الاعتبار والادكار .. بمضي الأعوام وانقضاء الأعمار

عبدالرحمن اللهيبي
1445/12/29 - 2024/07/05 03:07AM
من المنقول بتصرف
 

الحمد لله الواحد القهار ، مكور الليل على النهار ، وجعل في تعاقبهما عبرةً لأولي الأبصار ، وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الغفار ، حكم بفناء هذه الدار ، وأمر بالتزود لدار القرار ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله المصطفى المختار ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار ، وصحبة الأبرار ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار. 

أمَّا بعد: فيا أيّها المسلمون: اتَّقوا الله فإنَّ تقواه عليها المعوَّل، وعليكم بما كان عليه سلَفُ الأمّة والصَّدرُ الأول، وقصِّروا الأمَل، واستعدّوا لبغْتةِ الأجل، فما أطال عبدٌ الأمَلَ إلا أساءَ العمل، (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) .

أيّها المسلمون: إنَّ الشهورَ والأعوامَ ، واللياليَ والأيام مواقيتُ الأعمال ، ومقاديرُ الآجال، ستنقضِي جميعًا وتمضِي سريعًا، فالعاقل لا يركَن إلى الدنيا أبدا، ولا يغتَرُّ بالسراب مطلقا، فكم من مستقبِلٍ يومًا لا يستكمِلُه، وكم مِن مؤَمِّلٍ لغدٍ لا يدركه، (وَلَن يُؤَخّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

أيَّها المسلِمون: إن مُضيَ الأعوام ، وسرعةَ انقضاء الأعمار، وتتابع التساقط لأوراق التقويم، لهو دليل على أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، وأنه ليس بعدَها دارٌ إلا الجنّةُ أو النار، فاحذروا الدنيا ومكائِدَها، فكم غرَّت من معمر فيها، وكم صرعت من مكِبّ عليها، وكم فجأت من مؤمل فيها ، فعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: أخَذَ رسول الله بمنكبي فقال: "كُن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل"

وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباح وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء "

 أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، ها نحن فِي أَيَّامِنَا هَذِهِ نُوَدِّعُ عَامًا هجريا ، وَنَسْتَقْبِلُ عَامًا جديدا ، فسبحان من (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)

وإِنَّ كُلَّ يَومٍ يَمضِي أو كُلَّ عامٍ ينقَضِي ، فَإِنَّمَا هُوَ نَقصٌ في أَعمَارِنا ، وَدُنُوٌّ مِنَ آجَالِنا ،  ها هي أعوامٌ تمرّ ، وأزمنة تكرّ ، والكلّ نحو أجله يسير فهل من مدكر، والأجل مقدر ، والعمل مسطر {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} 

وَالعَجَبُ ممَّن يَفرَحُ بِعَجَلَةِ مُرُورِ الأَيَّامِ ، وسُرعَة انقِضَاء الأعوام ؛ لِيَنَالَ زِيَادَةً في رَاتِبٍ أَو يَعلُوَ دَرَجَةً في وَظِيفَةٍ ، أو يحظى بتقاعد عن العمل ، وَمَا شعر أن في ذلك زيادة في كبر سنه ، واقتِرَابٌ مِن مَصِيرِهِ وأجله ..

إنا لنفرح بالأيام نقطعهــــا  وكل يوم مضى يدني من الأجل

 جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: “يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ“ حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أصحاب الدنيا.

فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل" أخرجه البخاري.

نسير إلى الآجال في كل لحظة

وأعمارنا تطوى وهنَّ مراحل

ترحل من الدنيا بزاد من التقى

فعمرك أيام وهن قلائــل

فاستكثِروا يا مسلمون في أعمارِكم من الحسنات، وتدارَكوا ما وقع منكم من الزلات والهفَوات، وعجلوا بفتح صفحة جديدة بيضاء مع رب البريات ، قبلَ أن يفجَأكم هادم اللّذات، فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبيَّ وهو يَعِظ رجلاً ويقول له: "اغتنم خمسًا قبلَ خمسٍ: شبابَك قبل هرَمِك، وصحَّتَك قبل سقمك، وغِناك قبل فقرك، وفراغك قبلَ شغلك، وحياتَك قبل مَوتِك"

فيا مسلم يا عبدالله يا من أثقلته الخطايا والآثام ، وكلنا وربي كذلك ، قلي بربك كم ضيّعتَ من أيام وأعوام، كم قضيتَها في اللّهوِ والغفلة والحرام، كم أغلقتَ بابًا على ذنب قبيح، كم صَلاةٍ أخرتها، وكم نظرةٍ حرام أصبتها، وكم حقوقٍ أضعتها، وكم مظالم بالناس أوقعتها ، وكم غيبة نشَرتها، وكم رحم قطعتها ، أنَسيتَ أن أوراق التقويم لأعوامك تتساقط واحدة تلو أخرى ، أم نسيت ساعةَ الاحتضار التي لابد منها ، حين يثقُل منك اللِّسان، وترتخي اليّدان، وتَشخصُ العينان، ويبكي عليكَ الأهل والخلان؟!  أنسيتَ ما يحصل للمحتَضَر حالَ نزعِ روحه، حين يشتدُّ كربه، ويعلوا أنينه، ويعرق جبينُه

