أنْوارُ الكَهْفِ ( مَشكولةٌ بثلاثِ صِيَغ)

راشد بن عبد الرحمن البداح
1442/05/22 - 2021/01/06 21:06PM

الحمدُ للهِ العليمِ الخبيرِ، قَبِلَ مِنْ عبادِهِ اليَسيرَ، وأعطَى مِنْ فضلِهِ الكثيرَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وأشهدُ أنْ نبيَنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ البشيرُ النذيرُ، والسراجُ المنيرُ، فصلى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ والتابعينَ، ومَنْ تَبِعهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:

فاليومَ سيمتدُ لأناسٍ موفقينَ نورٌ عظيمٌ، نورٌ يَدومُ أسبوعاً لا يَنطفئُ لمنْ قرأَ سورةً عظيمةً كانَ الصحابةُ يُحبونَها، إنها أنوارُ سورةِ الكهفِ كلَّ الجمعةِ، {نُورٌ عَلَى نُورٍ}.

أيُها المؤمنونَ: في سورةِ الكهفِ أربعُ قصصٍ يربِطُها مِحورٌ واحدٌ، وهوَ الوقايةُ منْ أخطرِ أربعِ فتنٍ، والعجيبُ المخيفُ أنَ المسيحَ الدجّالَ سيأتيْ معهُ بهذهِ الفتنِ الأربعِ كلِها: فتنةِ الدينِ،  وفتنةِ المالِ، وفتنةِ العِلمِ، وفتنةِ السلطةِ.

ففتنةُ الدينِ في قصةِ الفتيةِ المؤمنةِ، الذين هَرَبُوا بدينِهِم من بيئةٍ مشركةٍ مهيمِنةٍ، فآوَوا إلى كهفٍ ضيقٍ خشِنٍ، فوَجدُوا رحمةَ اللهِ حينَ فَقَدُوها في المدنِ والدورِ. حَفِظوا اللهَ، فحفِظهمْ في نومِهمْ، ومِن أذَى قومِهمْ.

أتدري ما المَخْرجُ من هذهِ الفتنةِ الدَّهْيَاءِ والمصيبةِ الكأْدَاءِ؟!

المَخْرَجُ بأمرينِ: بالصُحبةِ الصالحةِ، وبالتعلُقِ باللهِ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.

وتأملُوا أعجوبةً لطيفةً، فقد ذَكرَ اللهُ كلبَهم معَ أنه مُستقذَرٌ عندَ الناسِ، فلماذا ذُكِرَ؟ لأنَ الصحبةَ مؤثرةٌ، فقد أثّرتْ في الحيوانِ، فسَعِدَ برِفقَتِهِم، ومَن أحبَ قوماً سَعِدَ بهِمْ.

 الفتنةُ الثانيةُ: فتنةُ المالِ في قصةِ صاحبِ الجنتينِ الذي أسبَغَ اللهُ عليهِ نِعمَهُ، فَكَفَرَ بأنعُمِ اللهِ ونسِيَ أمرَ الساعةِ، وتكبرَ على الناسِ بمالهِ. فَمَنْ فُتِنَ بالمالِ، فعطّلَ الفرائضَ، وجاوَزَ الحلالَ إلى الحرامِ؛ فليأخذْ عِظةً من قصةِ صاحبِ الجَنتينِ، ولينظرْ في سبيلِ النجاةِ، بالقناعةِ، وفهمِ مصيرِ الدنيا وغرورِها، وتذكُرِ الجنةِ وحُبورِها:(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا).

الفتنةُ الثالثةُ فتنةُ العِلمِ، فقد جَزَمَ موسى عليهِ السلامُ أنه أعلمُ أهلِ الأرضِ، فأوحىَ اللهُ تعالى له: يَا مُوسَى إِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ آتَيْتُهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ أُوتِكْ. فرَحَلَ رحلةً شاقّةً لِلقائِهِ والتعلمِ منه، وقد تأدبَ مع مُعلمِهِ بألطفِ خطابٍ، حيثُ قالَ -وما أجملَ ما قالَ-:[هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا] فأَخرَجَ الكلامَ بصورةِ الملاطَفةِ والمشاوَرةِ.

ومِن هداياتِ قصةِ موسى أن هذهِ القضايا الثلاثَ أَجرَاها اللهُ على يدِ الخَضِرِ؛ ليَستدِلَ العبادُ بذلكَ على ألطافهِ في أقضِيتهِ، وأنه يُقدِرُ على عبادِهِ أمورًا يَكرَهُونَها جدًا، وهي صلاحُ دينهِم، ودنياهُم، ليَعرِفوا ويَرضَوا غايةَ الرِضَى بأقدارِه المكروهةِ.

ففي كل أسبوعٍ تخبِركَ سورةُ الكهفِ بأنَ الخيرَ سيَنبُعُ من ثنايا مُصيبتِكَ، وأنَ رحمةَ اللهِ قد تُرسَلُ إليكَ على هيئةِ مصيبةٍ، فلا تَيأسْ منْ رحمةِ اللهِ أبداً.

