الأمانةُ
محمد محمد
الأمانة-4-6-1446هـ--مستفادة من خطبة الشيخ محمد المهوس
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
يَقُولُ اللهُ-تَعَالَى-فِي كتابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
هذا نِدَاءٌ مِنَ اللهِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَحْذَرُوا مِنْ أَنْوَاعِ الْخِيَانَةِ الثَّلاَثَةِ:
الأَولِ: خِيَانَةُ اللهِ: بِاقْتِرَافِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ وَالَّتِي أَعْظَمُهَا الشِّرْكُ بِهِ-سُبْحَانَهُ-، ثم الكبائرُ، قَالَ-تَعَالَى-: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، وَقَالَ: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ).
الثَّانِي: خِيَانَةُ الرَّسُولِ: بِتَرْكِ سُنَّتِهِ، أَوْ تَكْذِيبِ حديثِهِ، أَوْ عِصْيَانِ أَمْرِهِ، أَوْ عِبَادَةِ اللهِ بـِمَا لَمْ يَأمرْ بِهِ-عليهِ الصلاةُ والسلامُ-، قَالَ-تَعَالَى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وَقَالَ-سُبْحَانَهُ-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنـَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ).
الثَّالِثِ: خِيَانَةُ الأَمَانَةِ: والأمانة عَظَّمَ اللهُ-تَعَالَى-أَمْرَهَا، وَرَفَعَ شَأْنَهَا، وَأَعْلَى قَدْرَها؛ فَبِهَا تُحْفَظُ الْحُقُوقُ، وَتُؤَدَّى الْوَاجِبَاتُ، وَتُصَانُ الدِّمَاءُ وَالأَمْوَالُ وَالأَعْرَاضُ، وَبِهَا تُعْمَرُ الدِّيَارُ وَالأَوْطَانُ، وَيُقَامُ الدِّينُ، وَيُعْبَدُ اللهُ فِي أَرْضِهِ، وَبِهَا يَنَالُ الْعَبْدُ رِضَا رَبِّهِ، وَثَنَاءَ النَّاسِ لَهُ مِنْ حَوْلِهِ، فَلاَ يَسْتَغْنِي عَنْهَا أَيُّ مُجْتَمَعٍ أَوْ دَوْلَةٍ؛ قَالَ اللهُ-تَعَالَى-: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).
وَمِنَ الأَمَانَةِ: حِفْظُ الْمَالِ الْعَامِ الَّذِي جَعَلَهُ وَلِيُّ الأَمْرِ لِعُمُومِ النَّاسِ وَمَنَافِعِهِمْ، وَهُوَ أَشَدُّ فِي حُرْمَتِهِ مِنَ الْمَالِ الْخَاصِّ؛ لِكَثْرَةِ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، وَتَعَدُّدِ الذِّمَمِ الْمَالِكَةِ لَهُ؛ لأَنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ؛ وَهُوَ مِنَ الْغُلُولِ (السرقةِ) الَّذِي نَهَى اللهُ عَنْهُ، وَحَذَّرَ مِنْهُ؛ قَالَ اللهُ-تَعَالَى-: (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِـمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، وَقَالَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا (إبرةً) فَمَا فَوْقَهُ؛ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
فَاتَّقُوا اللهَ-تَعَالَى-، وَاحْذَرُوا مِنَ التَّسَاهُلِ فِي أَكْلِ الْمَالِ الْحَرَامِ بِشُبَهٍ بَاطِلَةٍ، أَوْ فَتَاوَى خاطئةٍ لاَ يُعْلَمُ مَصْدَرُهَا؛ قالَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ (حرامٍ)؛ النَّارُ أَوْلَى بِهِ".
نَسْأَلُ اللهَ-تَعَالَى-أَنْ يُجَنِّبَنَا وإياكم والـمسلمينَ الْمَكْسَبَ الْحَرَامَ، وَأَنْ يُطَهِّرَ أَمْوَالَنَا وَأَعْمَالَنَا مِنَ الْحَرَامِ، وَأَنْ يُبْعِدَنَا عَنِ الآثَامِ.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فيقولُ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ؟".
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ يتبينُ أَنَّ الْعَبْدَ ذَكَرًا كانَ أَمْ أُنْثَى سَوْفَ يُسْأَلُ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ وَعَدَّ مِنْهَا الْمَالَ!
يُسْأَلُ عَنْ هَذَا الْمَالِ أَهُوَ مِنْ حَلاَلٍ أَوْ مِنْ حَرَامٍ؟ وَهَلْ أَنْفَقَهُ فِي حِلٍّ أَمْ فِي حُرْمَةٍ؟ فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَخَذَ مِنَ الْمَالِ الْعَامِّ شَيْئًا أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ-تَعَالَى-، وَأَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ؛ فَالإِنْسَانُ مَسْؤُولٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ هَذَا الْمَالِ، وَدولتُنا-وَفَّقَهَا اللهُ-قَامَتْ بِـمُحَارَبَةِ الْمُفْسِدِينَ أَيًّا كَانَ حَالُهُمْ؛ حِفْظًا لأَمْوَالِ النَّاسِ، وَحِفْظًا لِحُقوقِهِمْ وَمُـمْتَلَكَاتِهِمْ.
أخي الكريـم: كنْ عَوْنًا لِوَلِيِّ الأَمْرِ فِي ذَلِكَ، وَقُدْوَةً حَسَنَةً لأَوْلاَدِكَ فِي حِفَاظِكَ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ، وقُدْوَةً حَسَنَةً فِي عَمَلِكَ ومتجرِك.
أحسنْ بِنا أنْ نَتَعَاوَنَ جَمِيعًا فِي تَعْزِيزِ قِيمَةِ الأَمَانَةِ الَّتِي أَمَرَنَا اللهُ بِحِفْظِهَا وَأَدَائِهَا؛ قَالَ-تَعَالَى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، وقالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ، فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ (حُسنُ أَخْلاقٍ)، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ".
اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبالمسلمينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1733404422_الأمانة-4-6-1446هـ--مستفادة من خطبة الشيخ محمد المهوس.docx
1733404423_الأمانة-4-6-1446هـ--مستفادة من خطبة الشيخ محمد المهوس.pdf