منـاقـضــة الـــديمـقــراطيــة للإســلام

حاطب خير
1432/05/10 - 2011/04/14 15:03PM
بسم الله الرحمن الرحيم
مناقضة الديمقراطية للإسلام
تُعاني أمّتُنا في كثيرٍ مِن بُلدانها المِحَنَ والفتَنَ والتفرُّقَ والاختلافَ؛ مما يندَى له الجبينُ ويحزنُ له المؤمنون. ألا وإنَّ الأمّةَ اليوم -حُكَّامًا ومحكومين- بحاجةٍ إلى ما يُصلح الأوضاعَ ويرفَع الآلام، ويَكشِف الغُمَّة ويمنع الفسادَ والشرور والفتنَ التي دبَّت علَينا من كلِّ حَدَبٍ وصَوبٍ ،
وإنّ مما رسَخ في نفوس المسلمين أنَّ في الإيمان بالله وما جاء به رسوله r على وجه الانقياد والتسليم كفالةً لسعادة الدارين، وأنّ من حُرِم ذلك التمسُّكَ والانقياد فقد حُرِم التوفيقَ والسعادة، عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ t أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: "ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا " أخرجه مسلم إنه لا طعمَ للإيمان بلا إيمان، ولا إيمانَ بلا رضًا بشريعة الله ، وبلا عملٍ بها في جميع شؤونِ الحياة بلا استثناء والتحاكم إلى الشريعة من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله r فإن التحاكم إلى الطواغيت والرؤساء والقوانين الوضعية التي يتحاكم إليها الناس اليوم، كأفراد وجماعات ودول ينافي الإيمان بالله -عز وجل-، وهو كفر وظلم وفسق.وهذه الصفات الثلاث وردت في كتاب الله في آيات متتاليات قال الله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْكَـافِرُونَ) ، وقال تعالى : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ) وقال تعالى : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْفَـاسِقُونَ)
عباد الله إنَّ الديمقراطيةَ التي تساقُ مَساقَ المدحِ والثناءِ هذه الأيامِ، وفُتنَ بها بعضُ المسلمينَ، وبُحَّتْ حناجرُهم بالمناداةِ بها، تَعني: حُكمَ الشعبِ بنفِسهِ، وذلك بأنْ يكونَ الشعبُ هو مصدرَ التشريعِ، فلَه الحقُّ في إصدارِ ما شاءَ من قوانينَ، وإلغاءِ ما يُريدُ من أنظمةٍ سابقةٍ إذا كانتْ هذه رغبة الأكثريةِ قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً) وكما فتن بالاشتراكية بعض المسلمين، وحاولوا أن يصبغوها صبغة إسلاميّة فتن بعض المعاصرين من المسلمين بالديمقراطية، وهم يحاولون جاهدين صَبغها بصبغة إسلامية وأنى لهم ذلك فالديمقراطية تعني أن مصدر التشريع والتحليل والتحريم هو الشعب وليس الله ويتم ذلك عن طريق اختياره لممثلين ينوبون عنه في مهمة التشريع وسن القوانين وهذا مناقض لأصول الدين والتوحيد ، يدل على ذلك قوله تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ) وقوله تعالى : (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) وقوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ) .وقوله تعالى : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ )وقوله تعالى : (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) فهم أرباب من دون الله لماَّ اعترفوا لهم بحق التشريع والتحليل والتحريم من دون الله تعالى .
الديمقراطية تقوم على حرية تشكيل التكتلات والأحزاب السياسية وغير السياسية ، أيَّاً كانت عقيدة وأفكار ومناهج هذه الأحزاب ، ولها تمام الحرية في نشر كفرها وباطلها وفسادها بين البلاد والعباد وهذا يعني ـ من منظور الشرع ـ الإقرار طواعية بشرعية وحرية الكفر والشرك ، والفسق والإفساد وهذا مناقض لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى : ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ) وقال تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) في صحيح مسلم عن أبي سعيد t قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) و عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ tما عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ : ( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا) أخرجه البخاري ثم إن الاعتراف بشرعية الأحزاب المختلفة يؤدي إلى تفريق الأمة ، وإضعاف شوكتها ، وهذا مناقض لقوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) ولقوله تعالى : (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)
الديمقراطية تقوم على حرية الاعتقاد والتدين ؛ فللمرء في حكم الديمقراطيةـ أن يعتقد ما يشاء ، ويتدين بالدين الذي يشاء ، ولو أراد أن يرتد من الإيمان إلى الكفر أما حكم الإسلام فهو على النقيض من ذلك ، عن ابْنَ عَبَّاسٍ t َقَالَ : قَالَ النَّبِيُّ r : " مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ " أخرجه البخاري فاقتلوه وليس فاتركوه وعَنْ ابْنِ عُمَرَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ "
الديمقراطية تقوم على الحرية الشخصية للفرد ، فالمرء له ـ في ظل الديمقراطية أن يفعل ما يشاء ، من الموبقات والفواحش والمنكرات ..وله الحرية في التعبير والإفصاح من غير حسيب ولا رقيب ! وفي هذا إقرار للمنكرات وتعطيل للحدود كما أن فيه إشاعة الفاحشة قال الله تعالى : ( الزانية الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) وقال تعالى : ( إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُـمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) فالواجب على عامة المسلمين وأمرائهم وحكامهم وأهل الحل والعقد فيهم أن يتقوا الله -عز وجل- ويحكّموا شريعته في بلدانهم، ويقوا أنفسهم وشعوبهم عذاب الله في الدنيا والآخرة، وعلى عامة المسلمين في كل بلادِ العالم أن يطالبوا حكامهم بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله محمد r ولن تصلح أحوالهم إلا إذا عادوا إلى الله سبحانه وتعالى، وسلكوا سبيله المستقيم ، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)