هذا رسول الله ﷺ، وليس أكرَمُ على الله من رسولِه، حين حضرته الوفاةُ كان بين يديه رَكوةٌ فيها ماء، فجعل يُدخل يدَه في الماء فيمسَح بها وجهه ويقول: "لا إله إلا الله، إنَّ للموتِ سكرات"

ألا فلنعتبر بمضي أعمارنا ، ولنرجع إلى ربنا ، ولنصحح مسيرتنا ، ولنصلح مع الله علاقتنا ، من قبل أن تقول نفس: رب ارجعون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت

أو مَن قَبلِ " أَن تَقُولَ نَفسٌ يَا حَسرَتَا عَلَى مَا فَرَّطتُ في جَنبِ اللهِ وَإِنْ كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَو تَقُولَ لَو أَنَّ اللهَ هَدَاني لَكُنتُ مِنَ المُتَّقِينَ .

فاللهم اجعل يومنا خيراً من أمسنا، وغدنا خيراً من حاضرنا ..

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم

 

 

الحمد لله على إِحسَانه، والشّكر له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهَد أنّ نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، تَنتَشِرُ في مِثلِ هَذِهِ الأَيَّامِ مِن كُلِّ عَامٍ رَسَائِلُ عَبرَ الجَوَّالاتِ ووسائل التواصل ، مَضمُونُهَا أَنَّ صَفحَةَ العَامِ تُطوَى ، أَو أَنَّ الأَعمَالَ تُرفَعُ ، وَمَن ثَمَّ يَحُثُّ مُرسِلُهَا القَارِئَ عَلَى خَتمِ عَامِهِ بِاستِغفَارٍ أَو صِيَامٍ أَو دُعَاءٍ أَو غَيرِ ذَلِكَ ، و هَذَا عَمَلٌ غَيرُ مَشرُوعٍ ؛ إِذْ هُوَ تَخصِيصٌ لِلعِبَادَةِ بِوَقتٍ وَزَمَنٍ لم يَرِدْ في الشَّرعِ تَخصِيصُهُ بِعِبَادَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، وَلا يَخفَى أَنَّ العِبَادَاتِ مَبنَاهَا عَلَى الدَّلِيلِ الصَّحِيحِ ، لا عَلَى الاستِحسَانِ وَالرَّأيِ . وهذا إنما هو ناشئ من ظن البعض بأن الأعمال ترفع نهاية كل عام وليس هذا بصحيح فإن ابتِدَاء العَامِ الهِجرِيِّ بِشَهرِ المُحَرَّمِ وَانتِهَاؤُهُ بِشَهرِ ذِي الحِجَّةِ ، إِنَّمَا وَضَعَهُ الخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ المُلهَمُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ ، وَأَقَرَّهُ عَلَيهِ الصَّحَابَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَجمَعِينَ ـ وَإِنَّمَا وَضَعُوا ذَلِكَ حِسَابًا لِلسِّنِينَ ، ولأجل أن يكون هناك حسابا خاصا بالمسلمين ، واعتزازا يأبى التبعية لغيرهم من الكافرين

أيّها المسلمون: الصوم في شهر الله المحرَّم عبادةٌ جليلة وقربة وفضيلة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم" أخرجه مسلم.

فأكثر من الصيام في شهر الله المحرم اغتناما لفضله وإدراكا لعظيم ثوابه وأجره

فاتقوا الله أيها المسلمون واعلموا أن الأعوام تُطوى، والأعمار ستَفنى، والأبدان ستَبلى، والسعيد من طال عمره وحسن عمله، والشقي من طال عمره وساء عمله، فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: ((من طال عمره وحسن عمله))، قال: فأي الناس شر؟ قال: ((من طال عمره وساء عمله))

فهذا باب التوبة مفتوح، وقوافل التائبين من ذنوبهم والمصلحين لأحوالهم تغدو وتروح، فالبدار البدار ، قبل الممات وقبل أن لا تقال العثار ، ﴿ یَـٰقَوۡمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا مَتَـٰعࣱ وَإِنَّ ٱلۡـَٔاخِرَةَ هِیَ دَارُ ٱلۡقَرَارِ ۝٣٩ مَنۡ عَمِلَ سَیِّئَةࣰ فَلَا یُجۡزَىٰۤ إِلَّا مِثۡلَهَاۖ وَمَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ یُرۡزَقُونَ فِیهَا بِغَیۡرِ حِسَابࣲ ۝٤٠﴾

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاهُ مُسْلِم.

اللهم صل وسلم على النبي المصطفى المختار...

المرفقات

1720138645_نهاية العام منقحة ١.docx

المشاهدات 1016 | التعليقات 0