الديموقراطية ... الدين الأمريكي الجديد ( 2 )الديمقراطية والتحاكم إلي الطاغوت
جابر السيد الحناوي
إلي الطاغوت
[align=justify]
الإخوة المصلون :
[align=justify]تعيش الأمة الإسلامية اليوم في كثير من بلدانها في ظل وضع يتفاقم ويزداد فيه الفراغ ، وتتسع فيه دائرة الخطر يوماً بعد يوم ، بسبب ما أصابنا من المحن والفتن والتفرق والاختلاف ، وفي ظل هذا الواقع المر الذي يندى له الجبين ، ويحزن له المؤمنون ، ترتفع أصوات الأمة - حكاما ومحكومين - إلي الحاجة إلى ما يصلح الأوضاع ، ويكشف الغمة ويمنع الفساد والشرور والفتن التي تداعت علينا من كل حدب وصوب .
والذي يتمعن في نصوص الوحي الإلهي ـ القرآن الكريم والسنة المحمدية ، يلاحظ بكل وضوح أن الوحي قد رسَخ في نفوس المسلمين أنَّ في الإيمان بالله وما جاء به رسوله صلي الله عليه وسلم على وجه الانقياد والتسليم كفالةً لسعادة الدارين ، وأنّ من أعرض عن ذلك الانقياد وحُرِم ذلك التمسُّكَ فقد حُرِم التوفيقَ والسعادة ، واستحالت حياته ضنكا وشدة وشقاء ، يقول الله عز وجل :" وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى " ( )
فالمعني : أن من خالف أمري ، وما أنزلته على رسولي ، وأعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه " فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا " في الدنيا ، فلا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره ضيق حَرَج لضلاله ، وإن تَنَعَّم ظاهره ، ولبس ما شاء وأكل ما شاء ، وسكن حيث شاء ، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى ، فهو في قلق وحيرة وشك ، فلا يزال في ريبه يتردد ، وهذا من ضنك المعيشة. ( )
وعلي العكس من ذلك نجد أن من صح إيمانه ، واطمأنت به نفسه ، ولم يطلب غير الله سبحانه وتعالي ، ولم يسع في غير طريق الإسلام ، ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد صلي الله عليه وسلم فلا شك في أن من كانت هذه صفته فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه ، وذاق طعمه ؛ لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته ونفاذ بصيرته ؛ ومن رضي أمرا سهل عليه ، فكذا المؤمن إذا دخل قلبَه الإيمان سهل عليه طاعات الله عز وجل ولذت . ( ) وهذا مصداق قول حبيبِنا صلي الله عليه وسلم : " ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا " ( )
فلا طعمَ للإيمان بلا أمان ، ولا أمان بلا رضًا بشريعة الله ، ولا استقراربغير تطبيق لها في جميع شؤونِ الحياة بلا استثناء ، وهذا ما نطالعه من ثنايا قوله سبحانه وتعالي : " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"( )
فالتحاكم إلى شريعة الإسلام من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، وبمفهوم المخالفة فإن التحاكم إلى الطواغيت والرؤساء والقوانين الوضعية التي يتحاكم إليها الناس اليوم ، كأفراد وجماعات ودول ينافي الإيمان بالله عز وجل وهو كفر وظلم وفسق ، مما يفرض علينا أن نتذكر بعض الأمور وأن ننبه لبعض المحاذير .
أيها المسلمون :
أول هذه المحظورات أن الديمقراطية تحاكم إلى الطواغيت :
إن الديمقراطية التي تساق مساق المدح والثناء هذه الأيام ، وفتن بها بعض المسلمين ، وبحت حناجرهم بالمناداة بها ، تعني : حكم الشعب بنفسه ، وذلك بأن يكون الشعب هو مصدر التشريع ، فله الحق في إصدار ما شاء من قوانين ، وإلغاء ما يريد من أنظمة سابقة إذا كانت هذه رغبة الأكثرية ، وهذا هو عين التحاكم إلى الطواغيت المنهي عنه في قوله سبحانه وتعالي: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً " ( )
وكما فتن بالاشتراكية بعض المسلمين ، وحاولوا أن يصبغوها صبغة إسلاميّة ، فقد فتن بعض المعاصرين من المسلمين أيضا بالديمقراطية ، وهم يحاولون جاهدين صَبغها بصبغة إسلامية ، وأنى لهم ذلك فالديمقراطية تعني أن مصدر التشريع والتحليل والتحريم هو الشعب وليس الله ، ويتم ذلك عن طريق اختياره لممثلين ينوبون عنه في مهمة التشريع وسن القوانين ، وهذا مناقض لأصول الدين والتوحيد ، يدل على ذلك قوله سبحانه وتعالي : " إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ " ( ) وقوله عز وجل : " وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً " ( ) وقوله سبحانه وتعالي : " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ " ( ) وقوله عز وجل : " وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ " ( ) وقوله سبحانه وتعالي : " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ " ( ) فهم أرباب من دون الله لماَّ اعترفوا لهم بحق التشريع والتحليل والتحريم من دون الله تعالى .
