الرجال .. مع أنه يضم بين أتباعه ما يزيد على ألف مليار مسلم، ينتسبون إليه، ويحسبون عليه، ولكنهم كما قال عليه الصلاة والسلام: ((غثاء كغثاء السيل)) ..
ثقوا جيداً أيَّها الأحبة: أن في كلِ فردٍ منَّا خصائص وصفات، ومواهب وقدرات، لو أخدمها للإسلامِ لتغيّرَ طعم الحياةِ في حسه ، ولشعرَ بعلو قيمته وقدره ، والرائع في الأمر أن الإسلام لا يريدُكَ أن تُغيّر مُيُولَك، أو أن تلغي صفاتِك وشخصيتك ، أو أن تنسى نفسك .. وإنَّما يُريدُك أن توجّه طاقاتك الوجهةَ الصحيحة، يُريدُك أن تزدادَ بها شرفًا ورفعةً، ويُريدُها أن تزيدَك قُربًا من ربك وحباً .. فمن كان قويًا شُجاعًا مِقْدامًا! فعلام يضيعُ ذلك في العبثِ والمغامرات الرياضية، والإسلامُ بأمسِ الحاجةِ إلى شُجاعٍ يُقدِّمُ نفسه يصدع بالحقِ؟ لا يخشى في الله لومة لائم ، ومن كان بليغًا فصيحًا فدُونهُ دعوة الحقِّ، فهي أحقُّ بمن كان ناصعاً بيانُه، فصيحًا لسانُه .. ومن كان رقيق القلبِ سخيّ النفس ليّن الطبع، ففي الأمةِ من هُم بأمسِ الحاجةِ لفؤادٍ رؤوف، وقلبٍ عطُوف، إنه التطبيق العملي لذالك التوجيه النبي الكريم: "اعملوا .. فكلٌّ مُيسّرٌ لما خُلِق له" ..
جميعنا يعرف بأن عُمر بن الخطاب رضي الله كان رجلاً قويًّا مقداماً، شُجاع القلبِ والرأي، وأنه إذا اعتنق رأيًا صدعَ به ونافحَ عنه، وأنه كان قويًّا في المواجهةِ، قادرًا على التحدّي، ولذلك نالَ المسلمينِ منه قبل إسلامه ما نالهم منهُ .. فلمَّا هداهُ الله للإسلامِ بقيت سماتُهُ وصفاته وشخصيته كما هي، إلا أنه حوّلَ تلك الخصائصَ إلى خدمةِ الإسلام ، واستثمرها في الدعوةِ للحقِ والدفاعِ عنه، فالذي كان في الماضي يتهدّدُ الرسول الله صلى الله عليه وسلم، أصبحَ بعد إسلامه يصرخُ في وجوهِ الكُفار بشهادة الحق، ويقول بأعلى صوته : (أحلف بالله لو قد كُنَّا ثلاثمائة رجلٍ لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا)، يعني: لقاتلناكم على مكةَ حتى تكون لنا أو لكم .. فقوّته المُهدرةُ قبل الإسلامِ أصبح يُتاجرُ بها مع الله، ويشتري بها الجنة .. وخالدُ بن الوليد رضي الله عنه الذي كان يُهدِرُ فروسيتهُ وخبرتهُ القتالية من أجلِ أهدافِ القبيلة، أصبحَ بعد إسلامه يستثمرُها لخدمةِ الدين ونشر الإسلام، فكان رضي الله عنه يقولُ: (ما ليلة تُهدى إليَّ فيها عروس أنا لها محب، بأحب إلىَّ من ليلةٍ شديدةُ الجليدٍ أبيتُّ فيها مع نفرٍ من المهاجرين أُصبِّحُ بها العدو) ..
أجل يا شباب الإسلام: إنَّ الخسارةَ كل الخسارة أن يَهبَك اللهُ عقلاً سليمًا، وجسمًا صحيحًا، ويُنعمُ عليك بما لا يحصى من النِّعم، والمواهبِ، والقدراتِ، ويمد في عمرك سنوات وسنوات، ثم تضيعُه وتهدره في تافهِ الاهتمامات، وهل أعظمُ من أن يخسرَ الإنسانُ نفسه؟! {ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} ، {والعصر * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} .. ولذلك سمّى اللهُ يوم القيامة بيوم التغابُن ؛ لأنَّ فيه غَبْنًا وحسرةً ، وألمًا وندامةً ، هناك سيتبين للمغبونين كم من الفُرصٍ أضاعوا ، وكم من القُدراتِ أهدروا ، وكم من المواهبَ أهملوا، وكم من الأوقات ضيعوا .. وهناك (يا عبادالله) في يومَ القيامةِ سيُنادَى كلٌ بحسبِ اهتماماتهِ في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم : ((فمن كان من أهلِ الصلاةِ دُعي من باب الصلاةِ ، ومن كان من أهلِ الجهادِ دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهلِ الصيامِ دُعي من باب الرّيّان ، ومن كان من أهلِ الصدقةِ دُعي من باب الصدقة)) ، فقال أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه ذو الهمةٍ العاليةٍ: يا رسول الله: ما على أحدٍ يُدعى من هذه الأبواب من ضرورة ؟ فهل يُدعى أحدٌ من تلك الأبوابِ كلها؟ قال صلى الله عليه وسلم : ((نعم، وأرجو أن تكون منهم)) .. يا له من رجل .. هوايته المفضلة ، أن يجمع الخير من أطرافه كلها .. 