الخطبة الثانية
عباد الله اتقوا الله واعلمو أنه من خلال ما تقدَّم يتبين لنا أن الديمقراطية تناقض الإسلام ،و لا بديل للمسلمين عن الحكم بالشريعة فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وهي نوره الذي أبصر به المبصرون، وهداه الذي اهتدى به المهتدون، وشفاؤه التام ، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فالشريعة قرة العيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح، فبها الحياة، والغذاء، والدواء، والنور، و الشفاء، والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود، فسببه من إضاعتها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله r هي الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
عباد الله فِي الإسلامِ البيعةُ لولّي الأمرْ، ووليُ الأمرُ مقيدٌ بالأحكامِ الشرعيةِ، وهو منصّبٌ لتنفيذِ الشرعِ، كما أن طاعتَه واجبةٌ، إلا أن يأمرَ بمعصيةٍ فلا طاعةَ له فيها، عَنْ ابْنِ عُمَرَ t قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ " أخرجه البخاري وفي الإسلامِ إذا أخطأ وليُّ الأمرِ فإنّه يردُ إلى الصوابِ بالنصيحةِ والحكمةِ التي لا تؤدي إلى الفتنِ كما روى الشيخان عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ t قَالَ: "بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ rعَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ". وفيْ السننِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ tأَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: " إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ"
فالواجب على المسلمين أن يُقيموا حَياتَهم على مبادِئِ الإسلام من العَدلِ التامّ والإحسان الكامل والتراحُم المُتبادَل والتعاوُن الصادِق على الخيرِ والهدَى بين الحُكَّام والمحكومين، في ظلِّ اتباعٍ كامل لأحكام الشريعة الغرَّاء، فبذلك وحده تزدهِرُ حياتُهم، وتستقِرُّ أوضاعُهم، وتصلُح شؤونهم، ويَعيشُون في حَياةٍ طيبةٍ سَعيدةٍ مُطمئنَّة، يسودُها الحبّ والتلاحُم والتراحُم، في أمنٍ فرديّ واجتماعي، وأمنٍ فكريّ وسياسيّ، وأمنٍ دنيويّ وأخرويّ، قال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)


خطب منوعة جمع حـاطب خـير :
https://khutabaa.com/forums/موضوع/134797
المشاهدات 2811 | التعليقات 0