ثانيا : الديمقراطية تقوم على حرية الاعتقاد والتدين :
فللمرء في حكم الديمقراطية أن يعتقد ما يشاء ، ويتدين بالدين الذي يشاء ، ولو أراد أن يرتد من الإيمان إلى الكفر فلا يؤاخذه أحد ، أما حكم الإسلام فهو على النقيض من ذلك ، قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : " مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ " ( ) فاقتلوه وليس فاتركوه ، و قَالَ صلي الله عليه وسلم : " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ " ( )
ثالثا : الديمقراطية تقوم على الحرية الشخصية المطلقة للفرد :
فالمرء له ـ في ظل الديمقراطية ـ أن يفعل ما يشاء ، من الموبقات والفواحش والمنكرات ..وله الحرية في التعبير والإفصاح من غير حسيب ولا رقيب ! وفي هذا إقرار للمنكرات وتعطيل للحدود كما أن فيه إشاعة الفاحشة قال الله سبحانه وتعالي :" الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ" ( ) وقال سبحانه وتعالي : " إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُـمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ " ( )
رابعا : تقوم الديمقراطية على حرية تشكيل الأحزاب :
وعلي حرية تشكيل التكتلات السياسية وغير السياسية أيَّاً كانت عقيدة وأفكار ومناهج هذه الأحزاب والتكتلات ، ولها تمام الحرية في نشر كفرها وباطلها وفسادها بين البلاد والعباد وهذا يعني ـ من منظور الشرع ـ يعني الإقرار طواعية بشرعية وحرية الكفر والشرك والفسق والإفساد ، وهذا مناقض لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرفي الإسلام ، كما قال سبحانه وتعالي : " الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ" ( ) وقال سبحانه وتعالي : " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " ( ) وفي السنة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" ( ) وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ : مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا" ( )
بالإضافة إلي أن الاعتراف بشرعية الأحزاب المختلفة يؤدي إلى تفريق الأمة ، وإضعاف شوكتها ، وهذا مناقض لقوله سبحانه وتعالي : " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا" ( ) ولقوله سبحانه وتعالي : " وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم " ( )
الإخوة الكرام :
والعجيب أن الذين ينادون بالديموقراطية في بلادنا هم أول من ينقضون مبادئها ، يريدونها ديموقراطية مفصلة علي قدهم ، ففي الوقت الذي تقوم ديموقراطيتهم أول ما تقوم علي حرية تشكيل الأحزاب ، أيَّاً كان انحراف وفساد عقيدة وأفكار ومناهج مؤسسيها ، نجدهم يصممون علي محاربة السماح لأحزاب تقوم علي أساس الدين الإسلامي ، رغم أن جميع دول العالم الديموقراطية التي تحركهم والتي ينقلون عنها مبادئهم ، لاتخلوا من الأحزاب الدينية ، مثلا الحزب المسيحي الديموقراطي الألماني ، حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي بولاية بافاريا ، الحزب المسيحي الإصلاحي في هولندا ، الحزب المسيحي الاسكتلندي ، والحزب المسيحي لويلز، والحزب الشعبي الديمقراطي المسيحي وثلاثتها بالمملكة المتحدة ، والحزب الديموقراطي المسيحي بجنوب أفريقيا ، والحزب المسيحي بولاية كاليفورنيا ، والحزب المسيحي بولاية كارولينا الشمالية ، والحزب الكاثوليكي والحزب المسيحي الاجتماعي في بلجيكا ... الخ القائمة وكلها كما نري تعلن هويتها الدينية بلا مواربة ، بل إن المسيحيين في مصر أسسوا لهم مواقع مسيحية علي الشبكة العنكبوتية ، منها موقع الحزب المسيحي الحر علي الفيس بوك كنواة لتكوين حزب سياسي ، بل إن دولة الكيان الصهيوني التي تعد نفسها رائدة الديموقراطية في الشرق الأوسط لاتخقي أنها قائمة علي أساس ديني ، فلماذا هذا الحظرالمتعمد علي تأسيس أحزاب علي أساس الدين الإسلامي ؟؟ بل أكثرمن ذلك قرأت بإحدى الصحف بالأمس ( الخميس 28/4/ 2011) أن أحد العلمانيين الذين تعدهم أمريكا لرئاسة الجمهورية في مصر ، يطالب المجلس العسكري بأن يضع في الدستور مادة تضمن قيام دولة مدنية في مصر ، سبحان الله هل وصل بكم التغابي إلي هذه الدرجة ؟؟؟. هل حرية الديموقراطية هي لكم فقط وللمسلمين لا ؟؟؟
إن الحسنة الوحيدة للديموقراطية ، إن كان ثمة حسنات ، هي حرية الانتخابات ، وهي وإن كانت صفة ليست علي إطلاقها في كافة الدول التي تدين بالديموقراطية ، إلا أن شعوبنا التي عانت من تزوير نتائج الانتخابات والاستفتاءات ردحا من الزمن قد فتنت بهذه الخاصية ، حتي باتوا يعتقدون خطأ أن هذا هو المقصود بالديموقراطية ، وقر في مخيلتهم أن الديموقراطية ما هي إلا انتخابات وشفافية في صندوق الانتخاب فقط ، دون وعي منهم أنها دين جديد يراد له أن يكون بديلا عن دين الإسلام ، رغم أن هذه الصفة ـ الانتخابات وشفافيتها ـ يمكن أن تتحقق في ظل أي نظام للحكم ، بل هي في ظل الإسلام الصحيح أكثر تحققا وواقعية ، إذ عندهم الغاية تبرر الوسيلة ، أما في ظل الإسلام فلا غش ولا تزوير لأن : " من غشنا فليس منا " و " كل مايؤدي إلي الحرام فهو حرام ... " ومن ثم فإن أي اقتراع في ظل الإسلام ستكون نتيجته أكثر شفافية وصدقا عنه تحت أي نظام حتي ولو كان ديموقراطيتكم .
ومن هذا المنطلق فإنني شخصيا ، وأعتقد أن كل مسلم غيورعلي دينه ووطنه يشاركني هذا الرأي ، لا أمانع في فتح الباب علي مصراعيه لتكوين الأحزاب مهما كانت مبادئها ، ورغم أن مصر بلد إسلامية ولا يجب شرعا أن يسمح فيها بهذا الهراء ، ولكنه من منطلق عدم إعطاء الفرصة لأحد بأن يتقول بأن الإسلام يحجر علي حرية الآخرين ، ولكن بشرط عدم الحظر علي تكوين الأحزاب علي أساس دين الإسلام ، وتعطي الفرصة بالتساوي للجميع ، ثم يترك الفصل بعد ذلك لصندوق الاقتراع .
إنها قضية الحكم والشريعة والتقاضي - ومن ورائها قضية الألوهية والتوحيد والايمان - والقضية في جوهرها تتلخص في الإجابة على هذا السؤال :
أيكون الحكم والشريعة والتقاضي حسب مواثيق الله وعقوده وشرائعه التي استحفظ عليها أصحاب الشرائع السماوية واحدة بعد الأخرى ؛ وكتبها على الرسل ، وعلى من يتولون الأمر بعدهم ليسيروا على هداهم ؟ أم يكون ذلك كله للأهواء المتقلبة ، والمصالح التي لا ترجع الى أصل ثابت من شرع الله ، والعرف الذي يصطلح عليه جيل أو أجيال؟
وبتعبير آخر : أتكون الألوهية والربوبية والقوامة لله في الأرض وفي حياة الناس ؟ أم تكون كلها أو بعضها لأحد من خلقه يشرع للناس ما لم يأذن به الله ؟
الله - سبحانه - يقول : إنه هو الله لا إله إلا هو . وإن شرائعه التي سنها للناس بمقتضى ألوهيته لهم وعبوديتهم له ، وعاهدهم عليها وعلى القيام بها ؛ هي التي يجب أن تحكم هذه الأرض ، وهي التي يجب أن يتحاكم ، إليها الناس وهي التي يجب أن يقضي بها الأنبياء ومن بعدهم من الحكام . .
والله - سبحانه - يقول : إنه لا هوادة في هذا الأمر ، ولا ترخص في شيء منه ، ولا انحراف عن جانب ولو صغير ، وإنه لا عبرة بما تواضع عليه جيل ، أو لما اصطلح عليه قبيل ، مما لم يأذن به الله في قليل ولا كثير!
