الاستدراج بالنعم
عايد القزلان التميمي
1444/04/17 - 2022/11/11 07:15AM
الحمد لله الجواد الكريم الشكور الحليم، أسبغ على عباده النعم الظاهرة والباطنة ودفع عنهم شدائد النقم وهو البر الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ))، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى الكريم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين وسلم تسليما
أما بعد فيا أيها المؤمنون أوصيكم ونفسي بتقوى الله ﴿ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا ﴾
عباد الله : عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ) ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } .
رواه أحمد في المسند، وصححه الألباني
ومعنى الحديث: أنك إذا رأيت الله -تبارك وتعالى- يعطي العبد من النعم ويزيده منها، وهذا العبد لا يزال مقيم على معاصيه، فاعلم أن ذلك استدراج من الله تعالى.
أيها المسلم: إذا أعطاك الله من نِعمه لأنك شكرته وحمدته فهذا إنعام؛ لأن الله وعد بالزيادة لمن شكر فقال: (( ولئن شكرتم لأزيدكم )).
وأما إذا أعطاك الله وأنت لا تزال مُقِيم على المعاصي، فاعلم أن ذلك استدراجا، لقوله صلى الله عليه وسلم (إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ).
عباد الله وَمِنْ سُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي عِبَادِهِ: اسْتِدْرَاجُهُمْ بِالنِّعَمِ، ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذلك قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِيّ مَتِينٌ ﴾
وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِلْكُفَّارِ: فَهُمْ فِي الدُّنْيَا مُسْتَدْرَجُونَ بِالنِّعَمِ لِعَذَابِ الْآخِرَةِ ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾
وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِلظَّلَمَةِ: قال الله تعالى ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِلْمُنَافِقِينَ: كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُون َ﴾ وَلِذَا خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾.
وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِأَهْلِ الْفُسُوقِ وَالْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ: كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾
وَكُلُّ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ الَّتِي عُذِّبَتْ قَدِ اسْتُدْرِجَتْ وَأُنْذِرَتْ قَبْلَ الْعَذَابِ ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾
وَكَذَلِكَ الْأَفْرَادُ يُسْتَدْرَجُونَ بِالنِّعَمِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ بِهِمُ النِّقَمُ ﴿ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
أيها المسلم إذا أغدق الله عليك من نِعَمه، وأنت لا تزال تعصي الله كثيرا، فاعلم بأن الله يستدرجك ويُمْلِي لك، وأن الله قد يؤخر عقوبتك في الآخرة؛ لأنها أشدّ، لذلك بادر إلى التوبة والاستغفار، قبل أن تؤخذ على غفلة.
اللهم إنا نعوذ بك من أن نكون من المستدرجين، ونسألك أن تجعلنا من عبادك الشاكرين المخلصين، واغفر لنا زلتنا واجعلنا من المهتدين ....
بارَكَ الله لي ولَكم في القرآنِ العَظيم
الخطبة الثانية
الحمد لله المتفضل على عباده بجزيل النعم، أحمده سبحانه، كم أسدى من نعمةٍ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الشافع والمشفع يوم القيامة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد فيا أيها المؤمنون تفكّروا في نعم الله المترادفة عليكم، وخيره الذي عمَّكم أمنٌ وإيمان واستقرار وأموال وأولاد ورغدٌ من العيش، ونِعم لا تُعد ولا تُحصى، فاشكروا الله على نِعَمِه، وقابلوها بالقيام بحقّ الله،
قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : ((يَا مُعَاذ، واللهِ، إِنِّي لَأُحِبُّكَ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَة تَقُول: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني
وقال تعالى ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾
اشكروه شُكرًا عمليًّا، حقِّقوا إيمانكم بالعمل، أخلِصُوا العبادة لله وحدَه، فلا تخافوا إلا الله، ولا تَعبُدوا إلا إياه، امتَثِلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على سيّد الأولين والآخرين وإمام المتقين كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا .
المرفقات
1668140550_خطبة الاستدراج بالنعم.docx