اغتنام رمضان 14-9-1443
محمد آل مداوي
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنّ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.. أما بعد:
فلَمْ تَزَلِ الوصيَّةُ بالتقوَى هي خيرُ الوصايا، وهي العُدَّةُ في الرَّزايا، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) فاتّقوا الله عبادَ الله، واعلَمُوا أنَّكم غدًا أمامَ اللهِ مَوقوفون، ويومَ العَرْضِ عليه مُحاسَبون، وبأعمَالِكُم مَجزِيُّون، واعلَمُوا أنَّ للقُبورِ وَحْشَةً أُنْسُها الأعمالُ الصالحة، وبها ظُلْمَةٌ يُبدِّدُها تَدارُكُ الموَاسِمِ السَّانِحة، فلا تغُرَّنَّكمُ الحياةُ الدنيا، ولا تُلهِيَنَّكمْ عن الآخرة.
أيها المسلمون: وأنتُم في شَهرٍ مُعَظَّم، وفي مَوسِمٍ مُبارَك، العِبَادُ فيهِ إمَّا موفَّقونَ مَهْدِيُّون، أو مخذولونَ مَحرُومون. أمَا وقد أوشَكَ نِصْفُ الشَّهرِ أنْ يرحَل؛ فسَتَمُرُّ أيَّامُه سِراعًا، وتمضِي ليَالِيهِ تِباعًا، وسيكونُ مِنْ شَأنِ المُوفَّقينَ تَحصِيلُ وافِر الأجور، والفوزُ برحمَةِ المولى الغَفُور، والسَّعادةُ في الدنيا وفي يومِ النُّشور.
وقد صَحَّتِ الأخبارُ عن النبيِّ r فيما رواهُ الشيخان أنَّ (مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)، وأنَّ (مَنْ قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)، وأنَّ (مَنْ قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)، وصَحَّ عنه r أنه قال: (رَغِمَ أنفُ امرئٍ أدركَهُ رمضان فلم يُغفَر له).
رمضانُ -يا عبادَ الله- يُكفِّرُ اللهُ بالأعمالِ الصالحة فيهِ ما بينَه وبينَ رمضانَ الآخر؛ فعن أبي هريرة t عن النبي r قال: (الصلواتُ الخمس، والجُمعةُ إلى الجُمعة، ورمضانُ إلى رمضان؛ مُكفِّراتٌ لما بينهنَّ إذا اجتُنِبَتِ الكبائر)
والسَّعيدُ مَنِ اغتنمَ هذا الموسِمَ المبارَك، فسابَقَ إلى الطاعات، ونافَسَ في العبادات، فنالَ نفحةً مِنَ الفضل، وفازَ بالعِتقِ والأجر.. روى الترمذيُّ مِنْ حديثِ أبي هريرة t عن النبيِّ r قال: (إذا كانَ أوّلُ ليلةٍ مِن رمضان غُلِّقَتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتَحْ منها باب، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلَقْ منها باب، ويُنادِي مُنَادٍ: يا باغِيَ الخير: أقبِلْ، ويا باغِيَ الشرِّ: أقصِرْ، وللهِ عُتقاءُ مِنَ النارِ وذلك في كلِّ ليلةٍ، حتى ينقضِي رمضان).
عبادَ الله: ليكن شأنُكم التقلُّلَ مِنْ أَعراضِ الدُّنيا، والإحسانَ إلى الأقربين، وإدامةَ ذكرِ الله، وتحقيقَ التقوى التي شَرَعَ اللهُ الصيامَ لأجلِها: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
عَظِّموا شهرَكم، واحفَظوا صِيامَكم؛ وبادروا إلى التوبةِ النَّصُوح، والخروجِ من المظالِم، ومُحاسبةِ النفسِ بالقيامِ بما قصَّرَت فيه. وكلٌّ أعلمُ بنفسِه. ولا تدري متى يأتيكَ الأجَل، ويَنْقَطِعُ بك الأمَل، ويُختَمُ على صَحيفةِ أعمالِك.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه، فيا فوزَ المستغفرين!.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله العليِّ الأعلى، الذي خلقَ فسوَّى، والذي قدَّر فهدَى، أحمدُ ربِّي وأشكرُه على نعمه التي لا تُحصَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيِّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.. أما بعد:
فإنَّ مِنْ أفضَلِ الأعمال: أداءُ ما افترَضَ الله، والوَرَعُ عمَّا حَرَّمَ الله، وصِدْقِ النيَّةِ معَ الله، وفي الحديثِ القدسي: (وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترَضْتُه عليه)، ومِنْ بعدِ الفرائضِ يكونُ التقرُّبُ بالنوافِل، والبُعدِ عن المكروهَاتِ بعدَ المحرَّمات، وفي الحديث: (وما يَزالُ عَبدِي يتقرَّبُ إليَّ بالنوَافلِ حتى أُحِبَّه)، ومَنْ أحبَّهُ اللهُ؛ أعانَهُ على طَاعَتِهِ والاشتِغَالِ بذِكْرِه، فحَصَلَ لهُ القُربى منه، والزُّلْفَى إليه.
ألاَ فاتقوا الله عبادَ الله، وأَرُوا اللهَ مِن أنفُسِكم خيرا، فاليومَ عَمَلٌ ولا حِسَاب، وغدًا حِسَابٌ ولا عَمَل، (وَتَزَوَّدُوا فإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقوَى)
واعلموا أنَّ الله أمرَكم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال تبارك وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وقال r: (مَنْ صَلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى اللهُ عليه بها عشرًا).
فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين.. اللهم صلِّ وسلّم عليه، وعلى أزواجه وذريَّته، اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه وولي عهده لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة، يا سميع الدعاء.
اللَّهم اُنْصُر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم اِرْبِطْ على قلوبـهم، وثبِّت أقدامهم، وعاف جريحهم، وتقبّل شهيدهم، واخلفهم في أهليهم بخيرٍ يا رب العالمين.
اللهم تقبَّل منا صيامنا وقيامنا، اللهم تقبَّل منا الصيامَ والقيامَ، اللهمّ كما بلّغتنا أولَ هذا الشهر فبلّغنا آخره، واجعلنا فيه من عتقائك من النار، يا أرحم الراحمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1649931218_خطبة 14-9-1443 اغتنام رمضان.docx
1649931219_خطبة 14-9-1443 اغتنام رمضان.pdf