والله - سبحانه - يقول : إن المسألة - في هذا كله - مسألة إيمان أو كفر؛ أو إسلام أو جاهلية ؛ وشرع أو هوى ، وإنه لا وسط في هذا الأمر ولا هدنة ولا صلح ! فالمؤمنون هم الذين يحكمون بما أنزل الله - لا يخرمون منه حرفاً ولا يبدلون منه شيئاً - والكافرون الظالمون الفاسقون هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله ، وأنه إما أن يكون الحكام قائمين على شريعة الله كاملة فهم في نطاق الإيمان ، وإما أن يكونوا قائمين على شريعة أخرى مما لم يإذن به الله ، فهم الكافرون الظالمون الفاسقون ، وأن الناس إما أن يقبلوا من الحكام والقضاة حكم الله وقضاءه في أمورهم فهم مؤمنون . . وإلا فما هم بالمؤمنين . . ولا وسط بين هذا الطريق وذاك ؛ ولا حجة ولا معذرة ، ولا احتجاج بمصلحة ، فالله رب الناس يعلم ما يصلح للناس ؛ ويضع شرائعه لتحقيق مصالح الناس الحقيقية ، وليس أحسن من حكمه وشريعته حكم أو شريعة .
وليس لأحد من عباده أن يقول : إنني أرفض شريعة الله ، أو إنني أبصر بمصلحة الخلق من الله . . فإن قالها - بلسانه أو بفعله - فقد خرج من نطاق الإيمان . . ( )
هذه هي أخطر قضية من قضايا العقيدة الإسلامية ، والمنهج الإسلامي ، ونظام الحكم والحياة في الإسلام . . وهي القضية التي عولجت في نصوص تقريرية صريحة ، تتخذ شكلاً محدداً مؤكداً ؛ يدل عليها النص بألفاظه وعباراته ، لا بمفهومه وإيحائه . . في آيات متتاليات من كتاب الله ، قال الله سبحانه وتعالي: " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْكَـافِرُونَ " ( ) وقال سبحانه وتعالي : " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ " ( ) وقال سبحانه وتعالي :" وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْفَـاسِقُونَ"( )
وهنا مكمن الخطورة ، و مدي الهاوية التي ينزلق إليها الذين ينعقون بغير فهم ، ويطالبون بغير علم ، بأن تكون دولهم علمانية أو مدنية أو ديموقراطية .
فالواجب على عامة المسلمين وحكامهم وأهل الحل والعقد فيهم أن يتقوا الله عز وجل ويحكّموا شريعته في بلدانهم ، ويقوا أنفسهم وشعوبهم عذاب الله في الدنيا والآخرة ، وعلى عامة المسلمين في كل بلادِ العالم أن يطالبوا حكامهم بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله محمد صلي الله عليه وسلم فلن تصلح أحوالهم إلا إذا عادوا إلى الله سبحانه وتعالي ، وسلكوا سبيله المستقيم ، قال تعالى : " الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ " ( ) .
فلا بديل للمسلمين عن الحكم بالشريعة ، فالشريعة عدل الله بين عباده ، ورحمته بين خلقه ، وهي نوره الذي أبصر به المبصرون ، وهداه الذي اهتدى به المهتدون ، وشفاؤه التام ، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل ، فالشريعة قرة العيون ، وحياة القلوب ، ولذة الأرواح ، فبها الحياة ، والغذاء ، والدواء ، والنور، والشفاء ، والعصمة ، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها ، وحاصل بها ، وكل نقص في الوجود ، فسببه من إضاعتها ، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله صلي الله عليه وسلم هي الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة. ( مناقضة الديموقراطية للإسلام : حاطب خير بتصرف كبير )
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي )[/align][/align]
المشاهدات 3676 | التعليقات 6
خطبة حول الموضوع
https://khutabaa.com/forums/موضوع/136856
[align=justify]شيخنا أبا عبد الرحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعتقد أن الموضوع لا يحتاج إلي مزيد تأصيل لأن هذه الأحزاب التي نسمع عنها في ظل الديموقراطية لا يجب أن توجد أصلا في البلاد الإسلامية لتنافي مبادئها مع أصول الإسلام ، ولأنها تقوم علي أساس إنكار العقيدة الإسلامية ، ولهذا قلت صراحة أن : " مصر بلد إسلامية ولا يجب شرعا أن يسمح فيها بهذا الهراء " بل أكثر من ذلك فإنني أدعو الأحزاب التي تنتمي أو تنوي أن تنتمي إلي أحزاب إسلامية ( مثل الإخوان أو السلفيين ) عدم المشاركة في هذه اللعبة طالما أنه لا يسمح بتكوين أحزاب علي مبادئ وأسس دينية كما جاء في الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 ، إذ المقصود من ذلك حظر تكوين أحزاب إسلامية ، ولا يعقل أن يسمح لكافة التيارات بتكوين أحزاب تعمل علي نشر مبادئها الفاسدة في المجتمع بكل حرية ، ثم لا يسمح للمسلمين بنشر مبادئ الإسلام في بلد يدعي أن دينه الرسمي هو الإسلام ، بالإضافة إلي أن حظر تكوين الأحزاب الإسلامية يتعارض هذا الحظر مع مبادئ لعبتهم الديموقراطية التي تدعي السماح بالحرية للجميع ، هذا إن كان لديهم مبادئ من الأصل .