الفتنةُ الرابعةُ: فتنةُ السلطانِ في قصةِ ذي القرنينِ، المَلِكِ العادلِ الذي مَلَكَ مشارِقَ الأرضِ ومَغاربَها، لكنهُ لم يَستعْلِ على الناسِ بقوتهِ؛ بل أقامَ العدلَ، ونَصَرَ المظلومَ، معترفًا بفضلِ اللهِ تعالى عليهِ بالسلطانِ والمالِ {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} وانظرْ إلى حُسنِ سياستهِ حينَما أَشرَكَهُمْ في النهضةِ التنمويةِ للبلادِ، فلما تمَ البناءُ نَسَبَ الفضلَ في ذلكَ للهِ تعالى: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي}.

الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِّ المصطفَى، أما بعْدُ:

إنها الكهفُ مَنْ قرأها تغشَّتْهُ السكينةُ. ففي صحيحِ البخاريِ في بَابِ فَضْلِ سُورَةِ الكَهْفِ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالقُرْآنِ([1]).

فيُسنُ قراءةُ سورةِ الكهفِ كلَ جمعةٍ، قبلَ غروبِ شمسِها. وحديثُها ثابتٌ عندَ عشرةِ علماءَ، فقد صححهُ الحاكمُ وابنُ عابدينَ والألبانيُ، وحسنهُ المنذريُ وابنُ حجرٍ والسيوطيُ والمُناويُ وابنُ بازٍ، واحتجَ به ابنُ تيميةَ وابنُ القيمِ([2]).

فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ([3]).

ومَن حفِظَ وحافَظَ على العشرِ الآياتِ من أولِها عُصِمَ من تلكَ الفتنةِ العظيمةِ، فتنةِ الدجالِ([4]).

فالزَمُوا كلَ جمعةٍ كهفَ سورةِ الكهفِ، بل احفظُوها، وعوّدوا أولادَكم عليها، لتحفَظَنا من الفتنِ ما ظهرَ منها وما بَطنَ.

·       فاللهم أعنا على أنْ نشكرَكَ على لطفِكَ في بلائِكَ، وأن علمتَنا سبيلَ دفعهِ، ورفعهِ.

·       اللهم لك الحمد على أننا في بلادِ الحرمينِ موئلِ العلماءِ، ومقيميِ التوحيدِ والسنةِ الغراءِ، البلادِ التي يُجبَى إليها ثمراتُ كلِ شيءٍ.

·       اللهم لكَ الحمدُ على نجاحِ وصلاحِ أولادِنا.

·       اللهمَ احفظْنا وأولادَنا من فتنِ الشبهاتِ والشهواتِ.

·       اللهم لك الحمدُ على إجازةٍ آمنةٍ مليئةٍ بالأخبارِ المفرحةِ.

·       اللهم لك الحمدُ على الغيثِ المدرارِ، والعشبِ الوافرِ والنوارِ.

·       اللهم لك الحمدُ على نعمةِ الدفءِ، ونعمةِ التدفئةِ مع البردِ.

·       اللهمَ إنا عاجِزونَ عن شُكرك، فنُحيلُ إلى علمِكَ وفضلِكَ، فلكَ الحمدُ بكلِ نعمةٍ أنعمتَ بها علينا في قديمٍ أو حديثٍ.

·       اللهمَ باركْ في أوقاتِنا وأقواتِنا، وحسِّنْ أخلاقَنا، وبارِكْ أرزاقَنا.

·       اللهمَ وآمنْ أوطانَنا، واحفظْ وسدِدْ إمامَنا، ووليَ عهدِ إمامِنا. وارزقهمْ بِطانةَ الصلاحِ.

·      اللهم صلِ وسلِمْ على نبيِنا محمدٍ.


([1]) صحيح البخاري (5011)

([2])المستدرك (3392) انظر: الترغيب والترهيب (1/ 298) ومجموع الفتاوى لابن تيمية (24/ 215) والتيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 436) ورد المحتار (2/ 164). وقد صحح وقفه على أبي سعيدٍ البيهقيُ في شعب الإيمان (4/ 86) وابن القيم في زاد المعاد (1/ 366) وابن كثير في تفسيره (5/ 134) وابن حجر في تلخيص الحبير (2/ 72). وقال ابن باز في مجموع فتاويه (12/ 415) والألباني في إرواء الغليل (3/ 94): وإن كان موقوفًا فله حكم المرفوع؛ لأنه مما لا يقال بالرأي.

([3])سنن الدارمي (3450) السنن الكبرى للبيهقي(6209)

([4])صحيح مسلم (809).

المرفقات

1609966960_أنوار الكهف.pdf

1609967194_أنوار الكهف.doc

المشاهدات 1686 | التعليقات 0