إنَّ جماع الخيرِ ، ومِعْراج الفلاح ، أن تربّي نفسك على أن تعشق المعالي والأهداف العظيمة، أن تعرف قيمةَ ذاتك ، وأن تنعتق من الدَّورانِ حولَ نفسك ؛ فليست الحياةُ الكريمةُ أن تلبسَ أحسنَ اللباس، ولا أن تسكُن فارِهَ المسكن، ولا أن تحوز أضخمَ الأرصدةِ، ليس ذلك هو النجاحُ، وليس هذا هو التفوقُ، بل هو الإخفاقُ بعينه إن قصُرت الهمةُ عليه ، وليس ذلك من عندي .. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تعس عبدُ الدينار، تعس عبدُ الدرهم، تعس عبدُ الخميصةِ، إن أُعطي رضي، وإن لم يُعط منها سخط، تعس وانتكس، وإذا شِيكَ فلا انْتَقَش)) .. انظر كيف نعتهُ رسول الله بالعبوديةِ للدرهمِ والدينار والخميصةِ، وليس بعد ذلك من دناءة ، ذلك هو وصفُ أهلِ الدنيا المشتغلين بها ، الذّاهِلين عمّا خُلِقوا لأجله ، فلا يَعنيهم شيءٌ من أحوال أمتهم ولا دِينهم. ثمَّ يمضى الحديثُ الشريف ليذكر صنفًا يُقابلُ هذا الصنف الـمُعاب ويُعاكسه، فيقولُ صلى الله عليه وسلم : ((طوبى لعبدٍ آخذٌ بعنان فرسه في سبيل الله ، أشعثٌ رأسه ، مغبرّةٌ قدماه ، إن كان في الحراسةِ كان في الحراسةِ ، وإن كان في السَّاقةِ كان في السَّاقة ، إن استأذنَ لم يُؤذن له ، وإن شفعَ لم يُشفَّع)) .. وما شأنه بالغافلين .. إنه عالِ الهمة, كبيرُ الهدف، عظيمُ النفس، حتى وإن بدا في أعين الناسِ متواضعاً لا يؤبه له، فذلك لن يضرهُ ، طالما قال فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: (طُوبى له) .. إي وربي : طوبي له ..
إذن فاعلموا يرحمكم الله ، أنَّ الإسلامَ يأبى لأتباعه أن يُمضوا حياتهم سبهللا .. الإسلام: ينأى بأهله أن تتصرم أيامهم وهم صرعى شهواتٍ، أُسارى ملذاتٍ .. الإسلام: لا يرضى للمسلم أن تتضاءلَ أهدافُه حتى تنحصرَ في جمعِ مالٍ ، أو تَبَوُّءِ منصبٍ ، أو بناء بيتٍ أو نحو ذلك ، ولو كانت هذه هي أهدافُ المؤمن .. فما الفرقَ بينه وبين غيرهِ ممن حُرم نورَ الإيمان .. أبدً .. أبداً .. المنهج الحق لا يرضى لمؤمنٍ أن تسيرهُ الشهوات ، أو أن يتحكم فيه تحصيل الملذّات ، ميت في ثوب حي .. مستبدِلُ للنفيس بالدنيء .. مشتتٌ وقلبُهُ في كلِ وادٍ هائم .. يعُدُّ نفسه منتبهُ وهو في الغطيط نائمٌ ..
فانتبه واسمع بقلبك قبل إذنك: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} ..
يا عباد الله : إذا بلغَ الإنسان رُشدهُ .. واستوي على أشدّه ؟! .. ولم يربِّ نفسهُ ؛ فمن يُربّيه ..
قد هيئوك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
بارك الله ..
الحمد لله وكفى ..
أما بعد : فقد جاء في الحديث الصحيح : ((إنما الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)) .. الرجل الكفء الصالح هو عماد الرسالات ، هو روح النهضة ، ومحور الإصلاح ..
أعِدَّ ما شئت من معامل السلاح والذخيرة ، لن تتحرك الأسلحة إلا بالرجل المحارب ..
صُغ ما شئت من مناهج التعليم والتربية ، لن يقوم المنهج إلا بالرجل الذي يدرِّسه ..
أنشئ ما شئت من المكاتب والدوائر والمصالح ، لن تنجز الأعمال إلا بالرجل الكفء ..
