التّــسَــتُّــرُ جَــرِيْــمـَــةٌ (موافقة للتعميم)
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَينا فَأَفْضَلَ، والَّذِي أَعْطَانا فَأَجْزَلَ، والحمدُ للهِ الذي أحيانَا بفضلهِ على الإسلامِ، ونحنُ ما سألْناهُ، وسيُدخِلُنا الجنةَ برحمتهِ، ونحنُ نسألهُ. أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا هوَ الحقُّ المبينُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالمينَ، صلى اللهُ وسلمَ عليه، وعلى الآلِ، والصحبِ، والتابعينَ إلى يومِ الدينِ، أمّا بعدُ:
فإن الإيمانَ خيرُ العطَايا والتُّقى خيرُ الوصايا، (ولا بأسَ بالغِنى لمن اتَّقى، والصّحةُ لمن اتّقى خيرٌ من الغِنى، وما قلَّ وكفَى خيرٌ مما كثُر وألهى).
وإن المالَ غادٍ ورائحٌ، وما هوَ إلا وسيلةٌ لبلوغِ الأَرَبِ الأُخروي، فرحمَ اللهُ عبداً كسِبَ فصدَقَ، ورُزِق فأنفقَ، ولم يَنْسَ نصيبَه من الدنيا: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
وبسببِ توسعةِ اللهِ لنا بالمالِ فقد أسبغَ علينا في بلادِنا نِعَمًا تَترادفُ، وفضائلَ تَتضاعفُ، ومنهنَ نعمةُ تسخيرِ البشرِ بعضِهم لبعضٍ:{وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
ومما يَدخلُ في هذهِ الآيةِ تحصيلُ المالِ عن طريقِ إخوانِنا الذين قدِموا لبلادِنا؛ لتحصيلِ لقمةِ العيشِ، فنحنُ مُسخرونَ لهم، وهم مُسخرونَ لنا. ولكنَّ بعضَ الناسِ لجمعِ المالِ يَلهثونَ، وعن الآخرةِ هم غافلونَ.
وإنَّ منْ أساليبِ بعضِ اللاهِثينَ وراءَ الأموالِ: التحايُلَ في أكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ، ويَتضاعَفُ الإثمُ إذا كان تحايُلاً على أنظمةِ الدولةِ. قال الشيخُ ابنُ عثيمينَ–رحمهُ اللهُ-: (لا تَستهينُوا بنظامِ الدولةِ؛ فإنه إذا لم يُخالِفِ الشرعَ فهوَ من الشرعِ؛ لأنَّ اللهَ أمرَنا بطاعةِ ولاةِ الأمورِ في غيرِ معصيةٍ)([1]).
ومِن ورَطاتِ المالِ مسألةٌ مهمةُ تكمُنُ في السؤالِ التالي:
يقولُ السائلُ: العَمالةُ الأجنبيةُ السائبةُ أو الهاربةُ من كُفلائِهم، هلِ التَّسترُ عليهم والبيعُ والشراءُ منهم جائزٌ شرعًا، بحجةِ أنهم مساكينُ، أو أننا بحاجةٍ لهم؟
فأجابتِ اللجنةُ الدائمةُ للإفتاءِ برئاسةِ الشيخِ ابنِ بازٍ: (لا يجوزُ التسترُ على العمالةِ السائبةِ، والمتخلفةِ، والهاربةِ من كفلائهِم، ولا البيعُ أو الشراءُ منهم؛ لما في ذلكَ من مخالفةِ أنظمةِ الدولةِ، وإعانتهِم على خيانةِ الدولةِ التي قَدِموا لها، وكثرةِ العمالةِ السائبةِ، مما يؤديْ إلى حرمانِ من يستحقُّ العملَ)([2]).
أيُها الناسُ: إيواءُ العمالةِ المتخلفينَ بلا إقاماتٍ، أو بلا تراخيصَ لمزاولةِ التجارةِ، مع تحمُّلِ فاعلهِ للغراماتِ والجزاءاتِ؛ فهو أيضًا إعانةٌ منه على الفوضَى، وشيوِع السرقاتِ، وانتشارِ الأحياءِ السكنيةِ العشوائيةِ، إضافةً إلى ضعفِ الرَقابةِ الصحيةِ والأمنيةِ.
