الاستغفارُ ضرورةٌ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1445/03/20 - 2023/10/05 17:45PM

الحمدُ للهِ يغفرُ للمستغفِرينَ، ويُجيبُ دعوةَ الداعِينَ، وأشهدُ أن لا إلهَإلا اللهُ الحقُ المبينُ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه للعالمينَ، فصلى اللهُوسلمَ عليهِ إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ: فاسألْ نفسَك: كمِ استغفرتُ اليومَ من مرةٍ؟! ثم تأملْ بعدَها أحوالَ نبيِك -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع الاستغفارِ، وحينَها سوفَ تلحظُ ثلاثةَ أمورٍ مدهشةٍ:

أولاً: كثرةُ استغفارِه، بحيثُ يُحصِي له أصحابُه في المجلسِ الواحدِأكثرَ من سبعينَ مرةً يقولُ: «أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلِيْهِ». ولكَ أن تتساءلَ: كمِ استغفرَ إذنْ قبلَ أن يَحضرَ هذا المجلسَ؟ وكمِ استغفرَ بعد أن قامَ منه؟!

ثانيًا: نُلاحظُ أن النبيَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا دعا ربَه فإنه يدعُو بجوامعِ الدعاءِ، من غيرِ تفصيلٍ في الدعاءِ، إلا في الاستغفارِ؛ فإنه يفصِّلُ فيه تفصيلاً طويلاً. فيقولُ: ‌رَبِّ ‌اغْفِرْ ‌لِي ‌خَطِيئَتِي ‌وَجَهْلِي،وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ، وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ().

ومعلومٌ أنه لو قيلَ: (اغفرْ لي كلَ ما صنعتُ) كانَ أوجزَ، ولكنْ لأنَالاستغفارَ عبوديةٌ للهِ، وافتقارٌ إليهِ، وتذللٌ بين يديهِ، فكلَما كثَّرَهُ العبدُوطوَّلَهُ وأعادَه وأبدَاهُ ونوَّعَ جُمَلَه؛ كانَ ذلكَ أبلغَ في عبوديتهِ، وإظهارِ فقرِهِومسكنتِهِ، وتذلُّـلِه وحاجتهِ، وكانَ ذلكَ أقربَ له إلى ربهِ، وأعظمَ لثوابهِ().

ثالثًا: لنتساءلْ: ممَّ يستغفرُ النبيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا الاستغفارَ بهذا الإكثارِ وبهذا التفصيلِ؟ وما الذنبُ الذي يُذكِّرُه به ربُه فيقولُ: ﴿وَاسْتَغْفِرْ ‌لِذَنْبِكَ﴾، ﴿‌لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَاتَأَخَّرَ﴾؟ مع أن حياتَه صافيةٌ كالزجاجةِ، فلا إثمَ ولا خطيئةَ.

إن الجوابَ عن هذا التساؤلِ هو: أن هذا الاستغفارَ النبويَ ليس لخطيئةٍ سلفتْ أو ذنبٍ مضَى، ولكنه استشعارٌ لعظيمِ حقِ اللهِ ونعمتِه وفضلِه، وأن حقَ اللهِ أعظمُ من أن يؤديَه مخلوقٌ.

ولذلكَ فعندَما قرُبتْ وفاتُه واكتملتْ رسالتُه نزلتْ عليهِ آخرُ سورةٍ،سورةُ النصرِ، وفيها الأمرُ فيها بكثرةِ الاستغفارِ: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾. فبعدَ عشرينَ سنةٍ من الجَهدِ والجهادِوالدعوةِ والبلاغِ، يُكثِرُ من الاستغفارِ زيادةً على إكثارهِ، وكأنما يقولُلربهِ: ومع كلِ ما عملتُ لك يا ربِ، فاغفرْ عظيمَ تقصيرِي في أداءِ عظيمِحقِك.

فإذا كان العبدُ عاجزاً عن إحصاءِ نِعَمِ اللهِ عليهِ وعن شكرِها، فما بقيَإلا الاستغفارُ الكثيرُ، والاعترافُ بالتقصيرِ.