ومن هنا يتضح أن ما طرحته هو من قبيل ملاعبتهم بأصول لعبتهم ، التي انقلبت عليهم سابقا في الجزائر من قبل ، وستنقلب عليهم بإذن الله في مصر ؛ إذ أن شعب مصر شعب متدين بفطرته ، ولا يغرنكم ارتفاع نباح الكلاب الليبرالية والعلمانية ...الخ ؛ فإنها لا تعبر عن الشعب المصري الأصيل ، وبالمثل فإنها لا تعبر عن أي شعب في أي دولة من الدول العربية التي ارتفعت فيها في الآونة الأخيرة .
أرجو أن يكون في هذا شئ من البيان .
وأشكركم علي ملاحظاتكم المنيرة ... التي اشتقنا إليها كثيرا فلا حرمنا الله منها .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/align]
الشيخ مازن المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جاء في آخر فقرة من الخطبة العبارات التالية :
( فالشريعة التي بعث الله بها رسوله صلي الله عليه وسلم هي الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
( مناقضة الديموقراطية للإسلام : حاطب خير بتصرف كبير )
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي )
كما نري كانت آخر حاشية من حواشي الخطبة هي الإشارة غلي خطبة الشيخ / حاطب خير وهذا من قبيل الأمانة العلمية وإرجاع الفضل لأهله ، لكن لأسباب فنية ، لم تظهر الحواشي ، فعمدت إلي الإشارة إلي خطبة الشيخ / حاطب خير ، بين قوسين كبيرين في موضع الحاشية ، ومن يقدر له أن يرجع إلي نفس الخطبة في المواقع الأخري التي أكتب فيها ، وتظهر بها الحواشي يتبين له ذلك جيدا .
مع العلم بأن إخفاء الحواشي غير متعمد ، بل إن هذا الخلل الفني لا يقابلني إلا في التعامل مع ملتقانا هذا وأعاني منه الكثير في إنزال موضوعاتي ، فياليتكم تجدون لهذا الخلل حلا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلا بك يا شيخ جابر
هناك طريقة لتفادي هذه المشكلة وهي:
أن تلصق خطبتك في (مفكرة) Notepad ثم انسخها وضعها في المنتدى وستزول المشكلة بإذن الله
أهلا بك يا شيخ جابر
هناك طريقة لتفادي هذه المشكلة وهي:
أن تلصق خطبتك في (مفكرة) notepad ثم انسخها وضعها في المنتدى وستزول المشكلة بإذن الله
لاحرمنا الله من توجيهاتكم
أبو عبد الرحمن
.................................................
ومن هذا المنطلق فإنني شخصيا ، وأعتقد أن كل مسلم غيورعلي دينه ووطنه يشاركني هذا الرأي ، لا أمانع في فتح الباب علي مصراعيه لتكوين الأحزاب مهما كانت مبادئها ، ورغم أن مصر بلد إسلامية ولا يجب شرعا أن يسمح فيها بهذا الهراء ، ولكنه من منطلق عدم إعطاء الفرصة لأحد بأن يتقول بأن الإسلام يحجر علي حرية الآخرين ، ولكن بشرط عدم الحظر علي تكوين الأحزاب علي أساس دين الإسلام ، وتعطي الفرصة بالتساوي للجميع ، ثم يترك الفصل بعد ذلك لصندوق الاقتراع .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي )[/align][/align]
أخي الشيخ قد يحتاج هذا الأمر إلى مزيد تحرير وتأصيل .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعديل التعليق