إلى أبنائنا الطلاب + منارات في عشر ذي الحجة

سامي بن محمد العمر
1443/11/24 - 2022/06/23 15:46PM

إليكم أيها الطلاب... (في الاختبارات)  

أما بعد:

أبنائي... بعيداً عن أساليبب الوعظ وجمل التذكير التي سيملُّ كثير منكم سماعَها.   

بعيداً... عن منهج التشكيك في قُدراتِكم وحرصِكم واهتمامِكم بعيدا عن كل هذا.... أ

دعوكم: لتفتحوا لي قلوبكم بضع دقائق؛ لتسمعوا حديثاً؛ أنثر حبي في كلماته، وأنشر نصحي في عباراته.

1- أيها الأبناء الأعزاء: من أعظم أمنيات الأب أن يكون ابنه خيرا منه هدى وصلاحا، تفوقا ونجاحا {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران: 38] ولذا فهو لا يدخرُ وُسعاً أن يهيئَ لك ما يُحقق تلك الأمنية،، وقد يخونه التعبير، وقد يُخطئ المسلك، وقد يُطيل الطريق... فهلا شفعتْ تلك الرغبةُ الحقيقة؛ أن يكون قلبُك لها حاوياً، وعقلُك لها واعياً، وسلوكُك بعد ذلك مع أبيك مرضياً، ولفظُك معه حميداً؟

2- بنيَّ: من مُسلَّمات الحياة أن الله علقَ حصولَ الأشياء بوجود أسبابها وانتفاءِ موانعها، وما شذَّ عن ذلك فهو معجزةٌ أو كرامةٌ. فمن رام حصول الولد تزوج، ومن رام حصول النجاح جدَّ واجتهد. ولكن الذي لا ينبغي أن يخفى عليك: أن السبب الذي تفعله من المذاكرة والحفظ، واحد من مخلوقات الله؛ هو أمرك بفعله، ويسَّرَ لك أسبابه، وأبعدَ عنك ما يُنغصُ عليك حالك، ويُكدر مزاجك... فكيف يليق بك أن تنساه وألا تلقي بنفسك عليه... نافياً حولَك وقوتَك أمام حولِه وقوتِه. هو التوكل بأبسط معانيه... في وصية من حبيبك صلى الله عليه وسلم تنفعك هذه الأيام: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان)([1]) (احرص على ما ينفعك) المذاكرة (واستعن بالله) التوكل (ولاتعجز) لاتقصر فيهما. {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]

3- بعد أن تجتهد في فعل الأسباب، انبهك: أن تحسن الظن بالله: أنه سيوفقك وييسرُ أمرك، ولا تقطعْ رجاءك منه؛  ففي الحديث القدسي (أنا عند ظن عبدي بي)([2]) ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها أن تقول: ((يَا حَيّ يَا قَيُّوم بِرَحْمَتِك أَسْتَغِيث أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلّه وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَة عَيْن))([3])

4- أبناءنا الطلاب: يعجبنا جميعاً، ونسرُّ أيما سرور، حين نرى إقبالكم على الله في هذه الأيام لجوءاً إليه، وتضرعاً بين يديه، وحرصاً على مرضاته، وبعداً عن معصيته. وليس هذا من النفاق في شيء؛ كما يحاول الشيطان أن يعمي به البصائر. إن الله الذي نجَّى المشركين من الغرقِ لما أخلصوا له؛ لن يترك أهل التوحيد إذا لجأوا إليه؛ فتأمل: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ). هل ذمَّ لجوءَهم إليه؟ أو ذمَّ عودتهم للشرك؟

5- أبناءنا: ماذا تتوقعون أن يكون حالُ الذي يعتمد على السبب وينسى الله؟ يقول صلى الله عليه وسلم: (ومن تعلق شيئا وُكِل إليه)، حين يلتفت قلبك بكليته لغير الله من الأمور المباحة فإن مصيرَك الفشلُ والخذلان. فقل لي بربك: إذا كان الذي يعتمد على السببِ المباحِ وينسى الله: يُخذل!!! أفلا يكون الذي يعتمد على السبب المحرم -كالغش- أجدرَ بالخذلان؟ (ومن غشنا فليس منا).

6- بُنيَّ العزيز: الأخطر من الغش في الاختبار هو المجاهرة والتفاخر به مع الطلاب بعد الاختبار ومن يفعلْ ذلك فهو على خطرٍ عظيم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين)).

7- بقي أن أهمس لك يا بُنيَّ بأن الله بك رحيم، بك رؤوف. فإذا تعسر على أحدنا شيء في اختباره فليوقن أن اليسر يحوم حواليه لأن الله أخبرنا أن اليسر يكون (مع) العسر وليس بعده. {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5، 6]

ثم اعلم: أن لذَّةَ النجاحِ ستُنسي تعبَ المذاكرة، ولكنَّ الإخفاق لن يُنسي قبح الإهمال؛ والله يتولاك بحفظه ورعايته وتوفيقه  

بارك الله لي ولكم  

الخطبة الثانية

  أما بعد:

فإنكم تستقبلون أياماً هي عند الله أفضل الأيام:

- أياماً أقسم الله بها فقال (وليال عشر) وسماها الأيام المعلومات.

- أياماً عظم الله أجر العمل الصالح فيها، حيث قال صلى الله عليه وسلم : «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟» قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء»([4]) .

فمن عزم على اغتنام تلك الأيام الفاضلة فعليه بثلاث منارات تنير له الطريق وتسهل الوصول:

1- التخلية قبل التحلية: تخليةُ القلب وتنظيفه من المعاصي والذنوب قبل تحليته بالعمل الصالح الذي تريد أن تجتهد فيه، ولا يكون ذلك إلا بالتوبة. يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم :«يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب، في اليوم إليه مائة، مرة»([5]).

2- الفرائض أحب إلى الله عزوجل من غيرها: وهو القائل في الحديث القدسي: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه»([6])

3- الإكثار من الذكر: فإن النبي صلى الله عليه وسلم حين حث على العمل في هذه العشر قال: «فأكثروا فيهن من التحميد والتهليل والتسبيح والتكبير».

اللهم اكتبنا فيمن أدرك العشر وفاز فيها بعظيم الثواب والأجر      

 

 

([1]) رواه مسلم من حديث أبي هريرة  t.

([2]) متفق عليه.

([3]) أخرجه النسائي والبزار من حديث أنس بن مالك. وصححه الألباني .

([4]) صحيح البخاري (2/ 20) (969).

([5]) صحيح مسلم (4/ 2075).

([6]) صحيح البخاري (8/ 105).

المرفقات

1655999207_إليكم أبنائي الطلاب... (في الاختبارات).docx

1655999208_إليكم أبنائي الطلاب... (في الاختبارات).pdf

المشاهدات 768 | التعليقات 0