وانظرْ إلى أبي بكرٍ الصديقِ –رضيَ اللهُ عنه- أفضلِ هذهِ الأمةِ بعد نبيِها، والذي يُدعَى من أبوابِ الجنةِ الثمانيةِ كلِها، ومع ذلك يُعلّمُه صاحبُه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعاءً فيهِ الاعترافُ بظلمِ النفسِ، وليس أيَ ظلمٍ ولكن ظلماً كثيراً، ثم يستجدِي ربَه ويستغفرُه بتذللٍ واسترحامٍ.

قالَ أبو بكرٍ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، فَقَالَ: قُلْ: اللهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، ‌فَاغْفِرْ ‌لِي‌مَغْفِرَةً ‌مِنْ ‌عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي؛ إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ»().

فلنحفظْ هذا الدعاءَ، ولنقُلْهُ قبلَ السلامِ من الصلاةِ.

الحمدُ للهِ غفارِ الذنوبِ، والصلاةُ والسلاُم على خيرِ من يستغفرُ ربه ويؤوبُ، أما بعدُ: فلابدَ أن نوقنَ بحاجتِنا بل ضرورتِنا للاستغفارِ، ولولا الاستغفارُ للحِقنا الخسارُ، ولذا قال أبونا آدمُ: {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف23] وقالَ أبونا الثاني نوحٌ: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[هود47]ولما شكا رجلٌ كثرةَ ذنوبهِ إلى التابعيِ مجاهدٍ فقالَ له: أينَ أنتَ من المِمْحاةِ؟!يعني الاستغفارَ().

والمصيبةُ أننا نُذنبُ، ولا نعترفُ أننا مذنبونَ، فهل نعترفُ أننا نغتابُكثيرًا ثم نُخادعُ أنفسَنا أننا ناصحونَ، ونكذِبُ كثيرًا ونعدُّ ذلك ذكاءً، ونَغُشُ ونعتبرُه شطارةً، ونتكبرُ ونظنُه عقلاً وكمالاً في شخصيتِنا، ونفرّطُ بحقوقِ أهلِينا ومَن يلِينا وننسَى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}.

فيا لسعادةَ المكثرِينَ من الاستغفارِ فقد بلغُوا أعلى مراتبِ الدينِ، فليسوا مسلمينَ فحسبْ، ولا مؤمنينَ فحسبْ، بل محسنينَ: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ(16)كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ(17)وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.

وعندما نتلذذُ بالاستغفارِ، ونستشعرُ عظيمَ الفاقةِ لتلقِي مغفرةِ اللهِ، فلنرجُ أن نكونُ ممن يقولُ له ربُه: عَلِمَ عَبْدِي ‌أَنَّ ‌لَهُ ‌رَبّاً ‌يَغْفِرُ ‌الذَّنْبَ،‌وَيَأْخُذُ ‌بِالذَّنْبِ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ().

فيا مَن أحاطتْ به الهمومُ والذنوبُ: ربُك أرحمُ بكَ من أمِكَ، فاستغفِرْه إنه كانَ توابًا، ويا مَن أنهكَه المرضُ: استغفارُك تطهيرٌ، ويا مَن كبلَتْهُالديونُ: أكثِرْ من الاستغفارِ.

• فاللهم إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ. اللَّهُمَّ إنَّا عِبادُكَ البُؤَسَاءُ الفُقَرَاءُ،الْمُسْتَغِيثُون المُسْتَغْفِرُونَ، الْمُقِرُّون الْمُعْتَرِفُون بِذُنُوبِهِم.
• اللَّهُمَّ يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ, وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ: ارحمْ عبادًااً غرهم طولُإمهالِك، ودوامُ إفضالِك، ومدُّوا أيديهم لكريمِ نوالِك.
• اللهم واحفظْ علينا دينَنا، وأعراضَنا وبلادَنا وجنودَنا.
• اللهم وبارِكْ في عمرِ وليِّ أمرِنا ووليِ عهدِه، وزدْهُم عزًا وبذلاً في نصرةِ الإسلامِ، وإمامةِ المسلمينَ.
• اللهم صلِ وس

المرفقات

1696517105_الاسـتغفار ضرورة.pdf

1696517110_الاسـتغفار ضرورة.docx

المشاهدات 872 | التعليقات 0