هذا ما يقوله الواقع .. {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} .. {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} .. {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} ..
والقوة ليست بحد السلاح .. بقدر ما هي في قلب الجندي .. (وعندَ غزة وحمص الخبر اليقين) .. وكذلك التربية فليست في بطون الكتب والبرامج الإعلامية .. بقدر ما هي في روح المعلم .. وكذلك إنجاز المشروعات وتحقيق النجاحات .. ليس في تضخم المكاتب وتلميع أصحابها .. بقدر ما هو في حماسة وكفاءة القائمين عليها ..
يا معشر الشباب: الرجولة أفعال وليست أشكال .. مخابرُ لا مناظر .. فكم من شيخ في السبعين وقلبه في سن السابعة، يفرح بالتافه، ويبكي على الحقير، ويتعلق بالقشور ..
وكم من غلام صغير العمر، ولكنك ترى مخايل النجابة والرجولة في قوله وعمله ، وفكره وخلقه ..
ألم يمر الفاروق رضي الله عنه على ثلة من الصبيان يلعبون في أحد أزقة المدينة فهرولوا كلهم، إلا صبي واحد .. وقف ثابتاً في مكانه، فسأله: لِمَ لَمْ تهرب مع أصحابك ؟ فقال: يا أمير المؤمنين لم أقترف ذنباً فأخافك، وليست الطريق ضيقةً فأوسعها لك!!
لله درك يا بن الزبير .. ما أجمل الموقف ، وما أحلى الكلام ..
وغلام آخر يدخل على هشام بن عبدالملك ليتحدث باسم قومه، فقال له الخليفة: ليتقدم من هو أسن منك يا غلام، فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان الأمر بالسن لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة، المرء بأصغريه قلبه ولسانه ... يا لله .. كم هو رجل .. وإن كان في صورة غلام ..
نعم: فالرجولة ليست في بسطة الجسم، ولا في طولِ القامة، فلقد قال الله عن طائفة من المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـٰمُهُمْ} ومع هذا فقد ذمهم بالبلادة والجبن: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} وجاء في الحديث الصحيح: ( يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة)، واقرءوا إن شئتم قول المولى تبارك وتعالى: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَزْناً} .. أولم يكن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مع شهرته وعظيم منزلته .. قصيراًً نحيلاً، ولقد انكشفت ساقاه ذات يوم بين الرفاق ، فإذا هما دقيقتان هزيلتان فضحك بعض الصحابة : فقال صلى الله عليه وسلم: (أتضحكون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد)) ..
إذن فالرجولة ليست بالسن ولا بالجسم ، ولا بالمال ولا بالجاه ، الرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور، وتبعده عن سفسافها، قوةٌ تجعله كبيراً في صغره ، غنياً في فقره، قوياً في ضعفه، قوةٌ تحمله على أن يعطي قبل أن يأخذ ، وأن يؤدي واجبه قبل أن يطلب حقه ..
يعرف واجبه نحو نفسه ، ونحو ربه ، ونحو بيته ، ونحو دينه ، وأمته ..
الرجولة بإيجاز هي قوة الخُلُق وخُلُق القوة ..
اللهم صل ...
المشاهدات 6440 | التعليقات 7

جزيت خيرا..


جزاك الله خيرا


جزيت خيرًا ووفقك الله ، وعلى هذا الرابط خطبة في الموضوع نفسه للعبد الفقير إلى عفو ربه :

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/174292


جزاك الله خيرا يا شيخ عبدالله على هذه الخطبة الطيبة

وهذه خطب مختارة بعنوان: الرجولة الحقة


جزاك الله كل خير


الله الله الله
هذه ليست مجرد خطبه
بل هي قنبلة
شكرا لك شيخنا الفاضل


المشايخ الكرام : (اعصار السلام - شبيب القحطاني - الشيخ المفضال عبدالله البصري - الشيخ المفضال مازن النجاشي - ابوهشام - راشد الناصر )

شرفتموني بمروركم العطر - جزيتم الجنة -

دمتم بخير