التحذير من الكهان-23-3-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ عبد الرزاق البدر
محمد بن سامر
التحذير من الكهان-23-3-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ عبد الرزاق البدر
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد: فيا إخواني الكرام:
إنَّ مِنْ نعمةِ اللهِ علينا أنْ هدانا لهذا الدينِ العظيمِ، والصراطِ المستقيمِ، الذي به حمايةُ العقولِ وصيانتُها، وحفظُ الأديانِ ورعايتُها؛ من أيِّ أمرٍ يـُخلُّ به، أو يفسدُه ويتلفُه.
يـَجبُ على كلِّ مسلمٍ أنْ يكونَ ذكيًا فطنًا من أن يُخدع في عقلِه، أو أن يُضَلَّ في دينِه، أو أنْ تجرَّهُ الأهواءُ المطغيةُ.
ومن حفظِ الدينِ لعقولِ الناسِ ودينهمِ ما جاءَ في القرآنِ الكريمِ والحديثِ الشريفِ عن رسولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-من التحذيرِ من إتيانِ الكُهَّانِ من أهلِ الخداعِ والمكرِ، والتدليسِ والتلبيسِ على الناسِ، وما أكثرهم! -لا كثَّرهم الله-، وهم-أيًّا كانوا، ومهما كانوا-ليسوا بشيءٍ، كما أخبر بذلك رسولنا-عليهِ وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-في أحاديثَ متكاثرةٍ في التحذيرِ من إتيانِهم، أو تصديقِهم، أو سماعِ أقوالهم، وأن ذلك خطرٌ على دينِ الإنسانِ وفكرِهِ وعقلِهِ.
فعن أمِنا عائشةَ-رضي اللهُ عنها وأرضاها- قالت: "سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-عَنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ: "لَيْسُوا بِشَيْءٍ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا الشَّيْءَ يَكُونُ حَقًّا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: "تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْجِنِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ كَذْبَةٍ".
فهم من أعظمِ الناسِ افتراءً وكذبًا وتضليلًا.
فعن معاويةَ بنِ الحكَمِ-رضيَ اللهُ عنه-أنه قالَ للنبيِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: "وَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّان"، قَالَ: "فَلا تَأْتِهِمْ".
وقالَ النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-قال: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ"؛ ولا يقول-عليه الصلاة والسلام-: "ليسَ منَّا" إلا في السيئاتِ العظيمةِ، والذنوبِ الكبيرةِ، مثلما تقولُ لشخصٍ ارتكبَ جريمةً عظيمةً: "علاقتي بك انقطعتْ فلا تعرفني ولا أعرفُك".
ولا يجتمع في قلبٍ واحدٍ إيمانٌ باللهِ وتصديقٌ بهؤلاء الكهنةِ الدجالينِ؛ قالَ النبيُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ-صلى الله عليه وآله وسلم-"، كفرَ بالقرآنِ والسنةِ.
والكاهنُ من يَدَّعِي معرفةَ المستقبلِ عن طريقِ الشياطينِ، والعرَّاف من يدعي معرفةَ الماضي أو ما غابَ عن البصرِ.
ومن أتى هؤلاءِ الكهانِ-حتى وإن كان شاكًّا في خبرِهم-فإنَّ عقوبتَه عندَ اللهِ عظيمةٌ، ومصيبتَه كبيرةٌ، قالَ النبيُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً"، فما أعظمَها من خسارةٍ! وما أشدَّها من عقوبةٍ!
فلا ينبغي لمؤمنٍ أنْ يـُخدَعَ في هذا المجالِ بأسماءٍ حديثةٍ وتلبيساتٍ جديدةٍ خُدع وضُلِّل بها كثيرٌ من الجاهلينَ بالدينِ، فأُطلقتْ على هؤلاءْ العرَّافينَ أو الكُهَّانِ بعضُ الأسماءِ، التي يُقصدُ من ورائها تفخيمُ أمرِهم، وإبعادُ شأنِهم عن مثلِ هذهِ النصوصِ، فيسمونهم: "الخبراءَ"، أو "المجربين"، أو "المدربين"، أو غيرَ ذلك من الأسماءِ الجديدةِ، ثم يدَّعي الواحدُ منهم أنه يعلمُ المستقبلَ أو يعرفُ الماضيَ من خلالِ النظرِ مثلًا إلى توقيعِ الشخصِ، أو فيما يميلُ إليهِ، من لونٍ أو شكلٍ أو رسمٍ، أو غيرِ ذلكَ.
يجبُ على المسلمِ أن تكون عقيدتُه راسخةً بأنَّ الغيبَ لا يعلمُه إلا اللهُ: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)، فالله-جل وعلا-عالمُ الغيبِ وحدَه، فإذا ادَّعى مدعٍ أو قال كذابٌ: إنه يعلم الغيب أو يعلم الأمور الغائبة أو المستقبلة بمثل هذه الطرقِ، فإنَّه مجرمٌ آثمٌ يجبُ أنْ يُحْذَرَ ويـُحَذَّرَ منه أشدَّ الحذرِ، وأنْ يَرْفَعَ المسلمُ نفسَه أنْ يأتيَ إلى أمثالِ هؤلاءِ؛ حفظًا لدينِه، وصيانةً لعقيدتِه.
أسألُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ العلمَ النافعَ والعملَ الصالحَ، والنجاةَ من الفتنِ والضلالِ.
أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ ضررَ هؤلاءِ الكهنةِ والعرافينَ على المجتمعاتِ ضررٌ كبيرٌ، فهمْ يتكاثرونَ في المجتمعاتِ التي يقلُّ فيها العلمُ الشرعيُ بالإسلامِ، فمتى كَثُرَ في مجتمعٍ الجهلُ بدينِ اللهِ-تبارك وتعالى-كثُر هؤلاء الكذابونَ الدجَّالونَ، وأخذوا يأكلونَ أموالَ الناسِ بالباطلِ؛ وهذا من أعظمِ غاياتِهم وأكبرِ مقاصدِهم.
والمال الذي يأخذونه من الناسِ سُحْتٌ حرامٌ، قالَ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ، وَلا حُلْوَانُ الْكَاهِنِ، وَلا مَهْرُ الْبَغِيِّ-الزانية-"، وحُلْوَانُ الْكَاهِنِ: ما يأخذه هؤلاء من مالٍ مقابلَ ما يقدِّمونه لمن يأتيهم من كذبِ ودجلٍ بأنهم يعرفونَ المغيَّباتِ، أو يَطَّلِعونَ على المفقوداتِ، أو يعلمون ما في الصدورِ والنفوسِ، أو نحو ذلك.
فيجبُ على المسلمِ الحذرُ منهمِ ومن باطلِهم وكذبِهم.
وأما أولئكَ الكهنةُ والعرَّافونَ فإنَّ جريمتَهم عظمى، ومصيبتَهم كبرى، وإذا كانَ النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-حكمَ على مَن أتاهم: أنَّه "لا تُقبلُ له صلاةٌ أربعينَ ليلةً"، وأَنَّه "قدْ كفرَ بما أُنْزِلَ على محمدٍ"، هذا حكمُ على من أتاهم؛ فكيف بالحكمِ عليهمِ؟!
يا حيُ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحسنى، وصفاتِك العلى، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1635432089_التحذير من الكهان-23-3-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ عبد الرزاق البدر.docx
1635432090_التحذير من الكهان-23-3-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ عبد الرزاق البدر.pdf