التَّــــــخْــــوِيْـــــــفُ بــــالدَّجَّـــــــال
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ الذي يقذِفُ بالحقِ على الباطلِ فيَدمغُهُ فإذا هوَ زاهقٌ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ربُ المغاربِ والمشارقِ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه المؤيَدُ بالمعجزاتِ الخوارقِ، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ صلاةً وتسليمًا ما بقيَتِ الخلائقُ. أما بعدُ:
فاتقوا اللهَ ربَكم، وسَلُوهُ الثباتَ حتى المماتِ، ولْنَنْأَ بأنفسِنا عن مضلاتِ الفتنِ، فالفتنُ خطافةٌ، وإن ثمتَ فتنةٌ مخيفةٌ لا يَسلَمُ منها من يَظنُ في نفسِهِ الثباتَ والأمانَ، إنها فتنةٌ تقعُ في أجواءٍ مدلهمةٍ، ويتزعمُها رجلٌ هو منبعُ الكفرِ والضلالِ، ومصدرُ الفتنِ والأوجالِ، إنه رجلٌ من بني آدمَ يُسمَى المسيحَ الدجالَ. وفتنتُهُ من أشدِ الفتنِ، ولذلك فنحنُ نستعيذُ من فتنتِهِ كلَّ يومٍ قرابةَ عشرينَ مرةً في صلواتِنا.
فما صفاتُ المسيحِ الدجالِ؟ إنه شابٌ وصفَه النبيُ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بأنه قَصِيرٌ، جعِدُ الشعرِ، عريضُ النحرِ، له عينانِ، اليُمنَى منهما عَوراءُ قد انخسفتْ، وكأنها عِنَبةٌ طافيةٌ، مكتوبٌ بين عينيهِ كافرٌ، يقرؤها كلُ مسلمٍ كاتبٍ أو غيرِ كاتبٍ.
و(إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ) وقُبَيْلَ خروجِهِ إرهاصاتٌ ومَسغبةٌ، وقلاقلُ مرعبةٌ، فقد صحَ أن رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قَالَ: قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثَلاثَ سَنَوَاتٍ شِدَادٍ يُصِيبُ النَّاسَ فِيهَا جُوعٌ شَدِيد.. فَتَحْبِسُ [السَّمَاءُ] مَطَرَهَا كُلَّهُ، فَلا تُقْطِرُ قَطْرَةً، وَيَأْمُرُ الأَرْضَ فَتَحْبِسُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ، فَلا تُنْبِتُ خَضْرَاءَ، فَلا تَبْقَى ذَاتُ ظِلْفٍ إِلا هَلَكَتْ إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ([1]).
وأما عنْ مكانِ خروجِ الدجالِ فمن جهةِ المشرقِ من (خُرَاسَانُ، يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ([2]). ثم يتجِهُ لأصبهانَ بإيرانَ تحديدًا..لاَ يدَعَ قَرْيَةً إِلاَّ هَبَطْهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيه كِلْتَاهُمَا..فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ..ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ [قد أصابتْهُمُ المَجاعةُ] وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ. فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ.. ولَيَفِرَّنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجَّالِ فِي الْجِبَالِ([3])
يَمكثُ الناسُ على هذا الكربِ العصيبِ سنةً وشهرينِ ونصفًا: أَرْبَعُونَ يَوْمًا: يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لاَ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ.
اللهُ أكبرُ! يا عجبًا للصحابةِ: هَمُّهُمُ الصلاةُ، وهَمُنا الانبهارُ بالعجائبِ.
وبعدَ هذهِ الشدةِ العصيبةِ، وفتنةِ الدينِ الرهيبةِ، يأذَنُ اللهُ بالفرجِ، فيُنزِلُ عيسَى -عليهِ السلامُ-: فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الإِسْلاَمِ فَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِسْلاَمَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ المَسِيحَ الدَّجَّالَ، وَتَقَعُ الأَمَنَةُ عَلَى الأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الأُسُودُ مَعَ الإِبِلِ، وَالنِّمَارُ مَعَ البَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الغَنَمِ، وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالحَيَّاتِ لاَ تَضُرُّهُمْ([4]).
ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ. فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ[الْجَمَاعَةُ مِنَ الناسِ] الرُّمَّانَةَ وَيَسْتَظِلُّونَ [بقِشْرِها]وَيُبَارَكُ فِي [اللبنِ]حَتَّى إِنَّ [البقرةَ ذاتَ اللبنِ] لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ.. فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ [يُجامِعونَ النساءَ بحضرةِ الناسِ] فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ.
فنعوذُ باللهِ من الفتنِ ومن فتنةِ المسيحِ الدجالِ.
الحمدُ للهِ الذي هدَى وكفَى ووقىَ، والصلاةُ والسلامُ على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ:
فالتذكيرُ والتخويفُ بالدجالِ كانَ من هديِ النبيِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقد جاءَ فيهِ ثلاثونَ حديثًا. قالَ العلماءُ: (مما ينبغي لكلِ عالمٍ أن يَبُثَّ أحاديثَ الدجالِ بينَ الأولادِ والنساءِ والرجالِ، ولا سيَّما في زمانِنا هذا الذي اشرأبّتْ فيه الفتنُ)([5]). وفي حديثٍ حسَنٍ أنه -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: لا يَخْرُجُ الدَّجَّاُل حَتّى يَذْهَلَ النَّاسُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَحَتّى تَتْرُكَ الأَئِمَّةُ ذِكْرَهُ عَلَى المَنَابِرِ([6]).
ومنَ المتأكِدِ جدًا لمنْ يُريدُ أن يسلم له دينُهُ: ضرورةُ الابتعادِ عن مواضعِ الفتنِ من الشبهاتِ والشهواتِ، وألا يثقَ المرءُ بنفسِهِ، بأن يعتقدَ أنه قادرٌ على مواجهةِ تلكَ الفتنِ، وخصوصاً مع قلةِ العلمِ والدينِ. فقد قَالَ e: مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ؛ فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ؛ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ([7]).. يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا([8]). فنسألكَ اللهم بعزِكَ وذلِنا وغناكَ وفقرِنا وقوتِكَ وضعفِنا أن تقيَنا الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطنَ، اللهم أعِذْنا من فتنةِ المسيحِ الدجالِ.
· اللهم احفظْ علينا إيمانَنا وولدانَنا، وحجاجَنا، وثباتَنا وثوابتَنا.
· اللهم احفظْ لبلادِنا المباركةِ أمنَها وإيمانَها وسائرَ بلادِ المسلمينَ.
· اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِ مكانٍ, واجمع شملَهمْ على الحقِ.
· اللهم لكَ الحمدُ على زوالِ كلِ الاحترازاتِ والكِمَاماتِ.
· الحمدُ للهِ على زوالِ عامةِ الداءِ، فاللهم اجعلنا بعدَه من المتضرعينَ المتّعظِينَ.
· اللهم اجزِ ولاةَ أمرِنا حرصَهم على الإنسانِ أولاً.
· اللهم وأيّدْ بالحقِ إمامَنا ووليَ عهدِهِ، اللهم واجعلهمْ هادينَ مَهدِيينَ.
· اللهم احفظْ مجاهدِينا ومرابطِينا.
· اللهم صلِ وسلمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
([1])رواه ابن ماجه (4067) والحاكم (4/536) وقال:( صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7875). قال ابن كثير في تفسيره (1/ 716): لبعضه شواهد.
([2])حسنه الترمذي (2237) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4 /165).
([3])صحيح مسلم (7579) و (7560) و (7580)
([4])صححه ابن حبان والحاكم والذهبي وابن حجر وابن كثير، وقال: إسناده جيد قوي.
([5])بتصرف من لوامع الأنوار البهية للسفّاريني (2 /106)
([6])«زوائد مسند أحمد» (4/72) وحسنه ابن كثير في البداية والنهاية (19/157) وأشار إلى ثبوته النجم في كشف الخفاء (1/401) وقال مُغَلْطاي في إكمال تهذيب الكمال (6/370): إسناد صالح.
([7])مسند أحمد ط الرسالة (19875)
([8])صحيح مسلم (7560)
المرفقات
1655394976_التخويف بالدجال.docx
1655394977_التخويف بالدجال.pdf