الحجابُ ديانةٌ وصيانة 13/ 11 / 1444هـ

د عبدالعزيز التويجري
1444/11/12 - 2023/06/01 10:04AM

الخطبة الأولى : الحجاب ديانةٌ وصيانة                   13/11/1444هـ

الحمدُ للهِ الذي أكملَ لنا الدِّينَ، وجعلنا خير أمة أخرجت للعالمين ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، (نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ) وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه واصحابه وأزواجه ومن سار على دربه إلى يوم الدين. أما بعد

فاتقوا الله وانصتوا لكلام ربكم، قال ربنا عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ).

قال تُرجمانِ القُرآنِ ابنُ عباسٍ رضي الله عنه فِي تفسير هَذِه الْآيَة: أَمر الله نسَاء الْمُؤمنِينَ إِذا خرجن من بُيُوتهنَّ فِي حَاجَة أَن يغطين وجوههن من فَوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا وَاحِدَة. أخرجه ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم في التفسير.

وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ، عَنْهَا قَالَتْ: لما نزلت {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}، خرجَ نِسَاءُ الأنصارِ كأن على رؤوسِهِنَّ الغِرْبانَ مِنَ الأكْسِيَة " أخرجه أبوداود .

قالت عائشة رضي الله عنها (يرحم الله نساءُ المهاجراتِ الأول لما أنزل الله ولْيضربن بخمرهن على جيوبهن شققن مروطهن فاختمرن بها) أخرجه البخاري:

قال ابن حجر : قوله: (فاختمرن) أي: غطين وجوههن.

قَالَ جَابِر رضي الله عنه ٌ: خَطَبْتُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ أَيْ أَخْتَفِي فِي أُصُولِ النَّخْلِ، حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا بَعْضَ مَا يُعْجِبُنِي فَخَطَبْتُهَا، فَتَزَوَّجْتُهَا) فلماذا هذا الاختباءُ، لو كانت تمشي دونَ غِطاءٍ؟.

قَالَ عليه الصلاة والسلام : "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: "يُرْخِينَ شِبْرًا" فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ؟ قَالَ: "فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ".

فكيف يأمر الشرع بتغطيَّةِ أقدامِ النساءِ حتى لا يراها الرِّجال، ثم يسمحُ بكشفِ وجهٍ اجتمعت فيه صِفاتُ الجَمالِ؟

قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- في قولِه تعالى: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) : هُوَ أَنْ تَقْرَع َالخَلْخَالَ بِالْآخَرِ عِنْد الرِّجَالِ، فَنَهَى اللَّه سبحانه عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ.

وفي صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام : "لا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ".

  فنهى عن النقاب حال الإحرام مما يدل أن النساء يسترن وجوههن. فلا يمكن أن يكون نقاب مع كشف للوجه .

قالت عائشةُ -رضي الله عنها-: "كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ".

ومن نظَرَ في الأحاديث والآثار بعد فرض الحجاب، وجَدَ أن نساء المؤمنين والصحابيات والتابعيات ونساء الصدر الأول على تستُّرٍ تامٍّ، يُغَطِّين وجوههُن.

في صحيح البخاري قالت عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك: فخمرت وجهي عن صفوان وكان يعرفني قبل الحجاب..

وقبلَ زمنٍ لم تكن امرأةٌ مُسلِمةٌ تكشِفُ وجهَها، حتى في الأندلسِ؛ قالَ أبو حيَّانِ الأندَلسي: "وكذا عادةُ أهلِ الأندلسِ لا يَظهرُ من المرأةِ إلا عينَها".

ولم يَقُلْ بجوازِ بروزِ الشابَّةِ بزينةِ وجهها للأجانبِ أحدٌ من الصحابة ولا التابعين .

قالُ ابنُ حجرٍ -رحمه الله- وهو من علماء الشافعية : "وَلَمْ تَزَلْ عَادَةُ النِّسَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَسْتُرْنَ وُجُوهَهَنَّ عَنِ الْأَجَانِبِ".

بل نص الفقهاء من المذاهب الأربعة على أن المرأة إن كانت في الصلاة وعندها أجانب انها تستر وجهها ، نص عليه الخطيب الشرْبيني من الشافعية فقال ( إلا أن تكون بحضرة اجنبي فلا يجوز لها رفع النقاب ) ومن المالكية اللخمي، ومن الحنابلة ابن تيمية وغيره ،وأشار إلى ذلك الطحاوي من الحنفية .

وعدم التفريق بين سياقات الأئمة في عورة الصلاة وعورة النظر جعل كثيرُ من المتأخرين يخلطون، فيأخذون كلام الفقهاء في عورة الصلاة ويجعلونه في عورة النظر ، ولاينظرون لسياق المسألة .

وأدلة حجاب المرأة في الكتاب والسنة أقوى وأرسخ من أن تنازعها الأهواء . ولكن  {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}

أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه واتقوه وتوبوا إليه إن ربنا لغفور شكور .

 

 

                                                                                                  الخطبة الثانية: الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعى وصلِّ الله وسلِّمْ على عبده ورسوله وعلى آلهِ وصحبِه ومن اقتفى . أما بعد:

من يتأملُ آيةَ الحجابِ في سورةِ الأحزابِ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ). ثم يأتي بعدَها مباشرةً: (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا).

وفي ذلك ربط عجيب ؛ فإنَّه متى وُجدَ الحجابُ في زمانٍ أو مكانٍ، كانَ للمنافقينَ فيه مَكرٌ وكَيدٌ وبُهتانٌ؛ لذلك جاءِ الوعيدُ: (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ .. لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ).

ومن تَدَّبرَ قولَه تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ). ثم يأتي بعدَها قولُه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)

عَرَفَ أن إشاعةَ الفواحشِ في المُجتمعاتِ، يَصلُ إليه الشَّيطانُ وأتباعُه من خِلالِ خُطُواتٍ، ومن قرأَ التاريخَ: عَلِم أن أولَ الخُطُواتِ هي كشفُ وجهِ المرأةِ والقاء عبائتها.

المرأةُ بلاحجاب مدينةُ بلا أسوار ،والقوامة رفعةُ لها وسلامة، والولايةُ ليست وصاية لكنها حفظ وحماية ... الحجابُ عفةُ وصونُ وهيبه ، لا يحصل التحرش مع الحجاب ، والذئاب لا تنهش إلا من اقترب منها ، وقانون الشرع «عليكُنَّ بحافَاتِ الطَريق» « وخيرُ صُفوفِ النساء آخِرُها » «ومَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» «وأَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ»..   النهار لا يحتاج إلى دليل، ولكن الأعمى لايبصر الشمس.

رعايةُ العفافِ والحياءِ والحجاب .. صوناً للقوارير أن تكسر ، وتماسكا للبيوت أن تُهدم ، وحفظا للأمن أن يختل ، والله حافظ دينه ، ومتم نوره ، ولكن المنافقين لا يعلمون  .

اللهم احفظَ نساءَ المسلمينَ وشبابهم من كُلِّ شرٍ وفتنة . اللهم من أراد ديننا ونسائنا وبلادنا بسوء بأشغله بنفسه .. اللهم آمنا في دورنا واصلح ولاة امورنا ..

المرفقات

1685603094_الحجاب ديانةٌ وصيانة.docx

1685603148_الحجاب ديانةٌ وصيانة.pdf

المشاهدات 592 | التعليقات 0