نعمْ؛ كلُّ المسلمينِ إخوانُنا، لكنَّ الأمنَ والنظامَ مسئوليةُ الجميعِ، فلنتعاوَنْ للمحافظةِ على أمنِ واقتصادِ وصحةِ وطنِنا، ولنساهمْ في القضاءِ على هذهِ العمالةِ غيرِ النظاميةِ، والتبليغِ عنهم. وليبادرِ العاملُ ومن يؤويهِ بانتهازِ فرصةِ التصحيحِ الممنوحةِ قبل انقضائِها.
الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفى، أما بعدُ: فاعلموا أيها الإخوةُ أنَّ مِن أعظمِ فِتَنِ هذا العصرِ فتنةَ المالِ. وأن المالَ الحرامَ خبيث لا يجوز إتيانه. ولكن أكثرَ الناس لا يفقهونَ، ولا في دينهمْ يتفقهونَ، بل بعضهمْ لا يُبالونَ من حرامٍ كانَ أم منْ حلالٍ، ما دامَ أنهم يضمَنُونَ مَكسباً. وفي صحيحِ البخاريِ أن النَّبِيَّ e قَالَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ.([3])
ومن أعجبِ الأحاديثِ المحذِّرةِ حديثٌ قَالَ فيهِ -صلى الله عليه وسلم-: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ، فَيُنْفِقَ مِنْهُ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّار ِ،إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ([4]).
أيُها المسلمونَ: إن في هذا الحديثِ لموعظةً لمن كانَ له قلبٌ؛ فإنه يدُلُ على أن كسبَ الحرامِ خسارةٌ لا ربحَ فيه، فإن تصدقَ به لم يُقبلْ منه، وإن أنفقَه لم يبارَكْ له فيهِ، وإن خلفَه بعدَه كان زادَه إلى النارِ، فكيفَ يَليقُ بالمؤمنِ أن يُذهِبَ دينَه لأجلِ دُنياهُ([5]).
· اللهم اجعلْ معتمَدَنا عليكَ، وحوائجَنا إليك، وارحمْ وقوفَنا بين يديكَ، وتضرعَنا إليكَ.
· اللهم أَلْقِ على النفوسِ المضطربةِ سكينةً، وأثِبْها فتحًا قريبًا.
· ربَّنا اهدِ حيارَى البصائرِ إلى نورِك، وضُلَّال المناهجِ إلى صراطِك.
· اللهم أرخِصْ أسعارَنا، وأغزِرْ أمطارَنا، وآمِنْ أوطانَنا، وطيِّبْ أقواتَنا، ووفقْ ولاتَنا، وارحمْ أمواتَنا، واجمعْ على الهدى شؤونَنا، واقضِ ديونَنا.
· اللهمَّ وارحمْنا ووالدِينا، وهبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ.
· اللهم احفظْ علينا دينَنا وأمنَنا وحدودَنا وجنودَنا. واحفَظْ ثرواتِنا وثمراتِنا، واقتصادَنا وعتادَنا.
· اللهم صُدَ عنا غاراتِ أعدائِنا المخذولينَ وعصاباتِهِم المتخوِنينَ.
· اللهم وفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ. واجزِهما على التيسيرِ على المسلمينَ، وعلى خدمةِ الحرمينِ.
· اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ. وأقمِ الصلاةَ إنَّ الصلاةَ تَنهَى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ، ولَذِكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.
([1])لقاءات الباب المفتوح (2/ 53)
([2])فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23/470)
([3]) صحيح البخاري (2083 )
([4]) مسند أحمد ط الرسالة ( 3672)
([5])الضياء اللامع من الخطب الجوامع لابن عثيمين (3 / 249)
المرفقات
1634135744_التستر جريمة.docx
1634135756_التستر جريمة.pdf