الحث على الأمانة والتحذير من الاعتداء على المال العام

عايد القزلان التميمي
1446/06/03 - 2024/12/05 18:20PM
الحمد لله، عظَّم شأن الأمانة وأكَّد على أهميتها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله القائل ((لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له  )) ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ : فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ فهي وصيتُه للأولين والآخرين فقد قال ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)).
أيها المسلمون، قال الله سبحانه (( إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلامَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ))
وقال عز من قائل (( إِنَّا عَرَضْنَا ٱلاْمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً )).
أيها المسلمون، ليست الأمانة مقصورة على حِفظ الودائع ورَدَّها إلى أصْحَابِها كاملة بل ذلك أحد مظاهرها،
فالأمانةُ مفهوم واسع ينطبق على كل عمل يُوكل إلى المرء، فإنه مُؤتمنٌ عليه.
ويرتبط بخُلق الأمانة النزاهة ، والنَّزاهةُ: هي  البُعدُ عن السُّوءِ وعن مساوئ  الأخلاقِ .
قال تعالى:  (( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ))
وقال تعالى (( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)).
وعن النَّعمانِ بنِ بشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهاتِ وقَعَ في الحَرامِ، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ مَحارِمُهُ، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ))
أخرجه البخاري ومسلم
وعن أبي حُمَيْدٍ السَّاعديِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يحِلُّ للرَّجُلِ أن يأخُذَ عصا أخيه بغيرِ طِيبِ نَفسِه)). رواه ابن حبان وصححه الألباني.
وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك )) صححه الألباني.
وقال بعضُ الحُكَماءِ: ( أصلُ المحاسِنِ كُلِّها الكَرَمُ ، وأصلُ الكَرَمِ نزاهةُ النَّفسِ عن الحرامِ ).
 فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾. وَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي الحِفَاظِ عَلَى الأَمْوَالِ العَامَّةِ
قَال صلى الله عليه وسلم :(( مَن اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَل، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولا يَأْتِي بِهِ يوْم الْقِيامَةِ )) أخرجه مسلم.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مَنِ اسْتَعْمَلْناه منكم» أي: جَعَلْناه عامِلًا وواليًا «على عملٍ» فأَخْفَى علينا مِن هذه الأموالِ ما يُساوي «مِخْيَطًا»، أي: إِبْرَةً «فما فَوْقَهُ»، كان ذلك الكِتْمَانُ «غُلُولًا»، أي: خِيَانَةً، وأصْلُ الغُلولِ: هو ما سُرِق وأُخِذ مِن الغَنيمةِ قبْلَ أنْ تُقسَمَ، وفي حُكمِه الأموالُ العامَّةُ الَّتي تُعتبَرُ مِلكًا للدولة إذا أخَذَ منها ما لا يَستحِقُّ. قال الله تعالى (( وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))
فاتَّقوُا اللهَ عبادَ اللهِ، وطهِّروا مَكاسبَكُمْ ، واعلموُا أنَّ القليلَ المباحَ يجعلُ اللهُ فيهِ من البركةِ والخيرِ ما لا يدركهُ الإنسانُ بالكثيرِ الحرامِ ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾.
أقوُل ما سمعتم وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكمْ؛ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية 
    الحمد لله يحبُّ الطيّبَ الحلال، ويُبغِضُ الخبيثَ الحرام، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله صلى الله  وسلِّم عليه وعلى آله ، وصحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعدُ  فيا أيّها المسلمون، فليتَّقِ الله من يتعاونون على سَلبِ الأموال العامة؛ فهذه أموالٌ يجِب على كلِّ مسلِم المحافظة عَليها وصيانتها؛
قال تعالى )) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(( . ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم يُحذِّر كلّ مَن يتهاون في الأموالِ العامّة فقال (( إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللَّهِ بغيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ )) رواه البخاري. يَتَخَوَّضُونَ أي يتصرفون في أموال المسلمين بالباطل .
وقال صلى الله عليه وسلم ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ)) أحرجه أحمد وصححه الألباني.
وَاعْلَمُوا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : أنَّ مُكافَحَةَ الفَسادِ تَسْتَلْزِمُ مُشارَكَةَ الجميع فِي نَشْرِ النزاهةِ والأمانة , للمحافظة على المال العام ، وإبلاغ الجهات المختصة عن جرائم الفساد ومرتكبيها،  فكونوا عوناً لهم.
عباد الله : ويجب علينا جميعًا أَنْ نُدْرِك أنَّ النَّزَاهة والإخلاص والأمانة والصدق مبادئ إسلامية، وقِيَم إِنْسَانِية يجب أن يتبناها الجميع،
وأنْ نَغْرِسها في نُفُوس النَّاشئة وهو الدَّوْر التَّربَوي الأهم الذِّي تَقع مَسؤُولِيتَه على البيتِ والمدرسة .
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله
....
المرفقات

1733411952_الحث على الأمانة والتحذير من الاعتداء على المال العام.docx

المشاهدات 699 | التعليقات 0